عادت منشأة "نطنز" النووية الإيرانية لتتصدر الساحة الإعلامية وتغطيات كبريات الصحف والشاشات، بعد تعرضها، امس الأحد، لهجوم أحدث بها أضرار جسيمة، قال "الموساد" إن إسرائيل تقف وراءه.
ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة طويلة من الهجمات التي تعرضت لها المنشأة خلال الأشهر والسنوات الماضية.إذ كلما غابت عن المشهد، تُعاد إليه، فالعيون التي تراقبها وتترصد أخبارها، تكاد لا تحصى، فما أهميتها؟ ولماذا كل هذا الاهتمام العالمي بها؟.
منشأة "نطنز".. مفاعل لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض
تقع "نطنز" على بعد 250 كيلومتراً جنوبي العاصمة طهران، وهي أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في إيران.
وتضم مفاعلاً لتخصيب اليورانيوم مساحته 100 ألف كم مربع أنشئ تحت الأرض بـ 8 أمتار، محمي بجدار سمكه 2.5 متراً يحميه جدار آخر خرساني. في 2004 دُعم سقفه بالإسمنت المسلح وتغطى بـ 22 متراً من الأرض.
ووافقت إيران بموجب الاتفاق النووي عام 2015 على إنتاج يورانيوم منخفض التخصيب بتركيز يتراوح ما بين 3 و4 في المئة من يورانيوم 235، وهو ما يمكن استخدامه كوقود للمفاعلات النووية. ويحتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة النووية أن يكون مخصباً بنسبة 90 في المئة أو أكثر.
ووافقت إيران أيضاً على تركيب ما لا يزيد على 5060 من أقدم أجهزة الطرد المركزي في إيران وأقلها كفاءة حتى 2026، وألا تقوم بأي أعمال للتخصيب في منشآتها السرية الأخرى حتى 2031.
وفي العام الفائت، بدأت إيران في التراجع عن هذه الالتزامات رداً على قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب التخلي عن الاتفاق النووي وتطبيق عقوبات اقتصادية على طهران.
وفي تشرين الثاني عام 2019، قالت طهران إنها ضاعفت عدد معدات الطرد المركزي المتطورة في "نطنز" وبدأت في شحن غاز اليورانيوم هيكسافلورايد في أجهزة الطرد المركزي في "فوردو".
حريق يلتهم المنشأة وطهران تعتبر أن لأميركا وإسرائيل علاقة به
في 2 من تموز 2020 ، تعرضت منشأة "نطنز" لحريق ضخم، أُثيرت حوله فرضيات مختلفة بشأن أسبابه والمسؤولين عنه، حينئذ، أكد رئیس "منظمة الطاقة الذریة الإيرانية"، علي أکبر صالحي، أن "سیناریوهات مختلفة لحادث نطنز قید التحقیق، وسنعلن النتائج المؤکدة قریبًا"، بحسب وكالة "إسنا" الإيرانية.
وفي تشرين الثاني 2020 تسبب حريق وقع بمنشأة "نطنز" النووية يوم بخسائر كبيرة، بعد أن اشتعلت النيران في ورشة لتجميع أجهزة الطرد المركزي، وقد تحدث بعض المسؤولين الإيرانيين عن تخريب ناجم عن عملية قرصنة إلكترونية.
في حين قال، قال رئيس "منظمة الدفاع المدني الإيراني"، غلام رضا جلالي، إن "طهران لا تستبعد أن يكون عملًا تخريبياً من قبل مجموعات المعارضة، أو هجوماً سيبرانياً من قبل أميركا التي تقف وراء عدة أحداث وقعت مؤخراً في إيران”.
جلالي اعتبر أن "الجزء الأكبر من الحوادث التي حصلت في قطاع الطاقة خلال الآونة الأخيرة كانت ناجمة عن عدم مراعاة قواعد الأمان"، لكن جزءاً آخر يمكن أن يكون ناتجاً عن تحرك الجماعات المعادية "للثورة والعناصر المرتبطين بها، وربما العدو أيضاً يقف وراءها".
وكانت منشأة "نطنز" تعرضت في عام 2007، لهجوم خلال حملة "الحرب السيبرانية" المعروفة باسم "الألعاب الأولمبية" التي تضمنت استخدام فيروس الكمبيوتر "Stuxnet".
وأدى هذا الفيروس إلى تشفير التعليمات البرمجية، وتدمير المئات من أجهزة الطرد المركزي، من بين أضرار أخرى، ويُعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة هما مهندستا العملية.
عين ترامب كانت على "نطنز"
يعود الفضل للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في إعادة منشأة "نطنز" إلى الواجهة، بعد أن ناقش مع كبار مساعديه للأمن القومي فكرة مهاجمة إيران بسبب تطوير أنشطتها النووية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، قبل انتهاء ولايته.
الصحيفة نقلت، حينئذ، عن أربعة مسؤولين أميركيين، قولهم إن "الرئيس الأميركي، طلب من كبار مستشاريه معرفة ما إذا كانت لديه خيارات لاتخاذ إجراء عسكري ضد موقع نطنز النووي".
ومن بين المسؤولين الذين حضروا الاجتماع، وفق الصحيفة، نائبه مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع بالإنابة كريستوفر ميلر، والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وقالت الصحيفة إنه بعد أن تحدث بومبيو وميلي للرئيس الأميركي عن المخاطر المحتملة للتصعيد العسكري، غادر المسؤولون الاجتماع وفي اعتقادهم أن هجوماً صاروخياً داخل إيران لم يعد مطروحاً، لكن مصادر الصحيفة قالت إن ترامب ربما لا يزال يبحث عن طرق لضرب أهداف لإيران وحلفائها، بما في ذلك الميليشيات الموالية لها في العراق.
وجاءت مناقشة ترامب هذه، بعد تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أشار إلى أن كمية اليورانيوم منخفض التخصيب في "نطنز" تجاوزت الآن 12 ضعف الحد المسموح به وفق الاتفاق النووي المبرم مع الدول الكبرى في عام 2015".
وفي الثاني من تشرين الثاني 2020، وصلت كمية اليورانيوم المخصب إلى 2442.9 كيلوغرام مقابل الحد المسموح به البالغ 202.8 كيلوغرام. وهذا يكفي لإنتاج سلاحين نوويين، بحسب تحليل لـ "معهد العلوم والأمن الدولي".
وفي تقرير الوكالة السابق الذي يعود إلى شهر أيلول2020، كان هذا المخزون 2105.4 كيلوغرامات.