بعد عدة ساعات من عرض وكالة الطاقة الذرية لإنجازاتها الجديدة يوم أمس، والبدء الرسمي بتشغيل عدد من المنشآت النووية الجديدة بأمر من الرئيس الإيراني حسن روحاني، ظهر المتحدث باسم وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال فندي، ليعلن عن وقوع حادثة في جزء من شبكة توزيع الكهرباء التابعة لمنشأة تخصيب اليورانيوم (شهيد أحمدي روشن) في (نطنز).
ولم تمض ساعات قليلة حتى دان مدير وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، الهجوم الذي استهدف منشأة نطنز النووية، واصفاً إياه بـ "العمل الإرهابي" الذي تحتفظ إيران بالرد عليه، دون ذكر الجهة المُستَهدِفة.
الموساد الإسرائيلي يتبنى
ووفقاً للرواية الرسمية الإيرانية، لم تتسبب حادثة قطع الكهرباء بضرر للمنشآة النووية، ولم ينجم عنها أي تلوث نووي أو إصابات بين موظفيها، لكن مصادر استخبارية تحدثت لقناة "كان 11" الإسرائيلية أن عملية الموساد التي استهدفت منشأة نطنز النووية الإيرانية كانت هجوماً إلكترونياً، وأن الضرر الناجم عنها كان أسوأ مما تحدث عنه الإيرانيون.
ليس الهجوم الأول
رغم الإجراءات والاحتياطات الأمنية الصارمة التي تفرضها إيران على منشآتها النووية، بما ذلك عزل كل أقسامها عن الإنترنت العالمي، تعرضت منشأة نطنز النووية الإيرانية في العقدين الماضيين لهجمات إسرائيلية عديدة تنوعت بين الهجمات السيبرانية التي ركزت على حقن البرامج الخبيثة الضارة (استاكس نت) بالتعاون مع أحد العملاء الإيرانيين المتعاونين، وزرع العبوات الناسفة التي ضربت أجزاء حساسة مثل الموقع الرئيسي لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة مثل IR-4 وIR-6.
صحيح أن إيران تعلمت درساً مهماً من تجربة العراق الذي قام ببناء مفاعل تموز فوق الأرض، ودمرته إسرائيل في 7 يونيو/حزيران 1981، لكن ذلك لم يمنع الجهود الإسرائيلية من استهداف برنامج إيران النووي، وتخريبه بهدف تأخيره لسنوات عدة على الأقل.
قائمة بالهجمات الإسرائيلية على نطنز
فيما يلي نعرض التسلسل الزمني للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منشأة نطنز:
في عام 2007، انفجر مصدر الطاقة اللازمة لتنظيم جهد التيار الكهربائي في منشأة التخصيب في نطنز، مما أدى إلى تدمير العشرات من أجهزة الطرد المركزي.
وفي عام 2010، تسبب هجوم فيروس ستاكس نت على منشأة نطنز النووية بتعطيل أكثر من 30 ألف حاسوب، مما دمّر حوالي 100 جهاز طرد مركزي، وأثار خللاً في برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، وأدى لتأخره عدة سنوات.
وفي يوليو/تموز 2020، أدى الانفجار الذي ضرب جزءاً فوق الأرض من منشأة نطنز لتعطيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، مما أعاد برنامج إيران النووي إلى الوراء عاماً أو عامين، وفقاً لما تحدثت مصادر لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
تكتيكات إسرائيلية محدودة لا تساهم في تحقيق الهدف الرئيسي
مع أن إسرائيل استطاعت شن عمليات ناجحة عديدة ضد منشآت البرنامج النووي السري الإيراني وعقولها المدبرة، ما يدل على تفوق وهيمنة استخبارية إسرائيلية على إيران في هذه المسارح التي تسببت بإحراج كبير بالنسبة للإيرانيين خلال العقدين الماضيين، ولا يختلف الهجوم الأخير من حيث النوعية وطبيعة الأهداف عن الهجمات السابقة التي تكشف عن ضيق الخيارات الإسرائيلية التي نجحت في تأخير البرنامج النووي سنوات عديدة للواء، لكنها لم تستطع تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في تدمير البرنامج النووي بشكل كامل.
صحيح أن التكتيكات الإسرائيلية السابقة كانت ناجحة من حيث التنفيذ وتحقيق الأهداف الممكنة، لكنها كلها تنحصر ضمن نطاقين اثنين فقط:
الهجمات السيبرانية التي تتطلب بشكل حاسم وجود متعاونين داخل المنشآت النووية الإيرانية لتسهيل عملية حقن الفيروسات الخبيثة، و عملية زرع العبوات والمتفجرات لتدمير أجزاء حساسة من المنشآت النووية.
وكلا الخيارين يتطلبان كثيرا من الوقت اللازم والإعداد والتخطيط الدقيق والتعاون الاستخباري من أجل إلحاق ضرر كبير بالمنشآت النووية الإيرانية، في ظل ارتقاء الدفاعات الإيرانية وتطورها المستمر في سبيل حماية منشآتها النووية.
إن اكتفاء الهجمات الإسرائيلية بضرب منشأة نطنز النووية خلال العقود الماضية دون منشأة (فوردو) التي أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بدء تشغيل الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي فيها قبل أشهر، يظهر أن دفاعات المنشأة الأخيرة كانت عصية على الاختراقات الإسرائيلية التي لا تمتلك كثيرا من الخيارات الناجعة اللازمة لتحقيق الهدف الأساسي أو الهدف الممكن على الأقل.
لذلك، على ما يبدو يستخدم جهاز الموساد الإسرائيلي تكتيكَي (التخريب والهجوم السيبراني) المتبقيين لديه لتأخير قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ومنعها من تحقيق قدرتها على إنتاج أول رأس حربي نووي يتم تثبيته على صواريخها البالستية التي تعدد مداها بين متوسط المدى وبعيد المدى.
استبعاد الخيار العسكري في استهداف منشآت إيران
من ناحية أخرى، يشير التاريخ الطويل من الهجمات الإسرائيلية السرية ضد منشآت إيران النووية إلى عدم قدرة إسرائيل على استخدام الخيار العسكري المتمثل بتنفيذ ضربات جوية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية في نطنز و(خنداب) وفوردو و(آراك) وأجزاء أخرى من إيران.
والسبب الرئيسي وراء ذلك يعود إلى أن معظم الطائرات الإسرائيلية المقاتلة، بما ذلك مقاتلات طراز F-15I القادرة على حمل قنابل جي بي يو 28 الخارقة للملاجئ لا تتمتع بخاصية التخفي من الرادار، ناهيك عن أن المدى القتالي للطائرات الإسرائيلية لا يسمح لها بالطيران لمسافة 1300 كيلو متر حيث تبعد منشأة نطنز، دون التزود بالوقود فوق سماء العراق.