عام 1983 قال وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز "أصبحنا عاجزين عن مواجهة كم التعقيد الذي واجهنا"، تصريح شولتز جاء ليبرر انسحاب القوات الأميركية وقوات حفظ السلام من لبنان عقب تفجير ثكنة المارينز في بيروت، والتي قتل فيها 241 جندياً أميركياً. اتهمت واشنطن ميليشيا حزب الله اللبناني بتنفيذ التفجيرات، والذي ربطته علاقات قوية مع إيران ونظام حافظ الأسد الذي كان على خلاف مع إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغن، واليوم بعد 38 عاماً يبدو المشهد مشابهاً في سوريا، بعد غض الولايات المتحدة البصر عن تطبيع الأردن مع نظام بشار الأسد الذي انتقل من استخدام القنابل البشرية المتفجرة إلى إنتاج وتصدير الإرهاب إلى دول الجوار، بعد أن استخدمه جيداً داخلياً لقمع الثورة.
في تموز الماضي، قاد الملك عبد الله الثاني عقب لقائه بالرئيس الأميركي جو بايدن تطبيعاً إقليمياً سريعاً لنظام بشار الأسد، وهو ما يتعارض مع السياسة الأميركية في سوريا ومع قانون "قيصر"، وقال الكاتب المتخصص في السياسة الخارجية جوش روجين في مقال على واشنطن بوست: "إن إدارة بايدن قررت أنها لن تقف ضد هذا النشاط بعد الآن، حيث ترى أن العواقب قد تكون وخيمة".
وعلى مدى السنوات الماضية، كان كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، أحد المؤيدين الرئيسيين لمثل هذا النهج، طالب الولايات المتحدة في مقال نشر في العام 2019، بعنوان "حقائق صعبة في سوريا"، بالكف عن معارضة الجهود التي يبذلها شركاؤها العرب للتطبيع مع الأسد.
كما قال ماكغورك إن الولايات المتحدة: "يجب أن تشجع شركاءها داخل سوريا، مثل قوات سوريا الديمقراطية، على إبرام صفقة مع نظام الأسد حتى تتمكن القوات الأميركية من المغادرة، ويمكن لروسيا والنظام تولي المسؤولية هناك".
الأسد وزعزعة استقرار دول الجوار
في الخامس من الشهر الجاري، كشف مدير المخابرات العامة الأردنية، اللواء أحمد حسني حاتوقاي، عن تصوّر جديد لعودة علاقات بلاده مع نظام الأسد، مشيراً إلى "مقاربة سياسية أفضت إلى التعامل مع أمر واقع لا يمكن تجاهله إزاء خريطة التحالفات الإقليمية والدولية المعقدة".
وشدد حاتوقاي على أن الأردن "بعيداً عن ذلك، لم يكن يشكل أي حاضنة من حواضن أي عمل ضد سوريا، وأن استقرار المنطقة الجنوبية الحدودية مع المملكة شمالاً كان وسيظل، الهدف الاستراتيجي الأبرز في هذا الملف".
وعبر مدير المخابرات الأردنية عن "مخاوفه من ارتفاع وتيرة تهريب عناصر إرهابية عبر الحدود تسعى إلى استهداف أمن المملكة، مع تزايد عمليات تهريب المخدرات والسلاح"، مشيراً إلى أن "انتشار رقعة الفقر والجوع في مناطق سوريا يساهم بإذكاء نزعة التطرف لدى أجيال مهمشة، ويجعلها عرضة للاستقطاب لصالح تنظيمات إرهابية".
وتحدث حاتوقاي عن إحباط جهاز المخابرات العامة الأردنية، منذ العام 2019 حتى موعد عقد اللقاء، 120 عملية، مشيراً إلى "الجهود الاستخبارية الأردنية التي أحبطت 52 مخططاً إرهابياً استهدف أمن المملكة، وإلقاء القبض على 103 متورطين في التخطيط لتلك الهجمات".
وأكد على أن "المملكة، ضمن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ساهمت في إحباط 68 مخططاً إرهابياً في مناطق متفرقة من أوروبا ودول العالم، في حين تم إحباط 95 عملية تهريب عناصر إرهابية عبر المملكة، وتهريب أسلحة ومخدرات، وضبط 249 شخصاً متورطاً في تلك العمليات".
وبشأن ذلك يقول الدكتور في الجامعة اللبنانية والمتخصص في العلاقات الدولية خالد عزي لموقع تلفزيون سوريا: إن "المعطيات اختلفت على الأرض في سوريا والأردن يتخوف من الميليشيات الولائية (الإيرانية) في سوريا التي تنسق مع النظام وتعمل تحت إمرته من ضرب استقرار الدولة الأردنية" مشيرا إلى أن الأردن يدرك ذلك وهو يحاول تجنيب الدولة الأردنية أي ضغوط أمنية إضافية.
ويتابع قائلاً: ".. هناك رغبة أميركية غير مفهومة ولذا فهذه الرغبة قد تدفع دولاً عربية لتسوية الأوضاع والتطبيع مع النظام خوفاً من دور الزعزعة المشهور بها في مناطق جيرانه، حيث كان يجند ويرسل الجهاديين إلى العراق، وفتح سجون صيدنايا من أجل ذلك، ومن أجل القضاء على الثورة السورية بحجة تنظيم داعش والقاعدة وجبهة النصرة".
ويشدد (عزي) على أن النظام أصبح ورقة بيد طهران وفصله عن إيران أصبح مستحيلا وهنا "يخطئ من يظن أن تعويم النظام عربياً يضعف إيران في سوريا".
ويلفت إلى أن الملك عبد الله كان له رأي خاص وهو يحاول الضغط على أميركا لاحتضان النظام، خاصة أن الإدارة الأميركية أعطت إشارات لفتح العلاقة مع بشار الأسد وتعويمه، ويوضح "قبل ذلك سمحت إدارة بايدن لطالبان بالسيطرة على أفغانستان وأزاحت العقوبات عن الحوثيين ما يؤكد أن إدارة بايدن قد تعطي مكافأة للجلادين.. الأسد فصل من الجامعة العربية لقتله السوريين.. والجميع اليوم يعتقد أنه بعد سيطرة النظام وروسيا وإيران على سوريا انتهى القتال وهناك عودة بطيئة للحياة السورية تحت قبة النظام والميليشيات والروس ولذا فمعادلة قتل الشعب السوري قد تكون بالعنوان العريض غير موجودة...".
وتابع أن "الملك الأردني يعتقد أن تعويم النظام مهم لمنعه من زعزعة استقرار الدول المجاورة لبنان والأردن وهو ما قاله للرئيس بايدن وهو مضمون كلمته التي ألقاها في اجتماع الأمم المتحدة وقبلها في اجتماع بغداد عندما حاول العرب إقامة اتحاد اقتصادي يشرك سوريا لإضعاف دور إيران.. قد يكون ذلك صحيحاً لكن المشكلة أن بشار الأسد لا يمكن فصله عن النظام الإيراني إلا إذا أُبعد أو تغير النظام الإيراني".
وجاء موقف الأردن بعد الإشارات الأميركية خاصة لجهة تمرير خط الغاز العربي، الأردن فهم أن واشنطن ستخفف من عقوبات قانون قيصر على النظام بحجة إعادة استيعابه رويداً رويداً، لأن هناك مجموعة عربية تروج لذلك وتحاول إقناع الولايات المتحدة بأن "التعويم" قد يبعد الحرس الثوري عن النظام.
ويعلق (عزي) أن "هذا لا يعني أن إسرائيل بعيدة عن هذا التوجه وهي مرتاحة لذلك.. موضوع لبنان ومحاولة مساعدة إيران له وغض النظر الأميركي عنها.. إن مشكلات لبنان قد تعوم الأسد هذا ما شاهدناه".
هل يصبح الأردن بوابة الحرس الثوري إلى الخليج؟
يقول العقيد عبد الجبار العكيدي لموقع تلفزيون سوريا: إن الأردن ستكون البوابة لتغلغل مخابرات النظام وإيران والحرس الثوري إلى المملكة العربية السعودية، المستهدف الأول بالنسبة لهم، وجميع دول الخليج، وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
ويضيف "على الرغم من أن سبب تطبيع الأردن مع نظام الأسد في ظاهر الأمر اقتصادي - سياسي لتغيير سلوك النظام، في محاولة لإعادته تدريجيا إلى الجامعة العربية بمساعي بعض الدول العربية وبجهود شخصية من الملك الأردني بعد زيارته لواشنطن في تموز الماضي، فإن العامل الأمني حاضر بقوة، معروف للجميع أن التنسيق الأمني وتبادل المعلومات و"الداتا" الموجودة عن أجهزة استخبارات الدولتين عن كل المطلوبين للطرفين، هذا التنسيق القديم المتجدد منذ عام 1980 حين طلب حافظ الأسد ذلك من الملك حسين، لملاحقة المعارضين".
ويستطر قائلاً: "أما اليوم فأي تطبيع أمني مع نظام الأسد الذي يدير عشرات الميليشيات الطائفية والعصابات صاحبة السلطة والنفوذ والتي تنشر الفوضى في سوريا، فضلاً عن تجارة المخدرات الرائجة والتي يقوم بها حزب الله بدعم من النظام والحرس الثوري الإيراني... فأي ضمانات يمكن أن يحصل عليها الأردن من النظام؟ وجهة نظري هذا التطبيع والتنسيق الأمني سيعود بالضرر الكبير على الأردن وعلى أمنه الوطني".
ويشدد (العكيدي) على أن "الأردن الذي يخشى من الجماعات المتطرفة (تنظيم الدولة والقاعدة) ويسعى لتطويقها وإبعاد خطرها من خلال تنسيقه مع مخابرات النظام، نسي أو تناسى أن هذه الجماعات هي صنيعة أجهزة استخبارات النظام وأن الملاذ الآمن لقياداتها في إيران، وأن نظام الأسد كان المتحكم الأول بعملياتها في العراق بعد عام 2003، وهذا ما صرح به كثير من مسؤولي العراق وعلى رأسهم نوري المالكي".