فَشِلت هاجر في الذهاب إلى دمشق لوضع جنينها في مشفى أفضل طبياً ولوجستياً من مشفى حمدان الخاص في دوما بريف دمشق، ويعود ذلك لكون زوجها من عناصر "التسويات" في المدينة، وفي حال خروجه مع زوجته باتجاه دمشق قد يتعرض للاعتقال.
ولادة قسرية في غير موعدها
"معقول جايبتني من الشام لهون ع الفاضي اجيت واجيت خليني ولدك". بتلك العبارة لدكتورتها النسائية بدأت هاجر حديثها لموقع تلفزيون سوريا، عما حدث معها منذ قرابة الثلاثة أشهر في مدينة دوما بريف دمشق.
تقول هاجر (18عاماً) لموقع تلفزيون سوريا "اتصلت بطبيبتي الخاصة جراء شعوري بآلام شبيهة بالمخاض، وأنا مازلت بالشهر الثامن من الحمل، فطلبت مني التوجه لمشفى حمدان بانتظار وصولها من دمشق".
وذكرت، أنها "ذهبت برفقة والدتها إلى المشفى وأجرت بعض الفحوصات الطبية لحين وصول الطبيبة". لكن ما حدث لم يكن في حسبان هاجر ووالدتها.
إذ فقدت هاجر ابنة الثمانية عشر عاماً مولودها وعادت لمنزلها مكسورة الخاطر مضرجة بالدماء، رغم معارضة والدتها لإجراء تلك العملية في شهرها الثامن.
وتقول الوالدة لموقع تلفزيون سوريا "إنَّ الطبيبة (أ.ب) أصرت على إجراء العملية في مشفى حمدان رغم معرفتها بعدم وجود حواضن للأطفال به ورغم اعتراضي على ذلك".
وشددت على أنها "عرضت عليها مراراً دفع تكاليف قدومها إلى دوما بدون إجراء العملية حتى لا تعود خسرانة"، لكنها كررت كلماتها "شو يعني اجيت ع الفاضي".
وأضافت أنَّ الدكتورة (أ.ب) دخلت إلى غرفة المعاينة وخرجت بعد ثلاث دقائق لتخبرنا أن العملية ضرورية.
هكذا ومن دون أدنى مراعاة لمشاعر الأم التي فقدت جنينها، أصرت الدكتورة (أ.ب) على تقاضي أجرتها كاملةً، ملُقية اللوم على الأم ووالدتها دون قدرتهما على فعل شيء.
"تسويات" تحبس السكان
وفي العام 2018 وقعت فصائل المعارضة اتفاق "التسوية" مع النظام والذي قضى بخروج مقاتلي"جيش الإسلام" من دوما إلى جرابلس وتسوية أوضاع المتبقين، وتسليم المقاتلين أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة.
وحينذاك نص الاتفاق على عودة كل مؤسسات النظام إلى مدينة دوما. لكن ما تزال تلك الخدمات في دوما بالحد الأدنى، بحسب هاجر، التي لا يستطيع زوجها مغادرة مدينته خوفاً من اعتقاله كما حدث مع غيره من السكان سابقاً.
ويعاني معظم سكان دوما خصوصاً الرجال من عدم قدرتهم على مغادرة المدينة خوفاً من الاعتقال ومن انعدام الخيارات الطبية البديلة لتلقيهم العلاج إلا عبر طرق تهريب مع المناطق المجاورة.
قطاع صحي مُنهار
وتعاني منطقة الغوطة الشرقية ومن ضمنها (دوما) من ضعف في الخدمات المقدمة لها من قِبل مؤسسات النظام خصوصاً الخدمات الطبية والعلاجية، بسبب تعرضها للتدمير وخروج قسم كبير منها من الخدمة خلال السنوات الماضية.
ويوجد في دوما مشفيان للقطاع الخاص، مشفى اليمان، ومشفى حمدان، وتغيب عنها أيَّة خدمات طبية تابعة للنظام سوى أربعة مستوصفات تتبع لوزارة الصحة تقدم خدمات طبية عامة.
وبلغت خسائر القطاع الصحي في سوريا، بحسب وزارة الصحة التابعة للنظام نحو 12 مليار ليرة سورية (قرابة 5.5 ملايين دولار أميركي) حيث تضرر 43 مستشفى بشكل كلي وجزئي، منها 21 مستشفى خرج عن الخدمة، نتيجة العمليات العسكرية، كما تضرر 197 مركزاً طبياً، وتعطل 75% من الصناعات الدوائية.
بينما بيانات الصحة العالمية تؤكد أنه "لا يعمل في سوريا سوى 64% من المستشفيات، و52% من مراكز الرعاية الصحية، كما غادر 70% من العاملين في القطاع الصحي خارج البلاد".
قطعة من الشاش بدلاً عن الجنين
ولم تنتهِ مشكلة هاجر عند فقدانها لجنينها. بل بقيت تنزف منذ قرابة الثلاثة أشهر مع آلام بمكان العمل الجراحي، دون معرفة الأسباب من قِبل طبيبتها، ونتيجة المشادات الكلامية بينهما قررت التوجه نحو طبيب آخر، وتبين لدى فحصها من قبله وجود جسم غريب في منطقة الرحم.
وأكد الطبيب المعالج لها أن الجسم الغريب قطعة شاش طبي في منطقة الرحم جراء عمليتها القيصرية، وهذا ما دفع هاجر للعودة إلى طبيبتها (أ. ب) لتخبرها بما حدث معها.
لكنها أنكرت ذلك، وقالت لها "سأجري لك عملية للتأكد من ذلك". وجرى الاتفاق في حال وجود جسم غريب تتكفل الطبيبة بتكاليف العملية، وفي حال عدم وجوده تكون التكاليف على حساب المريضة.
وهذا ما دفع الأهل لطلب وجود طبيب محايد من معارفهم للوقوف على العمل الجراحي، فرفضت الطبيبة ذلك وقامت بالعمل الجراحي وخرجت منه زاعمة أنه لا يوجد شيء وحصلت على نصف مليون ليرة.
لم تستطع حتى والدة الفتاة التقدم بشكوى ضد الطبيبة - ذات الشعر الأشقر والتي كانت تملك عيادتها الخاصة في دوما قبل الحرب، والمنحدرة من مدينة اللاذقية- خوفاً من تبعات ذلك على زوج ابنتها الذي كان داخل دوما خلال فترة الحصار حسب تعبيرها .
مماطلات طبية تؤدي إلى فقدان يد
ليست هاجر من عانت من سوء وتدني مستوى الخدمات الطبية في المدينة فقط، بل خالد (اسم مستعار) تعرض لبتر يده اليمنى بعد سوء التشخيص الطبي لحالته من قبل أحد أطباء المدينة.
ويقول لموقع تلفزيون سوريا "تعرضت لإصابة في يدي اليمنى في أثناء عملي إذ دخلت بها قطعة من الحديد"، ويعمل الشاب العشريني كعامل حدادة في إحدى الورش.
ويضيف، أنه في بداية إصابته قال له طبيب في المدينة إن "إصابته بسيطة ولا تحتاج لعلاج سوى التعقيم، لكن حالته كانت تزداد سوءًا يوماً بعد آخر.
ورغم مراجعاته المتكررة لطبيبه بمشفى حمدان، إلا أنَّه كان يؤكد له أن وضع يده جيد رغم تغيير ملامح الجلد الظاهر على يده، بحسب خالد.
لكنه اكتشف فيما بعد أنَّ طبيبه ما زال في السنة الثانية بكلية الطب وليس لديه أي اختصاص بعد، وهذا ما يفسر مدى خسارة البلاد لأطباء محترفين بالعمل.
ونتيجة الإهمال وسوء التشخيص بُترت يد خالد على يد أحد الأطباء في منطقة التل بريف دمشق بعد أن خرج عن طريق التهريب من مدينته باتجاه التل على أمل إيجاد حل لتغيير لون جلد يده. لكنه خسرها نهائياً.