بدأ النظام السوري بإجراء عملية تسوية لنحو 45 مدينة وبلدة في محافظة درعا، هي الثالثة منذ سيطرة النظام على المحافظة في تموز/يوليو 2018، وذلك بعد اجتماع ضمّ وجهاء من المحافظة مع ضباط الأجهزة الأمنية في نيسان الفائت.
ولا تختلف عملية التسوية الجديدة عن سابقاتها فهي تشمل المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية ويمنح فيها المطلوب مهلة 6 أشهر للالتحاق، في حين يعطى المنشق عن جيش النظام مهلة شهر واحد للالتحاق، ويسمح للمتخلفين عن الخدمة الحصول على إذن سفر لمغادرة المحافظة.
دوافع التسوية الجديدة وعلاقتها بالمبادرة العربية مع النظام
بدأ جهاز الأمن العسكري في السادس عشر من أيّار الجاري بإجراء عملية تسوية لأبناء بلدة أم المياذن في مبنى المجلس البلدي شملت 25 شخصاً من المدنيين والعسكريين مع تسليم 12 بندقية آلية برعاية اللواء الثامن الذي سلّم قائمة المطلوبين الذين ينبغي عليهم إجراء التسوية لوجهاء في البلدة.
وجاءت التسوية الأخيرة بناء على بلاغ عممه جهاز الأمن السياسي بدرعا على معظم مدن وبلدات محافظة درعا في أواخر نيسان الفائت.
وفي 22 من أيّار افتتح النظام مركزاً للتسوية في مبنى قصر الحوريات بدرعا المحطة، وبدأت العمليات التسوية لأبناء بلدة النعيمة بعد أن هدد رئيس جهاز الأمن العسكري، لؤي العلي، باقتحام البلدة حال رفض إجراء التسوية.
وبعد مفاوضات لمدة يومين جرت بين وجهاء النعيمة مع العميد لؤي العلي تم التوصل لإجراء تسويات ضمت 70 شخصاً في البلدة.
وعلى غير العادة، شملت عملية التسوية في بلدة النعيمة مجموعة اللواء الثامن الموجودة فيها مع تسليم أسلحتهم الفردية لقيادة اللواء في مدينة بصرى الشام.
واللواء الثامن تشكيل عسكري يشمل قادة وعناصر سابقين في فصائل المعارضة بدرعا، جرى تأسيسه عقب تسوية عام 2018 ليتلقى دعماً من القوات الروسية توقّف مع بدء التسوية الثانية في سبتمبر/أيلول 2021 ثم أُلحقت تبعية اللواء لشعبة المخابرات العسكرية.
وقبل يومين أبلغ "الأمن العسكري" وجهاء في بلدة نصيب بصدور قوائم بحق مطلوبين في البلدة يجب عليهم إجراء عملية التسوية الجديدة وتسليم قطع من السلاح الفردي الخفيف.
وتشمل التسوية الجديدة عدد من عناصر مجموعة الأمن العسكري في نصيب والتي يتزعمها القيادي عماد أبو زريق وهم من العناصر السابقين في فصائل المعارضة.
ما دوافع وأهداف التسوية الجديدة؟
هناك العديد من الأهداف التي تحاول قيادة النظام السوري تحقيقها من خلال عملية التسوية الجديدة في محافظة درعا، من أبرزها:
- يتذرع ضباط النظام دائماً بوجود غرباء في مناطق بدرعا، سواء من عناصر تنظيم داعش ومن هيئة تحرير الشام، ويجعل من ذلك منفذاً لإجراء عملية التسوية وإجبار الأهالي عليها فارضاً لغة التهديد والوعيد لكل من يرفض إجراء التسوية.
- يسعى النظام لإخضاع جميع المناطق في درعا لسيطرته بشكل كلي، من خلال جمع أكبر قدر من الأسلحة الخفيفة في المحافظة.
- يهدف النظام من إجراء التسوية إيهام الدول العربية بالتزامه في اتفاق خطوة مقابل خطوة من خلال رفع قوائم التسوية لتلك الدول، ويندرج ضمن تلك القوائم أسماء شخصيات تعمل في تجارة المخدرات وتنضوي ضمن المجموعات المحلية التابعة لأجهزة النظام الأمنية بدرعا.
- يسعى النظام لتهجير مزيد من فئة الشباب من أبناء درعا، كون من يرفض إجراء التسوية سيبقى ملاحقاً من قبل النظام بالتالي سيغادر المحافظة بطريقة غير شرعية، ومن يجري التسوية يُسمح له بالحصول على إذن سفر، بالتالي يستثمر كل من النظام السوري وإيران تلك الخطوة بالسيطرة على المنطقة بشكل أكبر.
- يحاول النظام استقطاب مزيد من الشبان ضمن صفوف قواته عن طريق التسوية للمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، ويستفيد من ذلك في تعزيز جبهات القتال شمالي سوريا.
تسوية لـ 45 بلدة في درعا
بحسب معلومات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا فإن التسوية الجديدة ستشمل نحو 45 مدينة وبلدة في محافظة درعا، إذ كانت البداية من ريف درعا الشرقي، أم المياذن ثم النعيمة ونصيب والطيبة.
وقال قيادي سابق في فصائل المعارضة لموقع تلفزيون سوريا إن التسوية الجديدة سيتم تطبيقها على جميع المناطق بدرعا في حال تنازلت بلدة بلدة كما يحدث اليوم في المحافظة.
وأوضح القيادي أن السلاح الذي تطلب أجهزة النظام الأمنية تسليمه يقوم وجهاء كل بلدة أو مدينة بشرائه بعد جمع مبالغ مالية من ميسوري الحال وبعض رجال الأعمال المغتربين.
وأكد المصدر في حديثه إلى نية نظام الأسد حسم ملف محافظة درعا عن طريق إحكام سيطرته عليها مجدداً، خاصة مع المبادرة العربية التي تعهد النظام فيها وقف تهريب وتجارة المخدرات وجمع السلاح، تمهيداً لخطوات لاحقة تهدف لإعادة اللاجئين.
وسبق أن كشف قيادي آخر في المعارضة لموقع تلفزيون سوريا أن النظام السوري يحاول استغلال الموقف الدولي قبيل أي انهيار للمفاوضات العربية الأخيرة، عن طريق السيطرة على مفاصل قرى وبلدات محافظة درعا، والتحضير لعملية تهجير جديدة، إضافة إلى جمع الأموال من الأهالي عن طريق عمليات التسوية كما كل عام بالحجج ذاتها كمحاربة تجار المخدرات وتنظيم الدولة.
وأوضح القيادي أن معظم المهربين وتجار المخدرات يحملون بطاقات أمنية من أجهزة النظام السوري، متهماً تلك الأجهزة بإدارة قيادات وعناصر تنظيم الدولة عن طريق نقلهم من منطقة إلى أخرى في الجنوب السوري بهدف محاولة بسط سيطرته على المناطق بشكل أكبر.
ما علاقة التسوية الجديدة بالمبادرة العربية؟
ربط عدد من المحللين ما يجري من تسويات في محافظة درعا مع بنود المبادرة العربية التي كان من أهمها أن يكشف النظام السوري عن مواقع تصنيع المخدرات والتعاون في مكافحة التهريب والعاملين فيها.
إذ إن التسوية الجديدة كان من المفترض أن تبدأ أواخر شهر نيسان الفائت، إلّا أن النظام السوري أجّلها لمنتصف أيّار الجاري بعد استكماله عملية التفاوض مع الدول العربية مؤخراً والخروج باتفاق خطوة مقابل خطوة.
وعملت أجهزة النظام الأمنية خلال الأيام القليلة الماضية على شن عمليات دهم وهمية لبعض المواقع على الحدود السورية الأردنية بعد أن رفعت تقارير لبعض الدول بحجة مكافحة تهريب المخدرات.
وطالت عمليات الدهم الأخيرة خيم النازحين في محيط قرية السماقيات وفي محطة التنقية المائية التي تعرضت لقصف بغارة جوية في الثامن من أيّار الجاري، بالإضافة لمداهمة مزرعة تاجر مخدرات يدعى "رافع رويس" بين بلدة معربة وقرية ندى على الحدود السورية الأردنية بعد أسبوع من مغادرته إلى لبنان.
وفي 14 من أيّار الجاري اعتقل النظام شابين يعملان في تجارة المخدرات في قرية خراب الشحم وهما عبد الله مهاوش الخالدي وفواز سليم الخالدي ثم أفرج عنهما بعد يوم من الاعتقال.
وتكشف عمليات الدهم والاعتقال الأخيرة عدم جدّية النظام في ملاحقة تجار ومهرّبي المخدرات في الجنوب السوري، من خلال إعطاء تعليمات لبعض التجار بمغادرة المنطقة ثم إجراء عمليات تفتيش شكلية لمزارعهم وأماكن إقامتهم السابقة.
تلاعب النظام السوري في ملف المخدرات يتضح جلّياً من خلال عدم المساس بتجار المخدرات المعروفين بعملهم في محافظتي درعا والسويداء، ومن بعض القادة المحليين المنخرطين في الأجهزة الأمنية ويعملون في تجارة وتهريب المخدرات، كما صدرت بحقهم عقوبات دولية قبل شهرين.
ومن أبرزهم القيادي عماد أبو زريق، والقيادي مصطفى المسالمة الملقب بالكسم، والقيادي وسيم المسالمة مسؤول جمعية العرين الممولة من إيران، وجميعهم مرتبطون بشعبة المخابرات العسكرية السورية.
وتشير التوقعات إلى فشل المبادرة العربية في قادم الأيام بسبب عدم التزام النظام السوري بالبنود المتفق عليها مع الدول العربية، وكذلك وجود رؤى عربية متفاوتة للحل السياسي في سوريا.