تستحضر تركيا هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لفقد عدد كبير من جنودها في سوريا، ففي 27 فبراير/ شباط 2020 أي قبل عام فقدت تركيا 34 عسكريا من جنود قواتها المسلحة في غارة شنتها طائرة تابعة للجيش السوري في إدلب شمال غربي سوريا في أثناء المعارك مع النظام بعد انهيار وقف إطلاق النار الهش الذي استمر منذ عام 2018 بناء على الاتفاق في سوتشي بين تركيا وروسيا. وقد كان من شبه المستحيل قيام النظام بمثل هذه الضربة من دون علم روسيا التي كان لديها تحكم وسيطرة على المجال الجوي في سوريا، كما أن تركيا كانت قد أبلغت روسيا بنطاق تحرك جنودها منعا لتعرض جنودها لأي ضربة بالخطأ. وهو الأمر الذي أطلق حالة كبيرة من التوتر.
اشتعل التوتر عندما بدأ النظام يتقدم بدعم روسي نحو إدلب بشكل تدريجي منذ منتصف 2019 مما أدى إلى جعل العديد من نقاط المراقبة التركية تحت سيطرة النظام بعد أن كانت تعتبر في مناطق المعارضة أو في مناطق فاصلة بين النظام والمعارضة المتبقية في إدلب. وبدا أن تركيا ترفض تغيير الوضع القائم في إدلب حتى لو اضطرت للمواجهة العسكرية وقد قامت إزاء ذلك بإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة حيث كانت المعارك تدور حول منطقة سراقب. ووصلت الأمور إلى احتمالات المواجهة بين تركيا وروسيا إلا أن الطرفين بدءا جولة مفاوضات حول إعادة وقف إطلاق النار لكن مع ذلك تعرض الأتراك لضربة كبيرة بمقتل 34 جنديا في غارة واحدة.
استطاعت تركيا من خلال هذه العمليات القيام باستعراض كبير للقوة أدى في نهاية المطاف إلى فتح مجال جديد للحوار مع روسيا حول وقف إطلاق نار جديد
ردت تركيا على هذا الموقف باستهداف العديد من مواقع النظام وآلياته وأنظمته الدفاعية ومروحياته ودباباته حيث أدت عمليات الاستهداف التركية إلى إيقاع خسائر كبيرة لدى النظام في المعدات والممتلكات والأفراد. واستطاعت تركيا من خلال هذه العمليات القيام باستعراض كبير للقوة أدى في نهاية المطاف إلى فتح مجال جديد للحوار مع روسيا حول وقف إطلاق نار جديد وهو ما حصل في الأيام الأولى من مارس 2020 كما تم الاتفاق على تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة.
بعد ذلك رأينا تركيا وروسيا على جبهات متناقضة مشتعله في ليبيا وقره باغ، ومرة أخرى قامت تركيا باستعراض قوة مجددا لعبت فيه طائراتها من دون طيار دورا مهما في دعم حلفائها سواء حكومة الوفاق الليبية مقابل حفتر أو حكومة علييف في أذربيجان مقابل أرمينينا والانفصاليين الأرمن في قره باغ. ولكن مع ذلك استطاعت روسيا وتركيا التفاهم على وقف إطلاق نار في قره باغ وعلى تفاهم بالحد الأدنى في ليبيا والذي ظهر مع قبول جميع الأطراف لحكومة ليبية جديدة كان من المستحيل خروجها للعلن لو كان هناك طرف مثل تركيا أو روسيا يرفض وجودها.
بالعودة إلى إدلب ما يزال الوضع عالقا ولم يتم إحداث تقدم بعد الدوريات المشتركة بل على العكس حصلت تطورات سلبية مثل تجدد القصف الروسي على مناطق إدلب. كما أن النظام يسعى من جديد لبدء عملية عسكرية جديدة تجاه إدلب.
إن الجديد هنا هو قدوم إدارة أميركية جديدة بقيادة بايدن مع استراتيجية لم تتبلور ملامحها بعد بخصوص سوريا، فهل سيواصل بايدن تطبيق ما قامت به إدارة ترامب كما أوصى جيمس جيفري الإدارة الجديدة بمواصلة إدارة ترامب أم سيعيد بايدن تكرار ما قامت به إدارة أوباما بالنظر إلى أن عددا كبيرا من مسؤولي إدارة أوباما عادوا للعمل في إدارة بايدن.
لا يبدو أن الولايات المتحدة سيكون لديها انخراط قوي بالنسبة للحل في مستقبل سوريا حتى مع الغارات التي شنتها واشطن مؤخرا ولكن بالنسبة لتركيا تعد النقطة المهمة هي موقف إدارة بايدن من محاربة الارهاب والاعتماد على وكلاء محليين في سوريا مثل وحدات الحماية. يبدو على الأغلب من المؤشرات الأولية على الأقل أن إدارة بايدن لن تتراجع بسهولة عن هذه النقطة.
باختصار تبدو مواجهة تركيا في إدلب مع روسيا بشكل أساسي ولكن الموقف الأميركي هنا محدد أساسي ففي حال واصلت واشنطن دعم وحدات الحماية بقوة فسوف تكون تركيا محتاجة للتفاهم مع روسيا. كما سيكون من المهم أيضا الانتظار لرؤية كيف سينعكس عودة إدارة بايدن للاتفاق النووي مع إيران على نفوذ طهران في سوريا.