شهدت الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى مناطق نظام الأسد تراجعاً دراماتيكياً في الأشهر الأربعة الأولى من العام الشمسي الإيراني الجديد 1401، (بدءاً من 21 مارس/آذار، وانتهاءً بـ 22 يوليو/تموز 2022).
وبحسب ما رصده موقع تلفزيون سوريا من مواقع إيرانية رسمية وشبه رسمية، تراجعت معدلات التبادل التجاري بين البلدين على مدار هذه الأشهر المتوترة أمنياً، لدرجة أن احصائيات التبادل التجاري الإيراني مع سوريا اختفت كلياً من قائمة البلدان العشرين الأولى المستهدفة بالبضائع الإيرانية خلال الأشهر الأربعة المذكورة، وهي الفترة ذاتها التي استهدفت فيها غارات إسرائيلية مواقع في مطار دمشق الدولي، وبالقرب من السواحل السورية.
ويأتي تراجع معدلات التبادل التجاري بين إيران وسوريا خلال هذه الفترة في وقت شهدت فيه معدلات التبادل التجاري الإيراني مع العالم ارتفاعاً ملحوظاً، حيث بلغت حصة الصادرات الإيرانية 35 مليوناً و 656 ألف طن، بقيمة 17 ملياراً و 240 مليون دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 22٪ مقارنة بالعام الفائت 2021، بحسب ما نشرته وكالة أنباء فارس، نقلاً عن إحصائيات الجمارك الإيرانية، في السادس من شهر أغسطس/آب الجاري.
وتسعى حكومة إبراهيم رئيسي منذ صعودها للحكم في إيران إلى اتباع نهج تعزيز مسارات الدبلوماسية الاقتصادية من خلال تنويع وجهات التصدير الدولية في محاولة للحد من شدة العقوبات الغربية وتحييدها.
ورغم أنه لا يمكن الحكم بشكل قاطع على مدى نجاح هذه السياسية حتى الآن في ظل تأرجح كفة الميزان التجاري الإيراني سلباً وإيجاباً على وقع عدة متغيرات دولية، لكن يبدو أن حكومة رئيسي بدأت نهجاً تفاعلياً جديداً مع بعض الدول الأفريقية والعالم العربي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن التجارة الخارجية الإيرانية حققت اختراقات غير مسبوقة على المستوى الاقتصادي مع كل من مصر والسودان والأردن والمغرب.
نمو الصادرات باتجاه السوق الأفريقية
وبحسب ما نشره موقع (90 اقتصادي) الإيراني، شهدت صادرات إيران إلى بعض البلدان الأفريقية والعربية بشكل رئيسي نمواً كبيراً، حيث نمت صادرات إيران إلى كل من السودان والمغرب والأردن ومصر على الترتيب بنسبة (10000، 1997، 1667، 1106 %)، خلال الشهرين الأولين من العام الإيراني 1401 (21 مارس/آذار - 21 مايو 2022)، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
رغم ذلك، لا يبدو أن العصا السحرية التي يحملها المتشدد رئيسي لها تأثير فعلي على الأرضية الاقتصادية في سوريا، التي شكلت عبئاً استراتيجياً ثقيلاً على إيران من ناحية الاتفاق المادي والعسكري الضخم.
هبوط معدلات التبادل التجاري بين إيران ونظام الأسد
في 28 يونيو/حزيران، نشر الموقع المحدث للمكتب الاقتصادي الإيراني في حلب، نقلاً عن الجمارك الإيرانية، تقريراً يتحدث فيه عن هبوط قيمة الصادرات الإيرانية إلى سوريا خلال الفترة (21 مارس/آذار - 21 مايو/أيار 2022) إلى 16.2 مليون دولار، بعد أن كانت نحو 48.8 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يشكل انخفاضاً دراماتيكياً في القيمة بنحو 67٪.
وفي الوقت نفسه، خرجت سوريا خلال هذه الفترة كلياً من جدول الدول الخمس والعشرين الأولى المستهدفة بالبضائع الإيرانية، لتهبط إلى المرتبة المتأخرة 33.
وبعد ذلك بيومين فقط، أفاد موقع الإذاعة والتلفزيون الإيراني الرسمي أن فصل الربيع الفائت شهد انخفاضاً متزامناً في الصادرات الإيرانية إلى سوريا بنسبة 17%، وفي الواردات السورية إلى إيران بنسبة 29%.
لماذا نتهم الغارات الإسرائيلية؟
لا يبدو أن أثر الغارات الإسرائيلية في سوريا يقتصر على تداعياتها الأمنية والعسكرية على إيران، بل يمكن لهذه الغارات أن يكون لها أثر اقتصادي على عملية التبادل التجاري الإيراني - السوري، الذي يعاني من عدة معوقات أساسية أهمها، طرق النقل التجارية الطويلة والمكلفة.
وكان من الملاحظ بشكل واضح تزامن الفترة، التي شهدت فيها التبادلات التجارية الإيرانية مع مناطق النظام انخفاضاً دراماتيكياً، مع تنفيذ عدة غارات إسرائيلية استهدفت مواقع في مطار دمشق الدولي، الشريان الرئيسي لاقتصاد النظام وبوابة متنفسه الدولية.
وبحسب ما رصده تلفزيون سوريا، استهدفت إسرائيل هذا العام المدرج الشمالي لمطار دمشق الدولي (المدرج الوحيد الصالح للاستخدام) بثلاث غارات واسعة وعميقة ممتدة على فترات زمنية متعاقبة، أدت في أغلب الحالات لتعطيل حركة النقل الجوي لطائرات الشحن الإيرانية الضخمة وعريضة البدن التابعة لشركة فارس قشم وبويا إير إلى المطار.
وأتى الاستهداف الأول في 27 أبريل/نيسان الماضي، حيث استُهدف المدرج الشمالي لمطار دمشق بتأثيرين أجبرا الطائرات على استخدام مسار أرضي واحد للهبوط داخل المطار. وفيما بعد، جاء الاستهداف الثاني في 20 مايو/أيار الماضي، مما أدى لتدمير 600 متر من المدرج الشمالي ليصبح غير قادر على استقبال الطائرات الضخمة. أما الاستهداف الأخير فقد جاء في 10 يونيو/حزيران الماضي، ليتم استهداف مدارج مطار دمشق الدولي على نحو واسع، ويخرج المطار عن الخدمة كلياً.
وأدت هذه الاستهدافات إلى انقطاعات طويلة في حركة النقل الجوي في مطار دمشق، ورغم إصلاح مدارج المطار الشمالية والجنوبية لاحقاً، إلا أن التحذيرات الإسرائيلية كانت شديدة اللهجة على ما يبدو، مما أدى لانقطاع رحلات طائرات الشحن الجوي الضخمة التابعة لشركة فارس قشم وبويا إير حتى اليوم.
وتمت الاستعاضة عن هذه الرحلات برحلات لشركة ماهان إير وشركة أجنحة الشام التي تقودها طائرات ذات البدن المتوسط والضيق المخصصة لنقل الركاب، بدرجة أكبر مما قد تستخدم لنقل البضائع والحمولات التجارية الضخمة.
بشكل عام، خلقت هذه الأشهر المتوترة أمنياً حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي المتزايد الذي أثر سلباً على معدلات التبادل التجاري بين إيران وسوريا بشكل خاص، وهو ما لا تخفيه بطبيعة الحال أغلب المواقع الإيرانية.
مشكلات يواجهها التجار الإيرانيون
وفي معرض تأكيده على وجود بعض المشكلات التي يواجهها التجار الإيرانيون في الحصول على تذاكر رحلات جوية نحو دمشق، يقول مهدي صفري، نائب وزير الخارجية الإيرانية في شؤون الدبلوماسية الاقتصادية، في مقابلة مع موقع التلفزيون والإذاعة الإيرانية: "نعم هناك بعض المعوقات في سوريا... فالظروف في سوريا ليست طبيعية تماماً، مثلاً الهجمات على مطاراتهم تتسبب في حدوث مشكلات... على أية حال، يجب القيام بالمزيد من العمل، وبرأيي، يجب أن تكون اللجنة المشتركة أكثر فاعلية لتعزيز وجود القطاع الخاص هناك".
ويفتقد التجار الإيرانيون، بحسب موقع الإذاعة والتلفزيون الإيراني، إلى أبسط المتطلبات التي تمكنهم من زيادة حضورهم الاقتصادي في سوريا، كتصاريح الحضور في المعارض السورية وكروت حجز الطيران، وهذا ما خفض من حجم مشاركة الشركات الإيرانية في المعارض السورية بشكل كبير هذا العام مقارنة بالعام الفائت.
وتعقيباً على ذلك، يقول كيوان كاشفي، رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، في ذات المقابلة السابقة: "نظراً للظروف الخاصة في سوريا، لطالما كان مطلبنا إصدار تصاريح حضور المعارض التجارية قبل أربعة إلى خمسة أشهر على الأقل، لأن لدينا مشاكل من حيث النقل".
ويضيف كاشفي: "لم يتمكن الكثيرون من نقل بضائعهم التجارية إلى معرض حلب الذي عقد قبل أسبوعين تزامناً مع إغلاق مطار دمشق، ولذلك أُجبرنا على نقل بعض الأصدقاء الذين شاركوا في هذا المعرض عن طريق مطار بيروت، وهو مسار طويل جداً".
وفي حالة طريفة أخرى، يشكو حسن شمشادي، أمين عام غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، في مقابلة مع موقع (الاستراتيجية المعاصرة) الإيرانية من مشاكل حجز التذاكر التي يواجهها الكثير من التجار والمنتجين والمصدرين والمستوردين الإيرانيين الراغبين في المشاركة في المعارض السورية، قائلاً: "في إحدى الحالات، لم يتمكن أحد المنتجين، الذين سجلوا في أحد المعارض السورية، وأرسل بضائعه التي ينوي عرضها، من المشاركة في المعرض بسبب عدم توفر التذاكر".