توّج نادي الفتوة الذي يمثّل محافظة دير الزور، ببطولة دوري الدرجة الأولى لكرة القدم في سوريا لموسم 2022-2023، بعد أكثر من ثلاثين عاماً على تتويجه بطلاً للدوري السوريّ.
وأدّى هذا التتويج إلى انقسامات بين أبناء محافظة دير الزور في مواقف ثورية وسياسية ورياضية، وأخرج ثلاث فئات بمواقف واضحة تجاه فوز نادي الفتوة بالدوري:
- فئة نادت بـ"فصل الرياضة عن السياسة" واحتفلت بهذا الانجاز الرياضي.
- فئة معارضي نظام الأسد، رفضت الاحتفال بفوز نادي الفتوة لعدة اعتبارات.
- فئة مؤّيدي وموالي نظام الأسد، احتفلت بفوز النادي واحتفت برموزه، كما قدّمت الشكر لـ بشار الأسد واصفةً إيّاه بـ"قائد الوطن"، الذي بدوره اعتبر فوز الفتوة بالدوري "انتصاراً على الإرهاب".
نادي الفتوة
مع تحقيق نادي الفتوة لبطولة الدوريّ اختلطت المشاعر لدى مشجعي النادي من أبناء دير الزور، فاستذكروا الهتافات التي كانوا يردّدوها بتشجيعه على مدرجات الملاعب وفي الشوارع والمقاهي والبيوت: "هذا النادي نادينا يانور العين"، "بالزور بالقوة رح تربح الفتوة"، "إيطاليا"، وهي مفردة كانت تشحذ همم اللاعبين عندما يرددها الآلاف من مشجعي النادي الذي اقترن به لقب "آزوري"، وهو لقب المنتخب الإيطالي.
ولكن سرعان ما تلاشت هذه المشاعر عند فئة من المشجعين عندما تذكروا أنّ نادي الفتوة الذي كان يشجعونه قبل الثورة السورية، يرأسه ويقوده اليوم ثلة من مناصري نظام الأسد وقادة ميليشياته العسكرية، وما هو إلا صورة بشعة لا تشابه الصورة الحقيقية للنادي.
شكّل نادي الفتوة، منذ عشرات السنينن رمزاً من رموز دير الزور، ووصل إلى مرحلة القداسة لدى الكثير من أبناء المحافظة، وكان من الفرق المظلومة بشكل كبير من قبل المنظومة الرياضية التابعة لـ نظام الأسد، حتى كانت آخر انتفاضة رياضية لجمهور نادي الفتوة، بداية عام 2011، قبيل مظاهرات درعا بقليل.
ثورة في الملعب
يوم 18 من آذار 2011 تاريخ محفور بذاكرة مدينة دير الزور، فهو يوم ثار به أبناء المدينة -إن صحّ استخدام مصطلح ثورة- والسبب أنّ حكم المباراة التي جمعت فريقي الفتوة وتشرين في ملعب "الباسل" بمدينة دير الزور، انحاز إلى تشرين، إرضاءً لرئيس النادي آنذاك، فواز الأسد، ابن عم رئيس النظام بشار الأسد.
هذا الانحياز، أثار غضب جمهور الفتوة ودفعه للهجوم على الملعب رغم انتشار أكثر من 10 سيارات للفروع الأمنية داخل الملعب وحافلات حفظ النظام خارجه، أحرق الجمهور سيارة للأمن "بيك آب" على باب الملعب، قبل أن تبدأ دوريات الشرطة والجيش والفروع الأمنية بمطاردة جمهور نادي الفتوة، واعتقال العشرات منهم بتهمة التخريب.
وكانت تلك المباراة هي الأخيرة التي يحضرها جمهور الفتوة من معارضي النظام، حيث توقفت النشاطات الرياضية بأمر من نظام الأسد مع بدء الحراك الثوري السوري في مختلف أرجاء سوريا.
الفتوة بعد الثورة
لم يعد نادي الفتوة رمزاً لأبناء دير الزور الذين ثاروا في وجه نظام الأسد، فهو أيضاً تشوّه وتدمر كما الجسر المعلق، رمز المحافظة الأكبر، الذي دمرته آلة نظام الأسد العسكرية.
بعد الثورة السورية، تحوّل نادي الفتوة إلى أداة استثمار بيد نظام الأسد، يسيطر من خلاله على الفئة التي بقيت إلى جانبه من أبناء دير الزور، ويؤثر من خلاله على الفئة الرمادية التي تنادي بـ"فصل الرياضة عن السياسة".
- "أبو الذباح وفراس العراقية"
وأصبح نادي الفتوة لاحقاً تحت إدارة أشخاص مجنّدين من قبل النظام، واستقر مؤخراً بيد شخصيتين معروفتين لدى أبناء دير الزور جيداً هما: مدلول العزيز المكنى بـ"أبي الذباح" رئيساً للنادي، وفراس الجهام الملقّب بـ"فراس العراقية" رئيساً فخرياً.
بمرور سريع على تعريف الشخصيتين، نجد أنّ "أبا الذباح" شخص تسلسل ضمن تنظيمات متشدّدة، ثمّ انتقل إلى صفوف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، قبل أن ينتهي به المطاف في صفوف النظام، ويؤسّس علاقات مع شخصيات أمنيّة وقيادات ميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، وتُطلق يده في تجارة وتهريب المخدّرات والتبغ والمواشي.
أمّا "فراس العراقية" فهو قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" في دير الزور، ولديه سجّل واسع من الجرائم بحق المعارضين من أبناء المدينة وريفها، وأصبح لاحقاً واجهة رياضية من بوابة نادي الفتوة، ذي الانتشار الواسع في المنطقة الشرقية.
ردود فعل من إداريي ولاعبي الفتوة المنشقين عن النظام
أعرب العديد من إداريي ولاعبي نادي الفتوة السابقين -في بيانات ومنشورات- عن موقفهم من النادي حالياً، إذ كتب لاعب الفتوة الدولي جاسم نويجي قائلاً: "بالنسبة لنادي الفتوة الذي يلعب حالياً في دوري النظام المجرم، لا يمثل نادينا أو أي حرّ من أبناء دير الزور، والدليل لايوجد سوى لاعبين من دير الزور في الفريق ولا يلعبان أساسيين".
وأضاف لاعب نادي الفتوة السابق عدنان الجاسم: "هذا النادي لا يمثل كل ديري حر، كل ديري خرج مهجراً ونازحاً من بيته بسبب الأشخاص أنفسهم الذين يقودون النادي، من هتف يوماً للحرية لن يهتف أبدا لنادي قيادته من مجرمي هذا النظام، من فرح يوما ً للحرية لن يفرح بفوز هذا النادي".
بدوره، كتب وليد مهيدي - اللاعب والمدرب السابق لنادي الفتوة - قائلاً: "من ديري محب إلى شعب دير الزور وعاشق لنادي الفتوة، لعبت للنادي ودربته على مدار سنوات طويلة حتى أصبحت رئيساً للنادي وحبي لهذا الكيان يزداد، أما ماحدث بعد عام 2011 وبعد انطلاق ثورة الكرامة توقفت الرياضة ببلدي الحبيب (...)، نتبرأ أنا وكل رياضي حر من الرياضيين العاملين مع القاتل ولانعترف بالدوري المغمس بالدم، ولانعترف بالمتسلقين على الرياضة وعلى من استلم النادي من مرتزقة".
بشار الأسد: فوز الفتوة "انتصار على الإرهاب"
اعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد أن فرحة فوز نادي الفتوة ببطولة الدوري لكرة القدم، ليست رياضية أو كروية إنما هي "انتصار على الإرهاب"، وذلك خلال لقائه بإدارة ولاعبي النادي وتهنئتهم، أمس الأربعاء.
وقال "الأسد" إنّ "الفرحة تمثل "انتصاراً للإرادة وهزيمة للظروف الصعبة"، في حين كتبت معظم وسائل إعلام النظام الرسمية والمقربة، أنّه في سوريا "حتى الرياضة تنتصر على الحرب وتقوى على الإرهاب".
"أفراح رياضية بصفة عسكرية"
الانقسام الحاصل بين فئات أبناء دير الزور وما أفرزه من جدالات وسجالات، انتهى مع بداية انتشار المقاطع المصوّرة لأفراح مدينة دير الزور بتتويج ناديهم الفتوة، وما حملته من تدخل واضح للميليشيات ونظام الأسد، عبر سيارات عسكرية جابت شوارع المدينة وأطلق مختلف أنواع الرصاص من الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
يشار إلى أنّ النظام السوري وفي اليوم الثاني لتتويج نادي الفتوة بطلاً للدوري، أصدر بحق رئيسي النادي "الأساسي والفخري" إلى جانب 20 شخصاً من دير الزور، قراراً صادراً عن وزير المالية بالحجز على أموالهم بجرائم اقتصادية وتهم تتعلق بالتهريب، كما طالب النادي بلعب مباراة فاصلة مع نادي تشرين، يكون الفائز بها ممثلاً لـ سوريا في استحقاق بطولة آسيا للأندية، وهو أمرٌ مخالف لقانون الاتحاد الرياضي.