تعتبر مدينة دير الزور في شرقي سوريا، منطقة شهدت تاريخًا مضطربًا منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، حيث إنها تعد نقطة تقاطع حاسمة في النزاع السوري تتلاقى فيها مصالح متعددة، بما في ذلك تلك التي تتعلق بقوات سوريا الديمقراطية والعشائر المحلية.
بدأت الثورة السورية كاحتجاجات سلمية ضد النظام، وانتشرت هذه الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك دير الزور، في البداية شهدت المدينة مظاهرات سلمية تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
مع تصاعد الاحتجاجات وتصاعد العنف من قبل النظام، بدأت الأوضاع تتدهور في دير الزور. في عام 2012 سيطرت قوات المعارضة على بعض المناطق في المدينة، مما أدى إلى اشتباكات مع قوات النظام وكان في ذلك الوقت قد بدأ تنظيم الدولة (داعش) في التسلل إلى المنطقة وتأسيس وجوده هناك.
لعبت الديناميات العشائرية أيضًا دورًا كبيرًا في تاريخ دير الزور إذ تمتلك العشائر جذورًا عميقة في المنطقة وشغلت تقليديًا مناصب السلطة وسعت إلى الحفاظ على تأثيرها. في كثير من الأحيان كانت تتعارض مصالحهم مع تلك التي تسعى إليها قوات سوريا الديمقراطية والجهات الأخرى في المنطقة، مما يسهم في تصاعد التوترات والنزاعات المحلية.
في الأسابيع الأخيرة، شهدت دير الزور اتساعًا في الحوادث والاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية وبين بعض العشائر المحلية. يعود هذا الصدام إلى عوامل متعددة، بما في ذلك التنافس على الموارد المحلية والسيطرة على مناطق استراتيجية، وأيضًا التدخل الخارجي والصراعات الجغرافية التي تشهدها المنطقة.
تضم دير الزور احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي والسيطرة على هذه الموارد ينعكس في القوة الاقتصادية والإيرادات
هناك عدد من العوامل الاستراتيجية التي تجعل دير الزور سببًا للصراع بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر المحلية تتلخص في عدة عوامل رئيسة:
الثروات والموارد الطبيعية: تضم دير الزور احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي والسيطرة على هذه الموارد ينعكس في القوة الاقتصادية والإيرادات، وسعت مجموعات مختلفة، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية وكذلك العشائر المحلية، للسيطرة على هذه الأصول، مما أدى إلى صراعات حول إدارة الموارد وتوزيع الإيرادات.
أهمية جيوسياسية: إن موقع دير الزور على ضفاف نهر الفرات وقربها من الحدود العراقية يجعلها موقع تقاطع استراتيجي، والسيطرة على المنطقة له دور في التأثير على التجارة والحركة عبر الحدود مما يجعل من مدينة دير الزور مركزاً ذا قيمة لأي جهة تسعى للسيطرة على شرقي سوريا.
ديناميات القبيلة التاريخية: تمتلك دير الزور تاريخًا طويلًا من القبلية، وكانت العشائر المحلية تمتلك تأثيرًا وسلطة كبيرة تقليديًا في المنطقة، في حين ينظر إلى قوات سوريا الديمقراطية غالبًا على أنها قوة خارجية مما أدى إلى التوترات، حيث يقاوم قادة العشائر ومجتمعاتهم ما يرونه تدخلًا خارجيًا في شؤونهم.
إدارة الموارد وتوزيع الإيرادات: السيطرة على موارد المنطقة، بما في ذلك حقول النفط، أدت إلى نزاعات حول كيفية توزيع الإيرادات، حيث غالباً ما تطالب العشائر بحصة من إيرادات هذه الموارد بوصفها سلطة حاكمة، بينما تسعى قوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على هذه الموارد المالية.
نزاعات على ملكية الأرض: كانت مسألة الملكية والسيطرة على أراض محددة داخل دير الزور مثار نزاع قد تمتلك العشائر مطالب تاريخية بمناطق معينة، في حين يمكن أن تتنازع عليها قوات سوريا الديمقراطية ومجموعات مسلحة أخرى، مما يؤدي إلى صراعات محلية.
التدخل الخارجي: مشاركة جهات خارجية، مثل الولايات المتحدة وروسيا، في الصراع السوري أضافت تعقيدًا إضافيًا للوضع في دير الزور. كما أن الدعم الخارجي لمجموعات مختلفة، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية زاد من تعقيدات الديناميات في المنطقة.
مخاوف أمنية: ضمان الأمان والاستقرار في دير الزور أمر مهم لجميع الأطراف الموجودة على الأرض، وإن وجود مجموعات مسلحة، بما في ذلك بقايا داعش، مستمر في تشكيل تهديدات أمنية. وهناك مصلحة كبيرة في الحفاظ على الأمان لكل من العشائر، وقوات سوريا الديمقراطية، لكن الأساليب والأولويات المختلفة تؤدي إلى توترات بين الطرفين.
اختلافات عرقية وفكرية: تتكون قوات سوريا الديمقراطية بشكل رئيسي من قوات كردية ويُنظر إليها من قبل بعض العشائر العربية المحلية على أنها مجموعة مميزة عرقيًا وفكريًا.
أما بالنسبة لوجود تنظيم داعش في دير الزور ومناطق أخرى في سوريا فقد ظهر خلال الأعوام الأوائل للثورة السورية، ثم انتشر التنظيم بسرعة في المناطق التي كانت تشهد صراعات وفراغاً في السلطة، واستغل التنظيم الفوضى والتوترات في دير الزور لتأسيس وجوده وسيطرته على أجزاء كبيرة من المدينة فرض التنظيم وجوده بقوة في المنطقة واتبع نظامًا صارمًا يعتمد على تفسيره الخاص للإسلام وقام بفرض قوانين صارمة وأذل واضطهد سكان المنطقة الذين لم يلتزموا بتعاليمه، كما قام بتدمير الممتلكات الثقافية والتاريخية في المدينة.
وفي سياق الحرب ضد داعش، بدأت الولايات المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا حيث توجهت القوات الأميركية وحلفاؤها إلى شمال شرقي سوريا وساعدوا في تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمحاربة داعش.
يتطلب استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة تعاوناً دولياً مستداماً وجهوداً مشتركة لمكافحة التطرف وإعادة بناء المجتمعات المتضررة
قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا ولوجستيًا لقسد في جهودهم لطرد داعش من المناطق التي سيطر عليها التنظيم. وعلى الرغم من الهزائم التي مني بها تنظيم داعش عسكريًا، إلا أن آثار وجودهم ما زالت تؤثر على دير الزور والمناطق المجاورة.
وقد تكون النزاعات الأخيرة بين العشائر المحلية وقسد سبباً في إضعاف الأخيرة لتزداد سلطة العشائر في المنطقة بدعم أكبر من الجهات الإقليمية الداعمة للعشائر المحلية واضمحلال سلطة قسد تدريجياً، مما قد يصعد من التوترات المحلية أكثر خلال الفترات المقبلة، ويؤدي إلى زيادة في عدم الاستقرار والأمن.
تتطلب استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة تعاوناً دولياً مستداماً وجهوداً مشتركة لمكافحة التطرف وإعادة بناء المجتمعات المتضررة، وتهدئة النزاعات سعياً لتخفيف آثارها على المدنيين، كما تظل مسألة الوجود الأميركي في سوريا موضوع نقاش دولي، حيث تتغير الأوضاع باستمرار وتتطور السياسات الأميركية معتمدة على تحالفات محلية وأهداف سياسية واستراتيجية متعددة، وتبقى موضوعاً للمراقبة والتحليل المستمر.