icon
التغطية الحية

تأملات في الإصرار العجيب على عدم تجنّب المسار المؤدي إلى الحرب في أوكرانيا

2022.02.27 | 23:01 دمشق

2022-02-26t055527z_772688829_rc2drs9rsg9o_rtrmadp_3_ukraine-crisis-kyiv.jpg
قصف روسي على العاصمة الأوكرانية كييف ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات
+A
حجم الخط
-A

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات دراسة للمدير العام للمركز والمفكر العربي الدكتور عزمي بشارة بعنوان: "روسيا وأكرانيا وحلف الناتو.. تأملات في الإصرار العجيب على عدم تجنب المسار المؤدي إلى الحرب"، تحدثت عن الإستراتيجية الجديدة للأمن القومي الروسي و"التحول في الأولويات الإستراتيجية لروسيا" عقب وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الحكم، وعلاقة روسيا بالناتو والاتحاد الأوروبي.

في ضوء هذا التحول في الأولويات الإستراتيجية، تقدمت روسيا بمطالب ذات طبيعة جيوـ إستراتيجية أمنية في كانون الأول ديسمبر 2021 وذلك في مسودة معاهدة سلِّمت لدبلوماسي أميركي في موسكو.

وتضمنت المسودة طلب الحكومة الروسية تعهدات بوقف توسع حلف الناتو شرقاً وتجميد توسيع البنى التحتية له، مثل منظومات السلاح والقواعد العسكرية، في أراض سوفييتية سابقة، ووقف تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، ووقف نصب الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا، وفق الدراسة.

اتفقت إستراتيجية الأمن القومي الروسي مع إستراتيجية 2015 بالتشديد على قوة روسيا الدولية وعلى الشراكات القائمة على المصالح المشتركة مع الدول وعدم الالتزام بأحلاف دولية أو غيرها، ولكنها في عام 2021 كررت التشديد على الشراكات مع الهند والصين وحذفت موضوع الشراكات مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي التي شجعت عليها 2015.

كما تلوم استراتيجية 2021 الولايات المتحدة على تخليها عن التزاماتها الدولية بشأن الرقابة على السلاح النووي والصواريخ وتدعو إلى بذل الجهود لتخفيف الاعتماد على الدولار الأميركي في النشاط الاقتصادي، وهذه النقطة الأخيرة التي ألحت عليها الرؤى الروسية كانت متصلة اتصالا عضويا برفض الأحادية القطبية الأميركية للعالم بعد نهاية الحرب الباردة.

المأزق

انتابت روسيا الاتحادية مع تولي فلاديمير بوتين رئاستها بالوكالة في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1999، ثم بالأصالة بعد الانتخابات الرئاسية في 26 آذار/ مارس 2000، "صحوة" للعمل على التحول من دولة مهدَّدة بأن تصبح دولة من الدرجة الثانية وربما الدرجة الثالثة في العالم، بحسب تعبير بوتين، لتعود قوة عظمى، عبّر عنها في رسالته التي وجهها في أواخر عام 1999، وحملت عنوان "روسيا على العتبة الألفية الجديدة"، وأصبحت تُعرف لدى المتخصصين بالشؤون الروسية بـ "رسالة الألفية".

أفصح بوتين عن رؤيته تلك إلى العالم بوضوحٍ بالغ، فما ورد في رسالة الألفية لم يكن موجهًا إلى الاستهلاك الروسي الداخلي في روسيا منهكة ومتداعية في مرحلة التسعينيات، بل إلى العالم.

جاء التدخل في جورجيا في عام 2008 خطوة عملية أولى لترجمة "الفكرة الروسية" في سياق رؤية رسالة الألفية للتحول إلى دولة عظمى، وذلك بحجة الدفاع عن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهما منطقتان سعتا إلى الانفصال وتأسيس جمهوريتين مستقلتين بدعم روسيا وحمايتها، ثم جاء التدخل في عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا. وفي الحالتين حذرت موسكو منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وحتى الاتحاد الأوروبي في بروكسل من مواصلة توسيع نفوذهما في جمهوريات تعتبرها ضمن مجالها الحيوي؛ أي مجال" الفكرة الروسية" The Russian Idea، وتحديدًا في أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا. وتبع ذلك تدخل روسي عسكري سافر في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015، أصبح بعده وجودًا عسكريًا شبه دائم على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وربط بين القاعدة الجديدة في طرطوس وبين سيباستوبل، مقر قيادة الأسطول الروسي، لتعود روسيا إلى الشرق الأوسط من البوابة السورية.

انتابت روسيا الاتحادية مع تولي فلاديمير بوتين رئاستها بالوكالة في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1999، ثم بالأصالة بعد الانتخابات الرئاسية في 26 آذار/ مارس 2000، "صحوة" للعمل على التحول من دولة مهدَّدة بأن تصبح دولة من الدرجة الثانية وربما الدرجة الثالثة في العالم، بحسب تعبير بوتين، لتعود قوة عظمى

بعد أن مرت كل هذه العمليات من دون رد غربي حاسم، وفي ظل وجود إدارة أميركية ذات موقف شديد السلبية من سياسات بوتين، وإزاء احتمال استفحال هذا الموقف، رأى الأخير أن يستبق التطورات بطلب تعهدات وضمانات أمنية واضحة من الولايات المتحدة، دبلوماسيًا في البداية، ثم على شكل إنذار تمثل بحشد الجيوش على الحدود الأوكرانية، وتلا ذلك اعتراف روسي بالجمهوريتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك، وذلك في 21 شباط/ فبراير 2022، ثم الحرب الفعلية التي بدأت بتغطية جوية وصاروخية لتحرك الانفصاليين على الأرض لاحتلال كامل إقليم دونباس شرق أوكرانيا ثم اقتحام الجيش الروسي مناطق أخرى في أوكرانيا، ولا يُعرف حتى الآن كيف ستنتهي هذه الحملة العسكرية.

أقرت روسيا في عام 2021 استراتيجية جديدة للأمن القومي الروسي حلت محل الاستراتيجيات السابقة، وعبرت هذه الاستراتيجية عن "تحول في الأولويات الاستراتيجية لروسيا". ففي استراتيجية 2015، خصصت فقرة مطولة لإشكالية علاقتها مع الناتو ورفضها نشاطه العسكري الزائد، وتمدده باتجاه حدودها، لكنها أبرزت اهتمامها بالحوار مع الاتحاد الأوروبي، و"تنسيق عمليات التكامل" في الجمهوريات السوفييتية السابقة. أما في استراتيجية 2021، فقد أكدت ما ورد في استراتيجية 2015 من تحفظات شديدة على الناتو، لكنها لم تعد مهتمة بالحوار مع بروكسل.

في ضوء هذا التحول في الأولويات الاستراتيجية، تقدمت روسيا بمطالب ذات طبيعة جيو-استراتيجية أمنية في كانون الأول/ ديسمبر 2021، وذلك في مسودة معاهدة سُلِّمت لدبلوماسي أميركي في موسكو. وتضمنت طلب الحكومة الروسية تعهدات بوقف توسّع حلف الناتو شرقًا وتجميد توسيع البنى التحتية له، مثل منظومات السلاح والقواعد العسكرية، في أراضٍ سوفييتية سابقة، ووقف تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، ووقف نصب الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا.

كانت مسودةُ المعاهدة، إذا ما شُرحت في ضوء نسق بوتين العقيدي، نوعًا من "إنذار مبطّن" للولايات المتحدة في أنّ هناك يومًا تاليًا إن لم تستجب للتفاوض حولها والتوصل إلى تسوية مقبولة بشأنها تخفف من المخاوف الأمنية الاستراتيجية الروسية. رفضت الولايات المتحدة هذه المطالب. ووصفها الرئيس الأميركي جو بايدن - في رده في 22 شباط/ فبراير على خطاب بوتين قبل ذلك بيوم، والذي اعترف فيه باستقلال الانفصاليين - بأنها "مطالب متطرفة Extreme demands"، ما قد يختلف كثيرون بشأنه؛ لأن هذه المطالب أولًا، كانت قابلة للتفاوض، وثانيًا، لأنه يمكن تصور تقديم مثلها من طرف أي دولة تعد نفسها دولة عظمى بشأن نشاط أحلاف عسكرية ليست عضوًا فيها على حدودها، وثالثًا، لأن هذه المطالب أقل تطرفًا من خيار الحرب. كما أن هناك فرصة للتفاوض لتفعيل اتفاقات مينسك المغطاة شرعيًا من الأمم المتحدة.

 

للاطلاع على الدراسة كاملة