بعد مرور يوم على الانتخابات الأميركية، بات من الواضح بأن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية أصبحت تحس بجرأة شديدة، إذ في مؤتمر صحفي، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريش الذي يتزعم حركة الاستيطان اليهودية في الضفة الغربية والتي انضم تحت لوائها 600 ألف من الأنصار، بأن انتصار دونالد ترمب يمنح إسرائيل فرصة لفرض سيادتها على تلك المنطقة التي يعيش فيها ثلاثة ملايين فلسطيني لا يحملون أي جنسية. أما وزير الدفاع الجديد، يسرائيل كاتس، فقد طالب بغارة جوية لضرب برنامج إيران النووي وذلك خلال اجتماع مع قادته العسكريين، قال فيه: "يمكن فعل ذلك، ليس فقط على الجبهة الأمنية، بل أيضاً على الجبهة الدبلوماسية"، كما انتشرت لوحات إعلانية في مختلف أنحاء إسرائيل ظهرت فيها صورة لترمب وخلفه العلمان الأميركي والإسرائيلي مرفقة بعبارة: "تهانينا! فلتجعل إسرائيل عظيمة يا ترمب!"
أيادي ترمب "البيضاء" على الإسرائيليين
ليس من المستغرب أن تلقى ولاية ترمب الثانية هذا الترحيب في إسرائيل، فقد أظهرت استطلاعات الرأي بأن ثلثي الإسرائيليين يؤيدون هذا الرجل، إذ خلال ولايته السابقة، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السوري (بعد أن احتلتها في عام 1967)، وأسهم في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وأربع دول عربية من دون أي تلميح يشير إلى إمكانية الاعتراف بسيادة فلسطين، كما أعلن بأن مستوطنات الضفة الغربية لا تمثل خرقاً للقانون الدولي.
ما الفرق بين بايدن وترمب بالنسبة لإسرائيل؟
احتضن جو بايدن إسرائيل خلال فترته الرئاسية الممتدة لأربع سنوات، وسمح بصرف مليارات الدولارات على مساعدات عسكرية إضافية خصصت لحروب إسرائيل ضد حماس وحزب الله عقب "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول عام 2023، إلا أن إدارته بقيت تنتقد إسرائيل على قتلها لأعداد كبيرة من المدنيين وعلى المعاناة التي تسببت بها في غزة ولبنان، فدفع الضغط الأميركي إسرائيل إلى تأجيل اجتياحها لرفح وهجومها على حزب الله.
لكن ترمب لا يكترث بحقوق الإنسان إلا بالنادر، لأنه يحب المنتصرين، وبفضل الهجمات الناجحة على حماس وحزب الله وإيران، بدت إسرائيل وكأنها انضمت لزمرة المنتصرين الآن. وعندما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات عن مخططاته الساعية إلى ضرب إيران انتقاماً منها على هجومها بالصواريخ على إسرائيل، قيل بأن ترمب رد عليه بالقول: "افعل ما يجب عليك فعله"، أما تحليل كاتس الذي يرى بأن الوقت قد حان لشن هجوم على المقرات النووية الإيرانية فيعزى إلى عاملين اثنين، أولهما أن هجوم إسرائيل على إيران في 26 تشرين الأول الماضي جرد الأخيرة من معظم نظم الدفاع الجوي الموجودة لديها، والثاني انتخاب ترمب الذي وصف إيران في مرات كثيرة بأنها مصدر للمشكلات في الشرق الأوسط.
بالنسبة لنتنياهو، كانت السنتان الماضيتان صعبتين، إذ خرجت مظاهرات ضد محاولته إضعاف النظام القضائي، أعقبها هجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلياً واندلاع حربين على جبهتين. وبما أنه وسع حكومته الائتلافية وطهرها من غير الموالين له عبر طرد وزير الدفاع منها، بات من المتوقع له أن يبقى في السلطة لفترة أطول بكثير.
"الرئيس لوى ذراعنا"
كان مايك هاكابي من أوائل من اختارهم ترمب ليشغل منصب سفيره إلى إسرائيل، وقد شغل هذا الرجل في السابق منصب حاكم ولاية أركنساس كما كان قساً يعمّد الناس، ويعتبر من أشد المناصرين للصهيونية اليمينية، وخاصة لفكرة الاستيطان في الضفة الغربية. بيد أن ترمب أخبر نتنياهو بأنه يود أن تنتهي حروب إسرائيل في غزة ولبنان قبل أن يتولى زمام السلطة، بحسب ما ورد في صحيفة تايمز أوف إسرائيل، ولكن هل بوسع ترمب أن يعذر نتنياهو في حال كبحه لجماح شركائه في الحكومة الائتلافية ممن يقفون إلى صفه في اليمين المتطرف؟ هذا ما يفكر به مايكل أورين وهو سفير إسرائيل الأسبق إلى واشنطن، إذ كتب في افتتاحية نشرت مؤخراً: "هل سيكون بوسع نتنياهو أن يقول لهم: "لقد لوى الرئيس ذراعنا"؟"
قد يسهم ذلك في عقد اتفاق تكون السعودية طرفاً فيه، بما أنها تسعى إلى إبرام اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، وترغب بإقامة علاقات مع إسرائيل مقابل ذلك، سعياً منها لإقامة دولة فلسطينية. وبرأي أورين قد يقبل نتنياهو بهذا الثمن، لكنه قد يحمل ترمب مسؤولية قبوله مرة أخرى. وفي حال حدوث ذلك، فإن الأمور ستجري وفقاً لمخطط وضع أيام الولاية الأولى لترمب، والذي ستضم بموجبه إسرائيل 30% من الضفة الغربية وتعطي ما تبقى للشعب الفلسطيني ليقيم دولة هامشية منزوعة السلاح، وعلى الرغم من أن الفلسطينيين رفضوا هذا المخطط بشدة، إلا أنهم قد يكتشفون بأنهم لم تعد لديهم قوة كبيرة للتأثير على المفاوضات.
المصدر: Bloomberg