عندما "كسر جو بايدن على أنفه بصلة" وسافر إلى السعودية خلال شهر تموز ليصافح بقبضة يده ولي العهد محمد بن سلمان، عبر عن تفاؤله من أن الرياض ستقوم بخطوات لتزيد من إمداداتها لأميركا من البترول "خلال الأسابيع القادمة".
ولكن خلال فترة لم تصل لثلاثة أشهر، حصل الرئيس الأميركي على عكس ما تمناه، وهو انخفاض كبير بإنتاج النفط بواقع مليوني برميل يومياً، فرضته منظمة أوبك+ التي تعتبر السعودية المحرك الأساسي لها.
دعم لبوتين ولا لبايدن
بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين أمضوا بضعة أيام وهم يبذلون جهوداً مسعورة ليقنعوا الرياض وغيرها من الدول الأعضاء في تلك المنظمة التي تضم الدول المنتجة للنفط بتغيير مسارها، كانت الآثار التي ترتبت على ذلك واضحة: إذ في خضم حرب الطاقة العدوانية المستعرة بين روسيا والغرب، أعربت السعودية عن رغبتها في مساعدة فلاديمير بوتين وصد جو بايدن، إذ ذكرت كارين جان-بيير مديرة المكتب الصحفي للبيت الأبيض أمام الصحفيين بأنه: "بات من الواضح بأن أوبك+ منحازة لروسيا من خلال ما أعلنته اليوم".
وفي الوقت الذي أعلن فيه مسؤولون سعوديون بأن الدافع وراء خفض الإنتاج هو القلق حيال الاقتصاد العالمي، إلا أن النتيجة تسببت بارتفاع في أسعار النفط تجاوز 10% عما كانت عليه أدنى المستويات للأسعار خلال الأسبوع الماضي. ومع انخفاض المخزون، حذر بعض المحللين من أن هذه الخطوة يمكن أن تواصل دفع الأسعار نحو الارتفاع، إذ ذكر داميان كورفالين من مؤسسة Goldman Sachs Group Inc. بأن خفض الإنتاج قد يفرض مبلغ 25 دولاراً كزيادة على سعر البرميل الواحد بالنسبة لأسعار برنت خلال عام 2023 إن استمرت أوبك+ على ذلك المنوال طوال العام بأكمله، وقال إن هنالك: "احتمالاً لارتفاع الأسعار بنسبة أعلى في حال استنزاف مخزون الدول بشكل كامل".
أما بالنسبة لبايدن، فقد كان قرار خفض الإنتاج بمثابة ضربة، وهذه الضربة تمثل حالة صد شخصية لرئيس تعهد خلال حملته الانتخابية بتحويل السعودية إلى "دولة منبوذة"، ليسعى بعد ذلك لإصلاح العلاقات معها خلال هذا العام على أمل أن تمده بكميات أكبر من النفط. كما أن هذه الضربة تعيق محاولاته الساعية لتخفيض الأسعار واستنزاف عائدات روسيا، وذلك عبر الضغط لتحديد سقف لأسعار النفط الروسي، وتحرير مخزون الاحتياطي الأميركي الاستراتيجي من البترول.
وحول ذلك يعلق بين كاهيل، وهو عضو رفيع لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فيقول: "إن هذا التخفيض يعود لأسباب جيوسياسية، وليس فقط للقواعد الأساسية في السوق، إذ إن أوبك+ تقف ضد الجهود التي تبذلها الدول المستوردة للنفط من أجل تحديد شكل السوق، ويشمل ذلك تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، وتحرير مخزون الاحتياطي الأميركي الاستراتيجي من البترول، وتنسيق العمل بين الجهات التي تشتري البترول، أي أنها حركة خطيرة".
صدمت الولايات المتحدة بالقرار الساعي لفرض عملية خفض إنتاج كبيرة، وبما أن مخططات منظمة الدول المنتجة للنفط توضحت خلال الأيام القليلة الماضية، لذا بدأت كوكبة من المسؤولين الأميركيين، بينهم وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يليين، تتصل بنظرائها من دول الخليج التي تتمتع بعضوية في منظمة أوبك، وذلك في محاولة لإقناعهم بتغيير مسارهم. حيث أجرت وزيرة الخزانة الأميركية اتصالات مع عدد من الوزراء في تلك المنطقة دون أن تحصل على التزامات وتعهدات قاطعة من قبلهم، وذلك بحسب ما أورده مطلعون على الأمر.
أعلن البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي بأن بايدن "أصيب بخيبة أمل جراء القرار الذي اتخذته أوبك+ والذي يتسم بقصر النظر والقاضي بخفض معدلات الإنتاج"، كما هدد بالنظر في المزيد من الإجراءات وذلك: "للحد من تحكم أوبك+ بأسعار الطاقة".
بيد أن بعض المسؤولين الأميركيين كانوا أشد صراحة ووضوحاً في حديثهم عن الموضوع، حيث غرد السيناتور كريس مورفي من الحزب الديمقراطي، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية، عبر حسابه على تويتر بالآتي: "فكرت بكل جوانب الفكرة من بيع الأسلحة لدول الخليج على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان فيها، وحربها العبثية في اليمن، ووقوفها ضد المصالح الأميركية في ليبيا والسودان وغيرها، وبأنها كلها قائمة على أنه في حال قيام أزمة دولية، عندها يمكن للخليج أن يفضل أميركا على روسيا والصين".
غير أن خفض الإنتاج سيكون في الواقع أقل مما هو عليه على الورق، أي بواقع مليون برميل تقريباً باليوم، وذلك لأن أغلب الدول الأعضاء في أوبك+ قد بدأت بخفض معدلات الإنتاج من قبل، وهذا ما قد يبث في نفوس المسؤولين الأميركيين شيئاً من الارتياح، إلا أنه من المرجح بالنسبة للأثر السياسي المترتب على ذلك القرار أن يكون أكبر مما هو عليه في السوق.
السعودية تسترجع ثقتها بنفسها
بالنسبة لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، يمثل هذا القرار عودة لحالة الثقة التي يغذيها ويقويها النفط والتي اتسمت بها المرحلة التي سبقت جريمة قتل المعارض والصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، فقد أصبح اقتصاد بلاده يتجه نحو التحول إلى أسرع اقتصاد نمواً ضمن دول مجموعة العشرين، كما أنه أسهم لتوه في وساطة بين روسيا وأوكرانيا ضمن صفقة لتبادل الأسرى، وتم تعيينه رئيساً للوزراء خلال الأسبوع الماضي، مما يوسع سلطاته على الورق، ومن المرجح أن يكسبه حصانة في أي دعوى قضائية تتهمه بإصدار أوامر تقضي بقتل الخاشقجي.
يقول مسؤولون سعوديون بأن قرار أوبك+ يؤكد مدى تطور ونمو علاقات الشراكة التي أقامتها المملكة مع دول أجنبية، والتي دفعت واشنطن عبر استخفافها بالسعودية لقيامها. إذ في الوقت الذي سعى خلاله مسؤولون أميركيون كبار لإصلاح العلاقة مع السعودية، لم يكف ذلك لتجاوز الخلافات الكثيرة التي تسبب الرئيس الأميركي بنفسه بجزء منها كما يقول السعوديون.
ولهذا رفض وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان يوم الأربعاء الماضي، مناقشة أمور السياسة التي تتصل بقرار خفض الإنتاج، واكتفى بالقول: "إن ذلك أعلى من مستوانا بكثير".
وعندما طلب منه تبرير القرار القاضي بخفض الإنتاج في سوق ماتزال فيه الأسعار مرتفعة نسبياً، على الرغم من هبوط الأسعار لما دون 130 دولاراً خلال شهر آذار، ذكر ذلك الوزير بأن أسعار الفحم والغاز الطبيعي قد ارتفعت أكثر بكثير من النفط.
يرى البعض في تلك المقارنة نذير شؤم، وذلك لأن موجة ارتفاع أسعار الغاز والفحم أتت نتيجة لما وصفه الغرب باستخدام الغاز كسلاح سياسي من قبل روسيا وذلك لخفض الواردات التي تصل إلى أوروبا، ولهذا يقول روجر ديوان المحلل المراقب لأوبك منذ زمن طويل: "بعد استخدام أسواق الغاز سلاحاَ، أصبحت اليوم أسواق النفط تستخدم سلاحاً هي أيضاً".
المصدر: بلومبيرغ