ما تزال قضية وفاة عمر عبد المجيد أسعد (78 سنة)، فلسطيني يحمل الجنسية الأميركية، إثر اعتقاله بشكل تعسفي من قبل كتيبة "نيتسح يهودا" التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، تتفاعل في الأوساط الإسرائيلية، لاسيما بعد مطالبات أميركية بتحقيقات أكثر جدية بملابسات وفاة أسعد.
أثارت ملابسات حادثة وفاة المسن الفلسطيني الأميركي، الشهر الماضي، على يد جنود كتيبة "نيتسح يهودا" الجدل في إسرائيل حول طبيعة هذه الكتيبة وتجنيد الشباب المتدينين في الجيش الإسرائيلي، وسط دعوات إلى تفكيكها وسحب انتشارها من أراضي الضفة الغربية.
كتيبة "نيتسح يهودا" (بالعبرية: يهودا الخالدة أو الأبدية)، تصفها جميع التقارير الإسرائيلية بأنها "أرثوذكسية متطرفة"، خاصة بتجنيد شباب الحريديم (الأرثوذكسية اليهودية)، اليهود المتشددين، الذين يرفضون الاندماج بالمجتمع الإسرائيلي لأنهم يعلون الدين على الدولة.
إهمال أم إعدام؟
في فجر الأربعاء 12 من كانون الثاني/يناير الماضي، عُثر على عمر عبد المجيد أسعد، (78 سنة)، ميتاً بعد أن اعتقله عناصر من كتيبة "نيتسح يهودا" المتطرفة، وهو في طريقه إلى منزله بشكل تعسفي، عند نقطة تفتيش مرتجلة (حاجز طيّار)، في ساعات الفجر في قريته جلجليا شمال رام الله وتركوه مقيداً في منزل مهجور في الجو البارد.
ونقلت وكالة "الأناضول" عن شهود ومقربين من أسعد أن جنود الاحتلال سحلوا الأخير لمسافة 200 متر واعتدوا عليه بالضرب.
ووصفت وزارة الخارجية الفلسطينية الحادثة بأنها "عملية إعدام ميداني"، وطالبت بفتح تحقيق دولي بشأنها.
كما طالبت الإدارة الأميركية إسرائيل بفتح تحقيق لمعرفة ملابسات وفاة عمر أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية.
بدوره، أعلن الجيش الإسرائيلي فصل ضابطين من الكتيبة من الخدمة وإعفاء قائدها من منصبه ومنعه من تولي مناصب قيادية لمدة عامين، إضافة إلى توبيخ الكتيبة، واعتبار الحادث "فشلاً أخلاقياً وسوء اتخاذ قرار" بسبب إهمال الجنود للضحية.
ولم يوقف تحقيق الجيش الإسرائيلي التوتر بين تل أبيب وواشنطن بسبب هذه القضية، وطالبت الأخيرة السلطات الإسرائيلية بإجراء تحقيق جنائي شامل وتحمل المسؤولية الكاملة.
"نيتسح يهودا".. كتيبة المتطرفين
"نيتسح يهواد" كتيبة "أرثوذكسية متطرفة"، تابعة للجيش الإسرائيلي تتمتع باستقلالية وتكوين خاص ما يجعلها كتيبة "غير نظامية" وأشبه بعصابات "المستعربين" الإسرائيلية، المعروفة بأنها "فرق الموت المنظم" في الضفة الغربية.
أسست في 1999 كجزء من لواء "ناحال"، يقتصر انتشارها على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وتضم ما بين 500 إلى 600 مجند يتمتعون بمستوى عالٍ من القتال، حصلت مؤخراً على جائزة متميزة لقاء المهام الخاصة التي تنفذها وسط الفلسطينيين.
ولا تضم الكتيبة في صفوفها النساء بسبب طابعها الديني المتزمت، وهي كتيبة متجانسة لا تسمح باندماج حقيقي مع المجتمع الإسرائيلي.
تعد "نيتسح يهودا" استثماراً ناجحاً للقوة البشرية في طبقة "الحريديم"، التي ترفض الانخراط في الجيش والتعليم، وفقاً "يديعوت أحرونوت“.
وكانت إسرائيل، منذ نشأتها في عهد بن غوريون (المؤسس)، منحت الحريديم الإعفاء من الخدمة العسكرية، رغم أنها إجبارية على الذكور والإناث، كما سمحت لهم ببناء نظامهم التعليمي القائم على العلوم الدينية ودراسات التوراة في مدارس خاصة يطلقون عليها اسم "يشيفا".
وبحسب الصحيفة، يعتبر تجنيد الشباب المهمش الذين طردوا من المجتمع الأرثوذكسي المتطرف (الحريديم) مشروعاً وطنياً وليس عسكرياً فقط.
وتضيف "يديعوت أحرونوت"، نقلاً عن أحد قادة الكتائب السابقين لم تخل عمليات تجنيد الشباب المتدين من الصعوبات، مشيراً إلى أنهم بدلاً من الضياع في أحياء المتشددين في مدينة القدس، وجدوا أنفسهم يتدربون في الحر الشديد في أراض الضفة المحتلة ومطالبين بالانضباط العسكري.
يضيف قائد الكتيبة نفسه ويسرد كيف التقى بالمجندين الذين جاؤوا ببناطيل ضيقة للتدريب على اللياقة البدنية لأنهم لم يرتدوا أبداً أحذية رياضية، ناهيك عن أحذية الركض، مشيراً إلى أن عمليات اندماجه مع الحياة العسكرية استغرقت وقتاً طويلاً لبناء الثقة معهم.
يشار إلى "نيتسح يهودا" تابعة للجيش بينما تتبع عصابات المستعربين لجهاز الأمن العام "الشاباك"، وعناصر الأخيرة هم عناصر سرية يرتدون الزي الفلسطيني ويجيدون اللهجة الفلسطينية ينتشرون بين الفلسطينيين، بينما عناصر الكتيبة المتطرفة "نيتسح يهودا" هم جنود متدينون يرتدون الزي العسكري إضافة إلى الزي الديني، مثل القلنسوة على الرأس وتسمى بالعبرية "كيباه"، كما لا يخضعون لكامل النظام العسكري المتبع في باقي وحدات الجيش الإسرائيلي.