بدأت قبل أيام قليلة المجمعات التربوية التابعة لمديريات التربية في إدلب وحلب توزيعَ كُتبٍ مدرسية جديدة ومجانية على جميع طلاب المدارس في الشمال السوري بمختلف مراحلها الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية، بهدف الدفع بالعملية التعليمية قدمُاً، بحسب المشرفين على عملية التوزيع.
وتعدّ عملية توزيع كتب جديدة لـ جميع الطلاب هي الأولى منذ تسعة أعوام.
أهمية الكتاب المدرسي
يُعد الكتاب المدرسي من أبرز أركان العملية التعليمية إلى جانب المعلم والمتعلم، ويأتي في أولوية الاحتياجات التعليميّة، إذ يكفي وجوده بيد الطالب تحت إشراف المعلم إلى استمرار العمليّة التعليميّة وتحقيق الفائدة العلميّة المرجوة، إضافة إلى الأثر النفسي الإيجابي الذي يشعر به المتعلم وخاصة الطفل عند امتلاكه لكتبه الخاصة وأدائه لواجباته المنزلية.
إلا أن غياب الكتاب المدرسي عن طلاب الشمال السوري كان له آثار كارثية كبيرة من أبرزها التسرب المدرسي وعدم الاهتمام بالتعليم، فضلاً عن انتشار الأمية بين الأطفال.
كيف بدأت مشكلة فقدان الكتاب المدرسي وكيف كانت تُدار الأمور في السابق؟
حارب نظام الأسد التعليم بكامل قواه، وحاول ترسيخ الجهل بين معارضيه، فمنذ انطلاق الثورة السورية عمِل نظام الأسد على فصل أعداد كبيرة من المعلمين والمعلمات ممن شاركوا في الاحتجاجات المناهضة لحكمه، ومع انتقال الثورة من السلمية نحو العمل المسلح وإخراج النظام من مناطق كثيرة، كان الحرمان من تقديم الكتاب المدرسي لطلاب هذه المناطق الخارجة عن سيطرته أحد أوجه الانتقام من معارضيه، أيضا قصف المدارس والتهجير القسري كانا من أوجه محاربة نظام الأسد التعليم في مناطق سيطرة المعارضة.
غاب الكتاب المدرسي عن الطلاب منذ العام الدراسي 2012/2013 في مناطق ريف حلب وإدلب ومناطق أخرى. لتخرج مدينة إدلب كذلك عن سيطرة نظام الأسد في 2015 ويغيب الكتاب المدرسي أيضاً عن الطلبة حتى العام الدراسي 2017/2018، حيث تدخلت جمعية قطر الخيريّة لإنقاذ العملية التعليمية في الشمال السوري وبدأت بطباعة وتوزيع الكتاب المدرسي.
في الفترة ما بين عامي 2012 و2017 حاول المعلمون والموجهون التربويون تدارك العملية التعليمية وتعويض النقص الحاصل في الكتب المدرسية، والاستعانة بمناهج رديفة، فانتشرت مطبوعات عديدة من المناهج غير المراقبة كالمنهج الرشيدي ومنهج أمة والمنهاج ب ومناهج أخرى.
وتم تطبيق هذه المناهج وفقاً لاجتهاداتٍ شخصيّةٍ لمحو أميّة الأطفال في المرحلة الابتدائيّة بشكل أساسي. في حين ترك اليافعون في المرحلتين الإعداديّة والثانويّة من دون اهتمام. واقتصر تعليمهم على الكتب القديمة المدوّرة والنادرة.
مشكلة النقص في الكتاب المدرسي قائمة منذ أعوام رغم قيام قطر الخيرية بطباعة الكتب
بدأت جمعية قطر الخيرية بطباعة وتوزيع الكتب المدرسية في العام الدراسي 2017/2018 لأول مرة، لكن العجز في تأمين الكتاب المدرسي ما زال قائماً حتى الآن.
إبراهيم الصبحي - مدير مدرسة هنانو في بلدة كفرنة بريف سلقين - تحدث لموقع تلفزيون سوريا عن عدم امتلاك طلاب الصف الأول في مدرسته للكتب المدرسية، وعند سؤاله عن كيفية استمرار العملية التعليمية خلال النصف الأول من العام الدراسي، أجاب موضحاً أنه أمّن نسخة كتب واحدة للمعلم ليستطيع من خلالها إعطاء الدروس، وتصوير صفحات الكتب وإرسالها لذوي الطلاب عبر مجموعات تم إنشائها عبر تطبيق "واتساب".
مشكلة النقص في الكتب المدرسية وعدم امتلاك قسم من الطلاب للكتاب المدرسي كانت حاضرة طوال الأعوام السابقة، وفي تقرير سابق نشره تلفزيون سوريا مطلع عام 2019 كانت الجهات التعليمية في إدلب قد دقت ناقوس الخطر بعد بلوغ نسبة العجز في تأمين الكتاب المدرسي أكثر من 80٪.
جمعية قطر الخيرية والتي انفردت من بين جميع المنظمات المحلية والعالميّة وكذلك منظمات الأمم المتحدة وبالتنسيق مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة (أوتشا) بطباعة وتوزيع الكتب المدرسية، كانت تطبع وتوزّع الكتب المدرسية بنسب محددة تصل إلى 60 أو 70٪ دون أن تغطي النقص خلال الفترة ما بين عامي 2017 و2020، لكنها الآن طبعت ووزّعت الكتب المدرسية بنسبة 100٪ ابتداءً من النصف الثاني من العام الدراسي الحالي 2020/2021، وهو ما ينهي حالة العجز التي كانت حاصلة في الأعوام السابقة. كما قامت الجمعيّة بطباعة فائض يقدر ب5% من مجموع الكمية الكلية للاحتياج وتخصيص هذا الفائض لتعويض فاقد الكتب في حالات النزوح والحالات الطارئة.
وبحسب منسق برنامج التعليم في جمعية قطر الخيرية "عبد الله مسلم" فإن أعداد المستفيدين من الكتب التي طبعتها ووزعتها الجمعية بلغ أكثر من مليون ونصف المليون مستفيد، منهم 275 ألف طالب من طلاب الصف الأول الابتدائي، وذلك منذ إطلاق مشروعها عام 2017 حتى الآن.
أنور السعيد - رئيس دائرة المطبوعات في مديرية التربية والتعليم بمحافظة إدلب - تحدث لموقع تلفزيون سوريا عن حصولهم على 383 ألف نسخة من الكتب المدرسية، مضيفاً أن المجمعات التربوية بدأت بتوزيع الكتب وفق الخطة الموضوعة وبإشراف كل من مديرية التربية وجمعية قطر الخيرية.
وتابع: انتهت عملية التوزيع في مجمعي أريحا والدانا التربويين ومستمرة في مجمع إدلب وخلال أيام قليلة سينتهي توزيع الكتب لجميع الطلبة في بقية المجمعات التربوية، معتبراً أنّ أهمية تأمين الكتاب المدرسي تكمن بعودة كثير من الطلاب المتسربين إلى المدارس وتمكن المدرسين من تدريس المنهاج المقرر وفق المعايير التربوية.
أيضاً مأمون حاجي بكور - رئيس دائرة المطبوعات في مديرية التربية والتعليم بمحافظة حلب - أوضح لتلفزيون سوريا عن تسلّمهم لأكثر من 96 ألف نسخة كتب لمختلف المراحل الدراسية أيضاً.
أي المناهج هي المعتمدة؟ وما مصدرها؟
تحدث منسق برنامج التعليم في قطر الخيرية "عبد الله مسلم" لـ موقع تلفزيون سوريا موضحاً أن قطر الخيريّة تواصلت عام 2017 مع المؤسسات التعليميّة الناشئة في شمال غربي سوريا من أجل اعتماد نسخةٍ نهائيّةٍ لتتم طباعتها للمراحل الدراسيّة كلها، ثم تشكلت لجنة سوريّة من الأكاديميين السوريين والموجهين التربويين وخبراء التعليم، الذين اجتمعوا وقرروا بشكلٍ مستقلٍ تماماً، النسخ المعتمدة لكل مرحلة دراسيّة من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثاني عشر بفرعيه العلمي والأدبي.
وبحسب " مسلم" فإن اللجنة اعتمدت بشكل رئيسيٍّ على المنهج السوري الرسمي الصادر عن وزارة التربيّة السوريّة (وزارة التربية في نظام الأسد)، مضيفاً أنّ اللجنة بعد ذلك شطبت بعض الفقرات والمواضيع الحساسة وفقاً للسياق في شمال غربي سوريا، مقابل عدم استبدالها بأية فقرات أخرى تسبب حساسيّات أخرى لأي جهة في الصراع السوري.
وفي النهاية، تم تعديل المنهج الرسمي وفق قرار سوريّ بحت، ومن دون المساس بالمحتوى العلمي بتاتاً، وهو ما زاد من إمكانية الاعتراف بالشهادات الثانوية الصادرة عن الجهات التعليمية في شمال غربي سوريا.
قطر الخيرية تستثني بعض المواد من عملية الطباعة.. لماذا؟
العديد من الطلبة والمعلمين فضلاً عن المسؤولين عن دوائر المطبوعات اشتكوا لـ موقع تلفزيون سوريا من عدم طباعة قطر الخيرية لكتب بعض المواد التعليمية كمادة التاريخ، ومادة الجغرافيا، ومادة الفلسفة، الأمر الذي يضطر الطلاب لطباعة هذه الكتب على نفقتهم الخاصة.
نقل موقع تلفزيون سوريا السؤال إلى جمعية قطر الخيرية - عبر أ. عبد الله مسلم - منسق برنامج التعليم لديها، والذي عزا الأسباب إلى حساسيّة المعلومات الموجودة في هذه المواد إضافة إلى مادة التربية القومية الاشتراكية، مشيراً إلى أنّ هذه المواد مبنيّة على سياسة واستراتيجيّة الدولة سابقاً في سوريا.
الأمر الذي دفع قطر الخيريّة إلى عدم طباعة هذه المواد. وبالمقابل، نأت قطر الخيرية بنفسها عن طباعة المواد ذاتها بعد تعديلها من قبل الخبراء التعليميين في مناطق شمال غربي سوريا التزاماً منها بالمبادئ الإنسانيّة الأساسيّة والمبادئ ذات الصلة بالحياديّة وعدم الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع في سوريا.
الكتب المدورة تعيق العملية التعليمية
تحدث ساري الرحمون - مدير مدرسة معراتة بني خزاعة الواقعة في أحد مخيمات بلدة كللي - لموقع تلفزيون سوريا عن الآثارالسلبية لوجود الكتب المدورة قائلاً: للكتب المدورة آثار سلبية كثيرة وخاصة على طلاب المرحلة الابتدائية من الصف الأول وحتى الصف الرابع فمعظم الكتب المدورة حلّ طلاب الأعوام السابقة الأنشطة المدرسية عليها، وعندما يطلب المعلم من طلابه حل تلك الأنشطة فإن معظمهم يعتمد على الحل السابق من دون التفكير في الحل، وهو ما يضعف فاعلية العملية التعليمية، هذا إن كان الحل القديم على الكتاب صحيحاً وليس خاطئاً، وإن كان خاطئاً فتلك مشكلة أكبر.
ورأى "الرحمون" من وجهة نظره الخاصة أن تقديم كتب مدورة لطلاب المرحلة الابتدائية خطأ كبير للغاية ويجب تداركه.
أيضاً محمد الديبو - طالب تقدم للحصول على الشهادة الثانوية هذا العام - تحدث لموقع تلفزيون سوريا شارحاً معاناته في امتلاك نسخة كتب ليدرس فيها، قائلاً: "قمت بشراء نسخة كتب مدورة إلا أني ومن خلال الدراسة وجدت فيها كثيرا من الأخطاء واختلافا عن المنهاج المعتمد حالياً، الذي صدر عام 2016".
وتابع "الديبو": اشتريت نسخة كتب مدورة أخرى لكني حرصت على أن تكون من طبعات المنهاج الحديث، لكني وجدت بأن كثيرا من صفحات الكتب الداخلية ممزقة بالكامل وغير موجودة، فضلاً عن تلف المواد التي تلصق صفحات الكتب ببعضها بعضا، مما اضطرني في النهاية للتوجه لمكتبة خاصة وطباعة كتبي الدراسية على حسابي الخاص بكلفة 13 دولاراً أميركي بعد إنفاق 18 دولاراً أخرى على نسختي الكتب التالفتين".
كذل إبراهيم الصبحي - مدير مدرسة هنانو في بلدة كفرنة بريف سلقين - تحدث بشكل عام عن عدم فاعلية الكتب المدورة، وبحسب رأيه الخاص فإن نسبة استفادة الطالب منها لا تتجاوز ال 50٪.
كم تبلغ نسبة التلف في الكتاب المدرسي؟ وهل يمكن الاستفادة من الكتب التالفة؟
يقول أنور السعيد - مدير دائرة المطبوعات في مديرية التربية بإدلب - إن نسبة التلف في الكتب المدرسية تفوق ٨٠% ويبقى ٢٠ % من الكتب مدورة ولفصل دراسي واحد.
وعند سؤاله عن إمكانية الاستفادة من الكتب التالفة عبر بيعها أو إعادة تدويرها، أجاب بأنّ أسعار الكتب التالفة زهيدة لعدم وجود سوق لتصريفها أو معامل لإعادة تدويرها، وهذه الأسعار لا تشكل شيئاً بالنسبة لتكاليف طباعة الكتب الجديدة.
تحصيل علمي أفضل لـ مُمتلكي الكُتب الجديدة
من خلال حديث مَن قابلهم موقع تلفزيون سوريا في قطر الخيرية ومديريات التربية ومديري المدارس والطلاب وذويهم أكّد الجميع أن امتلاك الطلاب كتباً جديدة له أثر نفسي إيجابي يدفعهم للتعلق بالمدرسة وازدياد نسبة الالتحاق بالتعليم وتراجع نسبة التسرب، فضلاً عن تحسن جودة التعليم عبر التزام المعلمين والطلاب بمنهج دراسيّ محدد وأصبح بمقدور الطالب أن يكتب وظائفه ويذاكر دروسه لتحقيق النجاح.
وبحسب دراسة أعدتها قطر الخيرية فإن نسبة النجاح ونيل شهادتي التعليم الأساسية والثانوية ازدادت بنسبة 25٪ لدى الطلاب الذي امتلكوا كتباً جديدة، الأمر الذي أيده كثير ممن قابلهم موقع تلفزيون سوريا.