في العامين الماضيين شهدت تركيا موجات هجرة جديدة للاجئين السوريين باتجاه أوروبا، إذ شكل تنامي خطاب الكراهية والعنصرية الذي سبق الانتخابات التركية وما رافقها من وعود للمعارضة بترحيل السوريين خلال سنتين من وصولها للحكم، إضافة إلى إعلان الرئيس أردوغان لخطة تتضمن إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري خلال عام واحد.
تقارير غربية أكدت ازدياد أعداد اللاجئين في هذين العامين بشكل عام ولا سيما السوريين، حيث قالت صحيفة "بيلد" الألمانية إن عدد عمليات دخول طالبي اللجوء وصل إلى رقم قياسي، ونقلت الصحيفة عن الشرطة الفيدرالية أنها حددت في حزيران من العام الماضي نحو ألفي دخول غير مصرح به، بزيادة قدرها 140% مقارنة بالعام السابق، وفق تقرير الهجرة السري، موضحة أن نسبة كبيرة منهم كانوا من السوريين إضافة إلى أفغان وعراقيين وجنسيات أخرى.
واليوم بعد خسارة المعارضة التركية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، هل ما زال اللاجئون السوريون يفكرون بالهجرة إلى أوروبا؟
خسارة المعارضة دفعتني للبقاء
خالد لاجئ سوري يدرس في جامعة إسطنبول، أكد أن فكرة السفر إلى أوروبا كانت تراوده بشدة قبيل فترة الانتخابات؛ بسبب حالة القلق والتوتر التي كان يعاني منها عند تفكيره بفوز المعارضة؛ لأن ذلك سيترتب عليه -بحسب قوله- أمور كثيرة كالترحيل وازدياد حدة الخطاب العنصري، إلى غير ذلك من المضايقات بحق السوريين؛ لذا كنت بصدد السفر باتجاه أوروبا أو أي دولة أخرى كمصر مثلاً.
وأكمل خالد حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، "الآن بعد فوز العدالة والتنمية أصبح لدينا أمل كبير في أن تعمل هذه الحكومة على إيجاد حلول للمشكلات التي نعاني منها كالمشكلات القانونية، والكيملك وإذن السفر والتسجيل بالتأمينات الاجتماعية، إضافة إلى مكافحة الخطاب العنصري".
وكذلك الحال بالنسبة لعلي الأحمد الذي وصل إلى مدينة إسطنبول عام 2016 واستقر وتزوج فيها وهو الآن أب لطلفين، إذ يوضح لموقع تلفزيون سوريا أن أكثر ما كان يقلقه هو وعود المعارضة بترحيل السوريين (طوعاً أو قسراً) إلى سوريا خلال سنتين.
وأردف الأحمد الذي يعمل في إحدى ورش الخياطة في مدينة إسطنبول أنه كان على أهبة الاستعداد للسفر إلى أوروبا فوراً في حال فازت المعارضة، إلا أنه يستدرك بالقول: لكن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات جعلني "أتنفس الصعداء"، وأفضل البقاء مع عائلتي في تركيا، أملاً في تحسن أوضاعنا القانونية والمعيشية.
وكان وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو قد استبعد في مقابلات تلفزيونية قبل الانتخابات أن يتم ترحيل كل السوريين، وأكد أنه لا يصح القول بأن تركيا ستقوم بإعادة جميع اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مشيراً إلى وجود قطاعات في تركيا مثل الزراعة والصناعة، بحاجة إلى أيد عاملة.
استقرار لـ 5 سنوات
ومن المرجح أن فوز العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والسياسية سيفرض حالة استقرار سياسي داخلي لمدة خمس سنوات، إذ لن يكون هناك استحقاقات انتخابية سوى انتخابات البلدية في الربع الأول من العام المقبل.
ولعل حالة الاستقرار هذه كانت من ضمن العوامل التي دفعت المهندس وائل المحمد للتخلي عن فكرة السفر إلى أوروبا، حيث يرى وائل أن ملف اللاجئين سيكون بعيداً عن التجاذبات السياسية والحزبية التي شهدها خلال العامين اللذين سبقا الانتخابات الرئاسية.
ويرى وائل في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن ذلك سيدفع اللاجئين لممارسة أشغالهم وأعمالهم من دون خوف أو توتر كما شهدتها الفترة الماضية، إذ يتوقع وائل أن تنخفض حدة التوترات وأن تعمل الحكومة الجديدة على معالجة ملف اللاجئين.
وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري ومرشح المعارضة للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو أكد خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عزمه إعادة اللاجئين فوراً بحال فوز تحالفه.
أوروبا هي الهدف
لا يتعلق الأمر بالنسبة لي بفوز العدالة والتنمية أو فوز المعارضة، لأن الحالة الاقتصادية والمستقبل المجهول بالنسبة لنا كسوريين في تركيا يشكل أكبر دافع للهجرة باتجاه أوروبا أو غيرها من الدول التي تعطينا حقوقنا كلاجئين.
بهذه الكلمات يؤكد عمر اللاجئ السوري المقيم في العاصمة أنقرة لموقع "تلفزيون سوريا" عزمه على السفر خارج تركيا، رغم صعوبة الطريق وارتفاع تكاليف طرق التهريب التي تصل لآلاف الدولارات.
وأضاف عمر أن الحالة الاقتصادية الصعبة التي تتمثل بتدني أجر العامل السوري وعدم تأمينه وإعطائه حقوقه القانونية بشكل يحفظ له كرامته من أصحاب الأعمال، إضافة إلى غلاء الأسعار الفاحش وارتفاع أسعار إيجارات البيوت بشكل لم يعد يتوازن مع الرواتب الممنوحة أبداً، كل ذلك دفعه للبحث عن طرق آمنة للتهريب إلى أوروبا.
وفي هذا السياق يؤكد الناشط في مجال حقوق اللاجئين أحمد طالب الأشقر أن الاضطرابات في الاقتصاد التركي، تنعكس بشكل مباشر على مفردات المعيشة اليومية للمواطنين عموماً والمقيمين واللاجئين خصوصاً.
وفي سياق ذلك أشار الأشقر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى القول: إن الحكومة هنا تقوم بدعم مواطنيها، عن طريق رفع الحد الأدنى للأجور مثلاً، وتقديم قروض بنكية أو غير ذلك من الطرق، في المقابل نرى أن اللاجئين يعانون من تقلب العملة وتغير أسعار المواد الأساسية، من دون وجود دعم لهم يخفف عليهم هذه الضغوط الاقتصادية.
وهذا يدفع -بحسب الأشقر- اللاجئ السوري إلى التفكير بالهرب من هذه الدوامة، والسعي لتأمين مستقبله عن طريق اللجوء إلى أوروبا.
إلى جانب ذلك يضيف عمر أن خوفه من الترحيل بسبب عدم امتلاكه لبطاقة الحماية المؤقتة يشكل هاجساً له، يدفعه بشكل دائم للبحث عن فرصة للسفر خارج تركيا.
وهذا ما يؤكده الناشط الأشقر بالقول: إن حملات التدقيق على الأوراق الثبوتية وقيود السكن بالنسبة للسوريين زادت بعد فوز العدالة والتنمية، وخاصة في ولايتي إسطنبول وأنقرة.
ويعزو "الأشقر" ذلك إلى رغبة حزب العدالة والتنمية بالسيطرة على بلديات هاتين الولايتين، وهما اللتان سبق أن فازت بهما المعارضة، إذ تأتي تلك الإجراءات في سياق التضييق على السوريين من أجل كسب ود الحاضنة فيهما.
التطبيع مع نظام الأسد سبب للهجرة
بعيداً عن العوامل الداخلية التي قد تدفع بعض السوريين للهجرة خارج تركيا، تشكل الخطوات التركية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، عامل قلق جديد للسوريين، فالخوف من الترحيل إلى مناطق النظام، أو سيطرة النظام مثلاً على مناطق الشمال السوري يشكل كابوساً للاجئين السوريين الذين يعرفون طبيعة النظام وإجرامه.
طبعاً لا توجد إحصائيات لهذه الحالات يقول الناشط بقضايا اللاجئين، إلا أننا بحكم متابعتنا اليومية لشؤون اللاجئين نجد أن هناك بالفعل مخاوف من التقارب بين تركيا ونظام الأسد، يدفع الكثير من الشباب المطلوبين على قوائم النظام، أو المطلوبين للخدمة العسكرية للهجرة إلى أوروبا.
ويتوقع الأشقر أن تزداد هذه الهجرة مع تسارع خطوات التطبيع بين تركيا والنظام السوري.
وكان وزير الخارجية التركي السابق قد أكد في تصريحات تلفزيونية بتاريخ 26 أيار الماضي أن أنقرة تسعى لإعادة اللاجئين السوريين في بلاده بشكل آمن إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد أيضاً، وليس فقط إلى ما وصفها بالمناطق الآمنة في الشمال السوري، وفق تعبيره.