وجهت "الجمعية الأميركية للبحوث في الخارج" نداء عاجلا لترميم معبد "بل" في مدينة تدمر السورية، والحفاظ عليه باعتباره موقعا تراثيا عالميا.
وفي ورقة جديدة بعنوان "مستقبل معبد بعل في تدمر بعد تدميره" نشرتها مجلة الجمعية، يجادل المؤلفان مأمون عبد الكريم وجاك سين بأن هناك حاجة ملحة للتدخل في استعادة المعبد، وتسهيل عودة سكان تدمر، لضمان استمرار وجود هذا الموقع التراثي العالمي. وفق موقع "phys.org".
نزوح وتهجير متكرر من محيط المعبد
يقف معبد بعل في مدينة تدمر السورية القديمة، بجوار واحة صحراوية مليئة بأشجار النخيل والمياه الوفيرة. تم بناء المعبد في القرنين الأولين من الحقبة العامة، وخدم لمدة ما يقرب من ألفي عام كمكان مقدس للسكان المحليين وكموضوع ذي أهمية أثرية كبيرة. في عام 2015، تم تدمير المعبد بواسطة متفجرات "داعش".
تم بناء معبد بعل على تل قديم وخصص لإله من بلاد ما بين النهرين. يقف هيكل السيلّا المركزي في فناء محاط بأعمدة كورنثية. خلال التاريخ الطويل للمعبد، تم استخدام المبنى ككنيسة، ثم كمسجد، قبل أن يتم تحويله إلى مأوى سكني، وهي الوظيفة التي استمرت حتى أوائل القرن العشرين.
بين عامي 1920 و1946، كانت سوريا ولبنان تحت الحكم الفرنسي، وخلال هذه الفترة، اهتمت السلطات الفرنسية بالحفاظ على آثار سوريا. تم تهجير سكان تدمر من محيط معبد بعل إلى مستوطنة قريبة أنشأها الفرنسيون بينما كانت الإدارة الفرنسية تقوم بفهرسة وتنظيف موقع المعبد.
وعلى الرغم من عودة سكان تدمر إلى ديارهم بعد المهمة الأثرية الفرنسية، إلا أنهم أجبروا على الفرار مرة أخرى في عامي 2015 و2016 خلال سيطرو تنظيم "داعش". وبمجرد أن كانت تضم السكان حوالي 40,000 نسمة، بحلول عام 2022، عاد فقط 2,000 شخص إلى القرية في محيط المعبد.
أضرار جسيمة في معبد بل
تسببت القنابل التي فجرها "داعش" في صيف عام 2015 في أضرار جسيمة لمعبد بعل، لكنها لم تنجح في تدمير الهيكل بالكامل. استطاع المتخصصون الذين زاروا الموقع بعد خروج التنظيم عام 2016 أن يؤكدوا أن جدران السيلّا قد انهارت، إلى جانب أعمدة الأروقة المحيطة، لكن بوابة غربية كبيرة وأساسات جدران المعبد بقيت سليمة.
ومع ذلك، يكتب عبد الكريم وسين، أن الدمار الذي لحق بالهيكل أثر بشكل كارثي ليس فقط على الموقع نفسه ولكن أيضًا على حياة المواطنين المحيطين به. ويضيف الباحثان أن عودة مجتمع تدمر أمر بالغ الأهمية، "ليس فقط لأنهم مصدر للعمالة والخبرة العملية، ولكن أيضًا بسبب ذاكرتهم الجماعية وملكية الموقع. فهم جزء من قصته."
قصة معبد بعل طويلة ومعقدة، لا تشمل فقط أصوله في عصر الإمبراطورية الرومانية وأهميته الأثرية للزوار من جميع أنحاء العالم، بل تشمل أيضًا، كما يلاحظ المؤلفون، تفجيره الكارثي على يد "داعش". علامات الدمار، كما يقولون، "هي مجرد مرحلة أخرى في حياة نصب استثنائي وفريد."
لكن على الرغم من هذا السياق، يستمر عبد الكريم وسين، في التأكيد على أن الحفظ في النهاية هو الأهم. مشيران إلى أن الموقع في حالته الحالية قد يشكل مخاطر على الزوار. ويضيفان، "تدمر شهدت أسوأ الأوقات.. نناشد التعاون العالمي والطموح المشترك لحماية معبد بعل، لضمان عودة قصة أكثر إيجابية".
ترميم آثار تدمر بإشراف روسي وأموال غربية
أواخر العام الماضي، قالت وكالة "تاس" الروسية إن متخصصين في الآثار من روسيا وسلطنة عُمان سيشاركون في ترميم نحو 200 قطعة أثرية سورية، بما في ذلك آثار تدمر.
ونقلت الوكالة عن مدير عام متحف "الأرميتاج" الحكومي الروسي، ميخائيل بيوتروفسكي، أنه من "غير المستبعد أن يتعاون المختصون العمانيون مع متحفه في تنفيذ المشروع الروسي السوري الخاص بترميم قوس النصر في تدمر".
وسيقوم المرممون من متحف عمان الوطني ومتحف "الأرميتاج" في مسقط بترميم نحو 200 قطعة أثرية، بما فيه آثار تدمر، وفق ما ذكر مدير عام المتحف الوطني لسلطنة عُمان، جمال الموسوي، في حفل توقيع الاتفاقية مع متحف "الأرميتاج"، على هامش "منتدى بطرسبورغ الثقافي الدولي".
وقال الموسوي "تلقينا منذ عامين تماثيل تدمر لترميمها في مسقط، وشارك في ذلك زملاؤنا من متحف الأرميتاج، وسنتلقى العام المقبل دفعة أخرى من القطع الأثرية من سوريا تتضمن 200 قطعة".
ترميم افتراضي
وفي آب 2020 صممت موسكو نموذجاً ثلاثيَ الأبعاد عن دمار تدمر التي سلمها النظام لتنظيم الدولة، وتسلمها منه مرتين خلال عامي 2015- 2016 قبل أن يستعيدها النظام في آذار 2017. ويظهر النموذج الذي وصفه الإعلام الروسي بـ "الإنجاز والهدية" صوراً للأماكن الأثرية التي تعرضت للتدمير في المدينة.
وتسعى روسيا من هذه الخطوة للفت نظر العالم إلى دمار تدمر بهدف جلب تمويل إعادة الترميم، بحسب تصريحات مسؤوليها، وذلك بعد توقيعها اتفاقيات مع النظام السوري لإثبات وصايتها على آثار تدمر.
وصرّحت سولوفيوفا آنذاك لشبكة "روسيا اليوم" بأن النموذج "يتيح فرصة تقييم أماكن التنقيب الجديدة، ودراسة تخطيط المنطقة وتكاليف إعادة الإعمار".
ويعتبر تصريح "سولوفيوفا" رسالة للبعثات الأوروبية التي ترفض زيارة المنطقة لأسباب أمنية. وبعد الانسحاب الأول للتنظيم من المدينة في آذار 2016، قدّم ميخائيل بيوتروفسكي المدير العام لمتحف (أرميتاج) للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحات بشأن إعادة إعمار تدمر، وقال إنه عرض على (اليونيسكو) انضمام روسيا إلى الحملة الدولية لإعادة ترميم المدينة التاريخية، وفق ما نقلت "روسيا اليوم".
ومن بين 400 حادثة اعتداء، تم التحقق من 97 حادثة على 88 منشأة وموقعاً أثرياً في سوريا، كان النظام السوري مسؤولاً بشكل مباشر عن 37 حادثة منها، يليه في المرتبة الثانية تنظيم الدولة بـ10 اعتداءات، ثم فصائل المعارضة بـ6 حوادث، في حين جرت بقية الاعتداءات على يد أطراف مجهولة، وفق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وتعرضت الآثار في سوريا للسرقة والنهب من قبل قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها، بالإضافة إلى روسيا وإيران الميليشيات التابعة لها ومختلف أطراف الصراع.