أصدر كُتّابٌ وصحفيون وناشطون فلسطينيون بياناً يرفض تغيير هوية مخيم اليرموك من خلال المخطط التنظيمي الذي وضعه نظام الأسد، وأعلنت عنه محافظة دمشق.
وقال البيان إن "المخطط التنظيمي لمخيم اليرموك حلقة مشبوهة في سلسلة شطب المخيم بكل رمزيته ومدلولاته الوطنية في الوعي والوجدان الجمعي لشعبنا الفلسطيني".
وأضاف أنه "منذ قرابة عشر سنوات ومخيم اليرموك يتعرض لعملية شطب مدروسة وممنهجة وفق أدوات وآليات مختلفة تنوعت بين القصف والتجويع والحصار والهدم والتدمير وكذا تهجير أهله مروراً بمسرحية تحريره من داعش في معركة هزلية دمرت أجزاء ومساحات واسعة من بنيانه".
وتابع البيان"والآن يأتي هذا المخطط لينهي ما تبقى منه ويحوله إلى حي من أحياء دمشق بعد تغيير ملامحه وشطب ٥٠ في المئة من جغرافيته المعروفة والثابتة منذ آخر مخطط في عام 2004".
ضربة قاضية لـ حق العودة
الباحث محمود زغموت وعضو مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، شدد في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا اليوم الأحد، على أن المخطط التنظيمي الجديد للمخيم يشكل من الناحية السياسية ضربة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، لما سينتج عنه من إزالة لأحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، ولما يرمز له المخيم من شاهد على النكبة ومحطة نضالية كان لأهله دور كبير في رفد الثورة الفلسطينية وإسنادها بشريا ومعنويا.
وتابع قائلا "يثبّت هذا المخطط الواقع الذي آلت إليه الأمور بعد سنوات من القصف والحصار والتدمير من تجريف للمجتمع الفلسطيني وتفكيك لبيئته الديموغرافية ويمنع عودة الأوضاع الاجتماعية في اليرموك لما كانت عليه قبل عام 2011".
ولفت زغموت أن المخطط يتزامن مع قرارات إسرائيلية وأميركية تستهدف شطب القضية الفلسطينية و"طي صفحتها مرة واحدة وإلى الأبد" من خلال ما يسمى صفقة القرن وقرار ضم الضفة الغربية ووقف تمويل وكالة الأونروا.
وعن دور وكالة الأونروا في حماية حقوق أهالي المخيم، أوضح "زغموت" أنه يجب أن تتحمل الوكالة مسؤوليتها تجاه حقوق اللاجئين الفلسطينيين المادية والمعنوية في مخيم اليرموك وغيره من المخيمات والتي أنشئت أساساً من أجلها.
كما يجب أن تفعّل الوكالة علاقاتها من موقعها في المنظمة الدولية وتوظفها لتسليط الضوء على خطورة هذا المخطط الذي يهدد بإزالة المخيم ويؤثر على استقرار اللاجئين الفلسطينيين ونتائجه التي ستؤثر سلبا بكل تأكيد على جميع مناحي الحياة من تعليم وصحة وخدمات أخرى.
وتوزع خلال السنوات الماضية غالبية سكان مخيم اليرموك بعد تهجيرهم خارج سوريا في أوروبا ودوار الجوار السوري ومناطق أخرى، في حين توزع قسم منهم على بعض مناطق دمشق وريفها وفي مناطق الشمال السوري.
وطالب "زغموت" جميع المرجعيات الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكل أطيافه للتحرك والضغط على النظام لوقف هذا المخطط الخطير. مشيرا إلى أن "الصمت عن جريمة شطب مخيم اليرموك ستحفز النظام لاحقا لاستهداف مخيمات وتجمعات فلسطينية أخرى تحت أي ذريعة".
المخطط محصلة حرب النظام على المخيم
المحامي أيمن أبو هاشم والمنسق العام لتجمع مصير الفلسطيني، أوضح لـ موقع تلفزيون سوريا أن خطورة المخطط التنظيمي الأخير تحت غطاء "إعادة تنظيم منطقة اليرموك" تكمن بوصفه تطويبا لمحصلات حرب النظام على المخيم في أبعادها العسكرية والأمنية والسياسية.
ويستند النظام في قراره إلى القوانين العقارية التي أصدرها في السنوات الأخيرة، ومنها القانون رقم 10 لعام 2018، باعتباره المسوغ القانوني والإجرائي لإعادة هندسة المناطق السورية وفق أهداف النظام ومراميه، بما يشرعن عمليات التغيير الديمغرافي التي قام بها خلال محطات الثورة السورية، والتي لم يستثنِ منها مخيم اليرموك.
وأشار "أبو هاشم إلى أن نظام الأسد يسعى إلى استنزاف الوجود الفلسطيني في سوريا، لتحقيق الرغبة الإسرائيلية الدفينة في شطب قضية اللاجئين، وإزالة مخيم اليرموك أحد أبرز عناوينها وتمثلاتها الوطنية الحيّة، دون إغفال استهداف النظام للمخيمات الفلسطينية الأخرى في سوريا. كما شهدته مخيمات درعا والسبينة وحندرات وخان الشيح والرمل والحسينية.
انتهاك لحقوق أهالي مخيم اليرموك
يتجاهل المخطط التنظيمي بحسب "أبوهاشم" أن مخيم اليرموك ومنذ نشوئه في منتصف الخمسينات، وخلال مراحل توسعه العمراني طيلة العقود الماضية، كان وحدة عقارية تتبع لمدينة دمشق، وهو ما يؤكده المخطط التنظيمي للمخيم الصادر عام 2004 والمصدق أصولاً، والذي يُحدِد المخيم القديم ومناطق توسع المخيم في غرب اليرموك وجنوبه، على أنها منطقة عقارية واحدة، تضم كل أحياء وحارات المخيم، بمسميّاتها المذكورة في مخطط العام 2004، وهي أسماء يعود أغلبها، إلى المدن والقرى الفلسطينية التي لجأ منها سكان المخيم إثر نكبة 1948.
وتابع "يشير الوصف العقاري للمخيم وفق المخطط الجديد، إلى وجود مسعى واضح من ورائه لنزع صفة المخيم، واستبدال تسميته "بمنطقة اليرموك" في خطوة غير بريئة، تتساوق بتفصيل أكثر، مع وضع المخطط لمسميّات جديدة لحارات المخيم، حيث يرد في المخطط اسم "الحي الشامي" على أحد أقدم حارات المخيم وهي حارة الفدائية وامتدادها إلى ساحة الريجة".
ويشمل المخطط كامل مساحة المخيم المنتشرة على 220 هكتارا، ويقسمها إلى ثلاث مناطق (كبيرة الأضرار 93 هكتار – متوسطة الأضرار 48 هكتار- خفيفة الأضرار 79هكتار) وشمول المنطقتين كبيرة ومتوسطة الأضرار بإعادة التنظيم، ما يعني بالضرورة إزالة ما يزيد على 60 في المئة من أراضي المخيم، وتحويلها إلى أبراج سكنية وأسواق تجارية وحدائق عامة.
ويشدد "أبو هاشم" على أن النظام يضلل الرأي العام فيما يتعلق بتأمين المخطط لعودة 40 في المئة من سكان المخيم إلى بيوتهم الواقعة في المنطقة خفيفة الأضرار.
حيث إن وضع هذه المنطقة ضمن تنفيذ المرحلة الثالثة من المخطط، والتي ستستغرق سنوات طويلة، قد تتجاوز على الأرجح 15 عاماً للمراحل الثلاث، هي رسالة مبطنة لأهالي المخيم الذين ما زالوا داخل سوريا، كي يبحثوا عن بدائل للسكن الدائم خارج المخيم وربما خارج سوريا.
وكما فعل نظام الأسد حين أصدر القانون رقم "10"، أمهل أصحاب الملكيات 30 يوما للاعتراض على المخطط تنتهي آخر تموز الجاري، وحول ذلك قال "أبوهاشم"، "اللجنة التحكيمية المختصة بالنظر بطلبات الاعتراض، والمؤلفة من قاضٍ يعينه وزير العدل وثلاثة أعضاء يمثلون الدولة، وعضو يمثل المالكين، لا تشكل حَكماً يُعتد به لإنصاف الأهالي المتضررين من المخطط، لأنها لا تتمتع بالاستقلالية المطلوبة للنظر بموضوعية في حيثيات الاعتراضات، ومثل هذه اللجان – كما تعارف عليها السوريون في زمن النظام- ليست أكثر من مراجع صورية وشكلية، إضافة إلى استحالة العودة الآمنة لكثيرين".