البث المباشر
يشهد المربع الأمني في مدينة الحسكة اشتباكات اندلعت، ليل الثلاثاء - الأربعاء، بين قوات النظام السوري وميليشيا "الدفاع الوطني" التابعة لها، عقب عزل النظام لقائد الميليشيا من منصبه، على خلفية إهانته لأحد وجهاء العشائر، ما تسبّب باشتباكات، شهر آب الفائت.
وبقيت حالة التوتر في المدينة وسط مطالبات وجّهتها عشيرة الجبور إلى حكومة النظام بحل ميليشيا "الدفاع الوطني"، التي باتت عبئاً عليه وقد تؤدّي إلى فقد النظام السيطرة العسكرية على محافظة يسودها المجتمع العشائري.
وكان النظام قد فشل في فرض أوامره واعتقال قائد الميليشيا "عبد القادر حمو"، رغم ما ارتكبه من تجاوزات بحق المدنيين من فرض إتاوات واعتداء وإهانة على الحواجز، إلا أن الأمر الذي خرج عن حده كان الإهانة والاعتداء على أحد وجهاء قبيلة الجبور، أكبر القبائل في المحافظة، ما أشعل غضباً عشائرياً مسلّحاً وتهديدات باقتحام المربع الأمني في المدينة والهجوم على مقارّ الميليشيا وقتل قائدها.
نجحت قوات النظام، بدايةً، في احتواء الغضب العشائري بإعطاء وعود بعزل "حمو" ومحاسبته، إلا أنّ الأمور تطوّرت لتشهد أحياء مدينة الحسكة اشتباكات عنيفة بين الطرفين، تزامنت مع استقدام قوات النظام تعزيزات عسكرية من خارج المدينة.
اشتباكات وتعزيزات عسكرية في شوارع الحسكة
استقدمت قوات النظام السوري تعزيزات عسكرية شمّلت دبابات وآليات ثقيلة لمواجهة حركة تمرد الميليشيا واحتوائها وإعادة فرض سيطرتها على مقارها، وسط حالة استنفار يشهدها مطار مدينة القامشلي.
أحمد (اسم مستعار) وهو أحد المدنيين العالقين في مناطق الاشتباكات، قال في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ الاشتباكات لم تتوقف منذ ليل الثلاثاء، حيث يتمركز "الدفاع الوطني" في حديقة تشرين وسط أحياء سكنية بالمدينة.
أضاف أحمد أن الاشتباكات بدأت بعد خلاف بين ضباط من قوات النظام و"حمو"، حيث هاجمت قوات الهجانة نقاط تمركز "الدفاع الوطني"، لتتصاعد وتيرة الاشتباكات.
وقد تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عدد من المدنيين الذين أشاروا إلى مقتل شابٍ وامرأة وإصابة مدنيين آخرين، إضافة إلى تضرّر المنازل، إثر سقوط قذائف في الأحياء الواقعة ضمن مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"، ومشاهدة أعمدة الدخان داخل المربع الأمني.
وأشارت المصادر إلى سقوط قتلى من الطرفين، فيما تمكّنت قوات النظام من محاصرة مقارّ ميليشيا "الدفاع الوطني" والسيطرة على عدد من النقاط.
هدنة تتخلل الاشتباكات ونزوح للمدنيين
أعلن النظام السوري عن هدنة بعد تقدّم قواته في المربع الأمني، وذلك بغرض إجلاء المصابين من العسكريين والمدنيين.
رندة (اسم مستعار) أكّدت لـ موقع تلفزيون سوريا أنّه رغم إعلان الهدنة إلا أنها وعائلتها لن يخرجوا من المنزل، خوفاً من رشقات الرصاص المتقطّعة، حيث يقع منزلهم في منطقة فاصلة بين طرفي الاشتباكات.
الأمر ذاته أشار إليه "أحمد"، موضحاً أن الأهالي في مناطق الاشتباكات لم يستطيعوا الخروج من منازلهم، بينما تمكّن الموجودون في أحياء أبعد، من الخروج إلى الأحياء الشمالية الواقعة في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية".
اتهامات ميليشيا الدفاع الوطني لرتب عسكرية في قوات النظام
من جانب آخر، نشرت ميليشيا "الدفاع الوطني" بياناً اتهمت فيه ضباطاً من قوات النظام بإصدار أوامر بمهاجمة قواتها، بعد فضح عملهم في تجارة المخدرات والسلاح "ما أثار امتعاضهم مستغلين رتبهم العسكرية في الجيش والسلك الأمني لتوجيه بنادق العناصر والجنود نحو نقاطهم".
كذلك، ظهر قائد الميليشيا "حمو" في مقطع فيديو تداوله ناشطون، اليوم، اتهم فيه الأمن العسكري وقيادات عسكرية منهم علي مملوك -مدير مكتب الأمن الوطني- بطلب 3 ملايين دولار لتسوية وضع الميليشيا، أو الخروج من المنطقة، وأنه دفع منها نحو 500 ألف دولار.
وطلب "حمو" من العناصر "التمرد على قوات النظام واعتبارهم عدواً واستهداف أي عنصر منهم، معطياً أوامره بقتلهم فور رؤيتهم".
لماذا يريد النظام السوري التخلص من قائد ميليشيا "الدفاع الوطني"؟
من جانبه، قال المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر السورية مضر حماد الأسعد، إن "ميليشيا الدفاع الوطني لم تعد تنفذ أوامر النظام أو الأجهزة الأمنية، بعد أن أصبح قائدها يملك من المال الكثير بسبب تجارة المخدرات والأسلحة وفرض الإتاوات والضرائب على المحال التجارية وحتى السكان، وكذلك بسبب التعفيش والسرقات، فبهذه الميزانية الكبيرة جداً شرع يقدم رُشاً لضباط الأمن والمسؤولين سواء الذين داخل المدينة أو دمشق، كما يقدم جزءاً إلى قيادات الميليشيات الإيرانية".
وأوضح أنه نتيجة لذلك "أصبح حمو يتعاون مع جهات هي خارج النظام أو خارج الأجهزة الأمنية التابعة للنظام -والتي شكّلت هذه الميليشيا- ويتعامل بشكل مباشر سواء مع حزب الله والميليشيات الإيرانية وروسيا وحتى قسد، لذلك رأى النظام أن هذه الميليشيات أصبحت أكبر منه وترفض التعامل معه رغم أنها موجودة في المربع الأمني الواقع تحت سيطرته".
وأشار إلى أن هذه الميليشيا عملت على "نشر الفتن والدسائس بين أبناء محافظة الحسكة"، الأمر الذي رأى أنه "قلل من هيبة النظام ومن دعم العشائر أو السكان للنظام ظناً منهم أن النظام يدفعه من أجل التنكيل بالناس وإهانة أبناء العشائر وخاصة الشيوخ ووجهاء العشائر".
وتابع: "النظام منذ بداية الخلاف مع قبيلة الجبور، عزل حمو وعيّن شخصاً آخر بدلاً عنه، لتهدئة نفوس القبيلة وباقي القبائل العربية داخل الحسكة بعد الإساءة لهم، إلا أن حمو رفض قرار النظام وتسليم نفسه، وتحصن في مقارّه المملوءة بالأسلحة والمتفجرات والملغمات، كذلك لغّم الكثير من الشوارع التي يسيطر عليها داخل المربع الأمني الذي لا تتجاوز مساحته 2كم".
"مراهنات على الوقت بين تسليم قائد الميليشيا أو القضاء عليها"
كشف "الأسعد" عن وساطات بهدف تسليم "حمو" نفسه لقوات النظام على أن يُبعد إلى خارج المنطقة، رغم أنه لا يتوقع أن يكون هناك تهدئة بين الطرفين، لأن هدف النظام فيما جرى اليوم هو "اعتقال حمو ومَن يقاتل معه ممن رفض قرار قيادة النظام بعزله عن قيادة ميليشيا الدفاع الوطني واعتبارهم عصابات إرهابية".
وعلى اعتبار أن النظام هو من شكّل هذه الميليشيا وشبيهاتها المحلية في محافظة الحسكة والتي ضمّت أشخاصاً سيئي السمعة ومرتكبي جنايات، رأى "الأسعد" أنه ليس من المستغرب أن "تغدر" به لأنه هو مَن أقدم على جلبهم، كما أنّه من غير المستغرب "الانشقاق عنه لأنهم أساؤوا في أصل الأمر إلى أبناء جلدتهم"، مشيراً إلى تعمد النظام اختيار "شخصيات مبتذلة من أبناء العشائر والمنطقة وتسليمهم أماكن حساسة أمنياً وعسكرياً لإهانة شيوخ ووجهاء القبائل العربية وليلجؤوا إليه للدفاع عنهم".
تجدر الإشارة إلى أن ما يجري حالياً في مدينة الحسكة هو أوّل حالة تمرد لأحد الأذرع العسكرية التابعة لقوات النظام تشهدها المنطقة، حيث أنّ النظام الآن في سباق لإعادة فرض نفوذه أمام مواليه في المنطقة وإعادة ثقتهم به.
