شكّل خبر استلام النظام السوري لملف الحج هذا العام صدمةً كبيرةً وجدلاً بين أوساط السوريين وخاصة في مصر، حيث يرى كثير أن الحج بات حلماً لهم ومرتبطاً ارتباطاً وثيقا بتغيّر الظروف بشكل جذري أو عودتها كسابق عهدها.
وكانت "الهيئة السورية للحج والعمر" المنبثقة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، هي الجهة التي تنظّم قوافل الحج للسوريين من مصر، ولكن مع عودة النظام للملف واستلامه الجزء الأكبر أغلقت كل مكاتبها في مصر.
ومنذ العام 2013 كانت الهيئة تنظّم قوافل الحج للسوريين من مصر وتركيا والأردن ولبنان والخليج وأربيل، ووصلت أعداد السوريين الذين أدوا فريضة الحج على مدار السنوات السابقة من مصر إلى 8000 آلاف شخص.
صعوبات مادية وأمنية
قال سليمان شحادة، رئيس مجموعة "الغد للحج والعمرة" في مصر، خلال تصريح خاص لموقع "تلفزيون سوريا"، إن خيارات السوريين في مصر باتت قليلةً جداً لأن الخروج منها لأداء فريضة الحج مرتبط بأمور كثيرة.
وأضاف أن السوري المقيم في مصر والذي يريد أن يؤدي فريضة الحج عليه التوجه إلى تركيا أو سوريا من أجل الالتحاق بالقوافل الخارجة من هناك، وهذا الأمر مرتبط بالدرجة الأولى بوجود إقامة تخوله لمغادرة مصر ودخولها .
ما أنواع الإقامات؟
ويحمل معظم السوريين وخاصة كبار السن إقامات "سياحية" والتي لا تخوّلهم لمغادرة مصر والعودة إليها، فالأمر محصور بالإقامة "الدراسية" التي يعطيها الطالب لوالدته ووالده، أو "الاستثمارية" التي يعطيها صاحب الاستثمار لأفراد عائلته، وعدد من يحصلون عليها يعتبر قليلاً مقارنةً مع نسبة السوريين في مصر.
وفي السابق كانت المكاتب التابعة للجنة العليا تحصل على استثناء للسوريين الحاملين للإقامة السياحية من وزارة الخارجية المصرية، من أجل السماح لهم بمغادرة مصر ودخولها لمرة واحدة فقط لأداء فريضة الحج، بحسب "شحادة"
سوريا وتركيا ليست خياراً مناسباً
يرى سوريون أن أمر أداء فريضة الحج عن طريق سوريا أو تركيا صعب جداً بالنسبة لهم، ابتداءً من التكاليف المادية المرتفعة وصولاً إلى عدم مقدرتهم على السفر.
والسفر إلى تركيا للانضمام إلى القوافل التي تنظمها الهيئة التابعة للائتلاف الوطني، أمر صعب جداً فالسوري لا يستطيع الذهاب إلى تركيا فالشرط الأول والأساسي وجود إقامة فيها وهذا لا يحققه السوري المقيم في مصر، ما جعل هذا الخيار مستبعداً.
أما السفر إلى البلد الأم، فيعتبر صعباً أيضاً لعدم وجود إقامة تمكّن المُغادِر من العودة إلى مصر، والتكاليف المرتفعة وربما لا يستطيع البعض السفر إلى بلدهم لأسباب أمنية.
محاولات لإعادة الأمور كما كانت عليها
أكد "سليمان شحادة" أن المساعي لم تتوقف من أجل إعادة تنظيم قوافل الحجاج السوريين من مصر، وتحدّث عن تقديمهم طلباً لسفارة المملكة العربية السعودية في القاهرة والوزارة المعنية بهذا الشأن، دون وجود رد حتى الآن.
وأضاف: "أتاحت السعودية الفرصة للسكان الراغبين في الشمال السوري لأداء فريضة الحج، لأن الذهاب عبر النظام يعتبر مستحيلاً، ونرجو منها أيضاً النظر بنفس المعيار للسوريين الموجودين في مختلف الأقطار لأن معظمهم مسجلون كإرهابيين عند النظام، ومن المستحيل أن يذهبوا للحج بأي شكل من الأشكال".
الحج حلم مستحيل
تواصل "تلفزيون سوريا" مع مجموعة أشخاص ممن كانت لديهم نية للذهاب إلى الحج من مصر هذا العام، وأكدوا أنهم لا يستطيعون السفر إلى سوريا وتحمّل تكاليف إضافية من أجل أداء فريضة الحج، ما جعل أمر الحج مستحيلاً بالنسبة لهم.
وأشارت سيدة من ريف دمشق، إلى أنها كانت في كل عام تضع مبلغاً من المال من أجل جمع المبلغ المطلوب لأداء فريضة الحج، ولكنها صُدِمت بعدما جمعت الأموال المطلوبة بأن رحلات الحج توقفت، ويجب عليها السفر إلى سوريا من أجل أداء فريضة الحج.
وأضافت أنها تتمنى أن تعود الأمور كما كانت عليه لأنها في حال بقيت هكذا لا تستطيع الحج، فهي تملك إقامة "سياحية" ولا تستطيع مغادرة مصر، ولا تملك أيضاً أموالاً كافية من أجل تحمّل تكاليف إضافية.
وناشدت الجهات المعنية بالنظر إلى حالها قائلةً: "لا نملك إقامات ولا نملك أموالاً كافيةً.. هل يعقل أن يتم اختصار الحج على الأشخاص المقتدرين مادياً وأن يتم حرمان أمثالي من أداء هذه الفريضة؟".
النظام يأخذ النصيب الأكبر من ملف حج السوريين
سلمت السلطات السعودية ملف الحج السوري هذا العام إلى المعارضة والنظام السوري بنسبة بلغت 23% لـ"الهيئة السورية للحج والعمرة" التابعة للائتلاف والتي ستقدم خدماتها للسوريين في الشمال السوري وتركيا وقطر وأربيل، و77% لـ"وزارة الأوقاف" في حكومة النظام.
وتراوحت تكاليف أداء فريضة الحج انطلاقاً من دمشق، بين 4000 و5150 دولاراً أميركياً، وفقاً لتسعيرات مكاتب الحج والعمرة في العاصمة السورية.
وبداية الشهر الجاري أعلنت وزارة الأوقاف في حكومة النظام، انتهاء التسجيل لموسم الحج الحالي، ووصول أعداد المقبولين إلى 17 ألف شخص.
وبعدها بأيام أعلنت الهيئة السورية للحج والعمرة عن انتهاء مرحلة التسجيل والتسديد للسوريين الراغبين في أداء فريضة الحج للموسم الجاري، وقالت مصادر لـ"تلفزيون سوريا" إن الأعداد المقبولة 5200.
وقدّرت "الهيئة السورية للحج والعمرة" تكاليف الحج هذا الموسم بـ4600 دولار في مكاتب باب الهوى وباب السلامة وتل أبيض والريحانية وغازي عنتاب، و4800 دولار في إسطنبول وأربيل، و5200 دولار في قطر.
وتتضمن هذه الكلفة كل ما يهم الحاج خلال السفر من حقائب كبيرة وصغيرة وأثواب الإحرام وأغطية الصلاة للنساء، إضافة إلى تذاكر الطيران في الذهاب والإياب وأجور السكن في مكة والمدينة المنورة وكل التنقلات من لحظة الوصول إلى مطار جدة وحتى مغادرته باتجاه العودة إلى بلده.