خلال فترة لاحقة من هذا العام، سيحضر رجل قصف وسمم واختطف وعذب وسجن شعبه وضربه بالكيماوي مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 في دبي، في أحدث خطوة على الطريق الخطأ نحو التطبيع مع نظام الأسد الوحشي في سوريا.
قبل 12 عاماً، علّق أكبر مؤتمر سنوي يعقد من أجل المناخ في العالم مشاركة الأسد بسبب سجله الحافل بالجرائم والفظائع والهجمات بالأسلحة الكيماوية التي استهدف بها شعبه، ولكن الإمارات التي تستضيف المؤتمر اليوم سمحت بعودة هذا المجرم، ولهذا لا بد لنا أن نشاهد حفنة من أهم القادة العرب وهم يتملقون هذه الشخصية ويتوددون لها.
خلال الشهر الماضي، وتحديداً في السعودية، عندما سمحت الجامعة العربية بعودة الأسد، أخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتبسم في وجه الأسد لدرجة أثارت حفيظة كثيرين ونكأت جراحهم، بل حتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان احتضن ذلك الديكتاتور وقبله على وجنتيه.
عارضت الولايات المتحدة تطبيع العلاقات مع الأسد لسنوات طويلة، بيد أن هذه السخرية المتمثلة بالدبلوماسية باتت لاذعة، إذ طوال مدة تجاوزت نصف قرن من الزمان، بقيت عائلة الأسد تحكم بالحديد والنار دولة تحوي أقدم حضارات العالم، فأوصلتها إلى الحضيض. واليوم، تأتي دول الجوار التي تتصف بقصر النظر لتعيده إلى حضنها.
ترى بعض تلك الدول بأن ذلك شأن يتصل بالواقعية السياسية، بما أن الأسد ما يزال يسيطر على معظم أرجاء سوريا، وبعد الدعم العسكري الذي حصل عليه من موسكو وطهران، لن يصل هذا الديكتاتور إلى أكثر مما وصل إليه، ولكن بدلاً من التصدي للمتنمر، يرفض جيرانه مواجهته، بل صاروا يرغبون اليوم بالتعامل مع سوريا لحل المشكلات التي خلقها الأسد نفسه في المنطقة، والتي تشمل جرائم شنيعة مثل اتجار الأسد غير المشروع بمادة الكبتاغون، تلك المادة المنشطة المخدرة الخطيرة التي صارت تستهلك في حفلات تقام في الأردن والسعودية والإمارات. إذ بحسب ما ذكره مسؤولون في مكافحة المخدرات، فإن عائلة الأسد تستفيد كثيراً من عملية الاتجار بالكبتاغون.
قد تظهر أسماء، عقيلة بشار في مؤتمر المناخ، والتي يرى المحققون الدوليون بأنها تلعب دوراً مهماً في نهب ثروات الشعب السوري، فبما أنها كانت تعمل في مصرف جي بي مورغان قبل زواجها، لذا أخذت تدير المجلس الاقتصادي السري لصالح زوجها، وهذا المجلس يضم شبكة مشبوهة من المنظمات التي يفترض أنها غير حكومية وخيرية إلا أنها متهمة بسرقة كثير من المساعدات الأجنبية والدولية التي تصل إلى سوريا.
ما تزال عمليات التهريب خطيرة كحالها على الدوام، إذ عقب الزلزال المدمر الذي وقع في شباط الماضي، والذي جعل أبناء الشعب السوري بحاجة ماسة للمساعدات، أوردت تقارير استخبارية أميركية بأن الإيرانيين، لا سيما الحرس الثوري الإيراني، يستغلون شحنات المساعدات الإنسانية كستار لتهريب الأسلحة إلى سوريا، ولكن لماذا الأسلحة؟ تخطط الجماعات الوكيلة لإيران في سوريا لمواصلة هجماتها على القاعدة العسكرية الصغيرة التي بقيت للجيش الأميركي في سوريا الذي تم نشره هناك ضمن قوات التحالف لمحاربة تنظيم الدولة.
ولكن لم تعد محاربة تنظيم الدولة والميليشيات الإيرانية في سوريا كافية وحدها، إذ ينبغي على الغرب أن يزيد من ضغوطه على نظام الأسد بحد ذاته، ولحسن الحظ، اتخذ الكونغرس الأميركي خطوة مهمة في هذا الاتجاه، إذ وصل مشروع القانون الذي يعرف بقانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد إلى لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية بسرعة منذ مطلع شهر أيار، ونال تأييداً كبيراً من قبل الحزبين، وهنالك مشروع قانون آخر مرافق لهذا القانون قيد الإنجاز لدى مجلس الشيوخ الأميركي.
وعلى ذلك يعلق النائب الأميركي جو ويلسون الذي تقدم بهذا المشروع، فيقول: "إن الدول التي تختار التطبيع مع قاتل للناس لم يكفر عن جرائمه، ومهرب للمخدرات، وأعني بذلك بشار الأسد، ما هي إلا دول تسير على الطريق الخطأ".
ولهذا القانون أهداف عديدة، منها توسيع نطاق قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا الصادر في عام 2019، والذي يجيز فرض عقوبات على كل من يجري صفقات تجارية مع الحكومة السورية، أما من الجانب السوري، فهو يستهدف جميع أعضاء مجلس الشعب، والأعضاء الرفيعين في حزب البعث الحاكم، والمسؤولين عن سرقة المساعدات الإنسانية الدولية، ويشمل ذلك إحدى أهم المنظمات الخيرية التي تديرها أسماء، ألا وهي الأمانة السورية للتنمية.
غير أن بعض المحللين الأميركيين شككوا في هذا القانون وقدرته على إعاقة جهود الإغاثة الدولية، لكنه لن يعيقها، وذلك لأن قانون قيصر يحمي المساعدات الإنسانية، في حين يعاقب مشروع القانون الجديد المسؤولين عن سرقة المساعدات وإطالة أمد معاناة الشعب السوري.
والصراع هنا مرير ومتواصل، بيد أن الولايات المتحدة وجدت عزاءها في الحلفاء الذين دعموها في قرارها، من أمثال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي فرض أخيراً عقوبات على عدد من المجرمين التابعين للأسد، في الوقت الذي يتصدى فيه هذا الرئيس للديكتاتور بوتين الذي دعم الأسد على مدار سنين طويلة.
شهدت قمة المناخ خلال العام الفائت في شرم الشيخ حضور أكثر من 100 رئيس دولة، بينهم حكام ديكتاتوريون نعرفهم جميعاً، ولكن بحضور الأسد لمؤتمر هذا العام، سيحدث خطأ جسيم في زماننا هذا.
ولهذا هنالك فرصة أمام قادة الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية في مختلف بقاع العالم لتجنب الأسد حال رؤيته وهو يتجول بين صفوف الكراسي في المؤتمر، إذ ما عليهم إلا أن يتشجعوا ويفعلوها فقد حان الوقت ليرى العالم بأسره بأن ديكتاتور سوريا يجب ألا يحضر مؤتمراً كهذا إلى جانب غيره من أفراد المجتمع الدولي.
المصدر: The Hill