ملخص:
- الحكومة البريطانية تخطط لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا.
- السياسات البريطانية تظهر تخبطًا في التعامل مع ملف اللجوء.
- صهيب الحمود الحسين، طالب لجوء سوري، يُهدد بالترحيل إلى رواندا.
- وزارة الداخلية أجرت مقابلة ثانية معه كجزء من تقليل أعداد طلبات اللجوء.
- الحمود يعتبر القرار بترحيله مجحفًا وغير مبني على مبررات قانونية أو أخلاقية.
- خلال رحلة لجوئه إلى بريطانيا، تعرض لمخاطر وصعوبات كبيرة.
ما تزال خطة الحكومة البريطانية فيما يخص ترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون أراضيها بطريقة غير شرعية إلى رواندا تثير الكثير من الجدل والتساؤلات حول مصير قانونيتها ومدى إمكانية وزارة الداخلية تنفيذها فعلياً على أرض الواقع بالرغم من صدور قرار عن محكمة الاستئناف في آواخر شهر يونيو /حزيران 2023 يقضي بعدم قانونية تلك الخطة حيث استنتج كبير القضاة في المحكمة أن راوندا لا تعتبر وجهة آمنة لنقل طالبي اللجوء إليها بسبب افتقادها إلى نظام لجوء "عادل وموثوق".
واعتبر قرار المحكمة أن سجل رواندا ضعيف في مجال حقوق الإنسان وهو ما يشكل خطراً على حياة المرحلين إليها لاسيما أولئك الذين وصلوا من بلدان تعاني من صراعات وحروب داخلية وأوضاع غير مستقرة مثل سوريا واليمن وليبيا وأفغانستان والسودان.
تلاعب بالمصير
من الملاحظ جليا في الآونة الأخيرة لدى جميع المتابعين للوضع الداخلي البريطاني وجود تخبط كبير في السياسات التي تنتهجها حكومة حزب المحافظين في التعامل مع ملف اللجوء ومكافحة الهجرة غير الشرعية وما تسنه من قرارات متناقضة مع القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين.
وفي ظل هذا التخبط تلقى صهيب الحمود الحسين وهو طالب لجوء سوري "رسالة نوايا" من وزارة الداخلية تبلغه نيتها ترحيله إلى رواندا وفق القوانين الجديدة بسبب مروره بعدة دول آمنة قبل وصوله إلى بريطانيا متذرعة بإمكانية تقديمه طلب لجوء في إحداها، كما تم إخطاره في الرسالة ذاتها أن الحكومة الرواندية قد وافقت وصدّقت على دراسة ملف لجوئه مما يرجح احتمالية ترحيله قسرا إليها.
وأشار الحسين خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أنه بعد تلقيه قرار نية السلطات البريطانية النظر في ترحيله إلى رواندا وصله بعد أيام قليلة استبيان من وزارة الداخلية وهو ما يعرف بالمقابلة الثانية الذي اعتمدته الوزارة لتخفيض أعداد طلبات اللجوء المتراكمة لديها منذ سنوات دون إجراء مقابلات وجها لوجهه.
وبعد أن ملأ الاستبيان بالمعلومات وأجاب عن الأسئلة المطلوبة وأعاد إرساله ثانية إلى الوزارة تلقى رسالة على بريده الإلكتروني من مكتب اللجوء والهجرة في مدينة غلاسكو الأسكتلندية يعلمه بأن الاستبيان وصله عن طريق الخطأ واعتبره بمثابة التلاعب بأعصابه ومصيره.
إجحاف حقوقي وضغوط نفسية
يرفض صهيب قرار ترحيله قسراً إلى رواندا، ويعيش حالياً في صدمة نفسية صعبة واكتئاب حاد وتثير مخاوفه هواجس أمنية تتعلق بسلامة حياته المهددة من قبل النظام والتنظيمات الإرهابية في حال عودته إلى سوريا، معتبراً أن قرار وزارة الداخلية البريطانية مجحف بحقه ولا يستند إلى أي مبرر قانوني أو "أخلاقي - حقوقي" على اعتبار أنه ينحدر من بلد يعاني ويلات حرب ونزاعات دموية وتحكمه سلطات الاستبداد والأمر الواقع، حيث كان يصر طوال رحلة لجوئه على الوصول إلى المملكة المتحدة لما تتمتع به من قوانين تحمي حقوق الإنسان دون أي تمييز عنصري وعلى أمل أن يتمكن من إعادة لم شمله بعائلته وبناء مستقبل أفضل.
وصهيب صحفي وناشط سياسي سوري عمل في إنتاج الأفلام الوثائقية، شارك في عدة مظاهرات خرجت في دير الزور مع بداية انطلاق الثورة السورية 2011 التي نادت بالحرية وإسقاط نظام الأسد، وبعد سيطرة "تنظيم داعش" على أجزاء واسعة من مدينته، أجبر صهيب على المغادرة باتجاه مدينة الأتارب في ريف حلب الشمالي وهناك لم يسلم أيضاً من مطاردة عناصر التنظيم وتهديداتهم المتكررة بقتله، فقد كان قاب قوسين أو أدنى من الموت لولا أن الحظ حالفه بالهروب من البيت الذي دهمه عناصر من التنظيم واعتقلوا عدداً من أصدقائه الناشطين وتمت تصفيتهم بطريقة وحشية.
ونجح صهيب بالانتقال إلى إحدى مدن الجنوب التركي المحاذية للشريط الحدودي مع سوريا ومكث فيها لعدة سنوات برفقة زوجته وأطفاله ووالديه لكن خلايا داعش استمرت في مراقبته ولم تكف يدها عن ملاحقته ومحاولة اغتياله التي نجا بأعجوبة من إحداها.
حينذاك قرر صهيب خوض رحلة لجوء إلى بريطانيا التي كانت هدفه ووجهته المقررة منذ لحظة مغادرته الأولى للأراضي التركية، وذلك لاعتبارات تتعلق ببعدها وانعزالها عن القارة الأوروبية الأمر الذي يوفر له درجة أعلى من الأمن والحماية، فضلاً عن إجادته التحدث باللغة الإنكليزية بطلاقة مما يسهل عليه عملية الاندماج والحصول على فرصة عمل في مجاله الإعلامي.
ويشير صهيب في ختام حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" بأن تلك الرحلة كانت محفوفة بمخاطر جمة تخللها الكثير من الصعوبات والتحديات ودفع التكاليف المالية للمهربين، بدأت منذ العبور براً من إسطنبول باتجاه بلغاريا ثم صربيا حيث تعرض لممارسات عنصرية والضرب المبرح بالهراوات على يد شرطة حرس حدود تلك الدولتين ثم أكمل طريقه ماراً بعدة دول أوروبية قبل الوصول إلى مدينة كاليه الفرنسية مركز تجمع المهاجرين وانتقل عبر بحر المانش بقارب مطاطي صغير "بلم" باتجاه الجزر البريطانية في شهر تشرين الثاني 2022.
حسم المعركة القضائية
شكل قرار محكمة الاستئناف بعدم قانونية خطة رواندا ضربة سياسية موجعة لحكومة ريتشي سوناك التي سرعان ما شرعت إلى تقديم الطعون على هذا القرار لدى المحكمة العليا، وفي هذا السياق يرى الخبير القانوني ورئيس رابطة المحامين العرب في بريطانيا صباح المختار أن القول الفصل حول قانونية خطة الحكومة سيكون بيد المحكمة العليا "تعرف بمحكمة التمييز" باعتبارها أعلى سلطة قضائية من محكمة الاستئناف وهي من ستحسم هذا الجدل والمارثون القانوني الذي استمر لعدة سنوات.
وأكد المختار خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" بأنه لن يكون بمقدور وزارة الداخلية/Home Office ترحيل أي طالب لجوء خلال فترة نظر المحكمة العليا بالطعون المقدمة من قبل الحكومة والتي قد تستغرق بحسب رأيه ما لا يقل عن ثلاثة إلى أربعة أشهر وبالتالي فإن القرار النهائي قد يصدر مع بداية العام القادم، "وهذه تعد بمثابة رسالة تطمين لصهيب الحمود الحسين وغيره من المهددين بالترحيل.
وفي سؤال حول إذا ما ستلتزم الحكومة البريطانية بقرار المحكمة العليا في حال قضت بعدم قانونية "خطة رواندا" أجاب المختار بشكل قطعي: أن الحكومة سترضخ لهذا القرار ولن تتمكن من ترحيل أي طالب لجوء إلى رواندا وبالتالي من المرجح إلغاء اتفاقية شراكة الهجرة والتنمية مع الجانب الراوندي وتغيير استراتيجية التعامل مع ملف اللجوء والهجرة غير الشرعية على أن يتم طي صفحة هذه الخطة نهائيا دون رجعة الأمر لا سيما في حال خسارة حزب المحافظين رئاسة الوزراء لصالح منافسه التقليدي حزب العمال.
يذكر أنه كان من المقرر البدء بعملية ترحيل العشرات من طالبي اللجوء من جنسيات مختلفة إلى رواندا في حزيران 2023 لكن الطعون القانونية المقدمة من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى جانب بعض المنظمات الحقوقية في بريطانيا حالت دون إقلاع الطائرة من مطار "سالزبوري العسكري" في اللحظات الأخيرة.