يمكن لأي سوري مقيم في دمشق أو المدن الساحلية بشكلٍ خاص، ملاحظة ازدياد أعداد السياح العرب من جنسيات مختلفة، وعلى وجه الخصوص العراقيين واللبنانيين في آخر سنتين، تزامنا مع ادعاء حكومة النظام بأن الوضع السياحي في مناطقها، بات يشهد تحسناً ملحوظاً لجهة ارتفاع أعداد السياح. ظاهرياً قد يبدو هذا الكلام صحيحاً، إلا أن الواقع يشي بما لا تريد حكومة النظام الاعتراف به، حول حقيقة ارتفاع أعداد السياح وتحديداً العراقيين منهم الذين يصل معظمهم تحت ستار سياحة دينية وثقافية، في حين أن الهدف الأساسي من زيارة أكثر من 80% منهم هو السياحة الجنسية، بعد أن لعبت برامج اللايف والبيغو دوراً كبيراً في جذبهم.
"بنات اللايف والبيغو"
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة برامج اللايف على مواقع كـ تيك توك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ما شجع شريحة كبيرة جداً من الشابات سواء العازبات أو المتزوجات للاشتراك بها لدرجة امتهانها، لأنها تدر أرباحاً طائلة عليهن، فـ وفقاً لما بينته إحدى الشابات (طلبت عدم ذكر اسمها) خلال حديثها لموقع تلفزيون سوريا عن تجربتها مع تلك البرامج، والتي أكدت فيها أنها أصبحت من مدمنيها ولا يمكنها الانسحاب منها بعد أن اعتادت رفاهيةً لم تكن لتعهدها من قبل، قائلةً "وصلت منذ ما يقارب التسع سنوات إلى دمشق، وكنت من قاطني المدينة الجامعية التي عانيت فيها الأمرين، بسبب سوء خدماتها والضغط الموجود فيها، إضافةً إلى وضعها المأساوي لجهة عدم ترميمها منذ سنوات، يضاف إلى كل ذلك صعوبة الاندماج والتفاهم مع شريكاتي في الغرفة، حيث بقيت فيها إلى أن تخرجت في كلية التربية، وهنا ولأنني لا أريد العودة إلى قريتي في منطقة مصياف قررت بعد أن أقنعتني إحدى صديقاتي الانضمام إلى أحد البرامج على التكتوك، لأرى نفسي بعدها من مدمني تلك البرامج، خاصةً بعد أن تسلّمت أول مبلغٍ مالي، ما شجعني على الاستمرار فيها".
وتتابع "وها أنا اليوم أستأجر منزلاً في منطقة المزة فيلات أدفع إيجاره سلفاً لمدة سنة كاملة من دون أن يرفّ لي رمش، وأكثر من ذلك بات لي علاقات مع أصحاب نفوذ كُثر، كل هذا إضافةً إلى الهدايا التي لا تعد ولا تحصى التي تصلني من عدة جهات"، وتضيف رهف "اسم مستعار"، "أتشارك السكن حالياً مع إحدى صديقاتي وهي طبيبة ونعيش حياةً لم أكن أتخيل أن أعيشها يوماً، حياة ممتلئة بالرفاهية فعوضاً عن الآيفون أملك اثنين، وأساعد أهلي في مصاريفهم، لا بل تمكنت مؤخراً من شراء عقارٍ في مكان مميز جداً في مدينة مصياف، كل هذا بسبب تلك البرامج وبسبب العلاقات والفرص التي قدمتها لي!".
في حين تقول سميرة اسم مستعار أيضا، إنها وعلى الرغم من وضعها المادي الجيد، لكنها وبمجرد دخولها لتلك البرامج باتت من مدمنيها، خاصةً أن رصيدها الشهري يصل لأكثر من 15مليون ليرة، تتابع سميرة.. "يملك زوجي ميني ماركت في إحدى مناطق دمشق، غير أن تلك البرامج فتحت لي مجالاً أوسع لأتعرف إلى كثير من الأشخاص من جنسيات مختلفة، كل ذلك بعلم ودراية من زوجي الذي عارض في بادئ الأمر، غير أنه اقتنع بعد أن حصلت على أول مبلغ مالي، حيث بات يقترض مني المال في أحيان كثيرة".
بذريعة السياحة الدينية والثقافية
بعضهم يتذرع بالسياحة الدينية أو الثقافية، إلا أن من يذهب إلى شواطئ اللاذقية وطرطوس وشاليهاتها إضافة إلى دمشق، وتحديداً لمدينة جرمانا سيلمس من دون أن يبذل أي جهد وجودا كثيفا للعراقيين الذين وصل معظمهم، نتيجة لتلك البرامج، خاصةً مع استغلالهم للأوضاع الاقتصادية السيئة المتردية في مناطق النظام، كنتيجة حتمية لانتشار الفقر فيها، وللفرق الكبير في أسعار صرف العملة نتيجة لفقدان الليرة السورية لأكثر من 75% من قيمتها، وانتشار البطالة والفقر الذي بات ينهش أكثر من 90% من الشعب، حيث لا يقتصر الأمر على العازبات أو غير المتعلمات، بل امتد ليشمل الجميع من دون استثناء بغض النظر عن الوضع الاجتماعي والتحصيل العلمي، فبتنا نرى المهندسة والطبيبة والمعلمة وطالبات الجامعة والموظفة وربات البيوت، وغيرهن كثيرات، لتتحول تلك البرامج إلى فرصة كبيرة لا يمكن إضاعتها، خاصةً أنها على حد قول إحداهن "تأتيك على البارد المستريح من دون أن تخرج من منزلك فلماذا التعب، وتحُّمل تطاول صاحب العمل أو المدير مقابل راتب لا يكفي مواصلات ولا يتجاوز 300 ألف ليرة، بينما يمكننا جني الملايين ونحن في منازلنا؟".
شواطئ وشوارع ممتلئة بالسياح
تعتبر السيدة هناء (طلبت عدم ذكر اسمها كاملا) وهي الموظفة في إحدى شركات الصرافة أن "الجيل الجديد بيعرف يدبر حالو" على حد تعبيرها، مضيفةً "بتنا نطلب من زبائننا الوقوف في صفين في أثناء تسلّم الحوالات، صف للبيغو وآخر للحوالات العادية، وهذه حقيقة ربما يراها بعضهم مضحكة إلا أنها واقعية، خاصةً مع كثرة أعداد الفتيات اللواتي يتسلمن حوالات من جراء عملهن في تلك البرامج".
وتضيف "الأمر لا يتوقف على سوريا إذا نظرنا إلى مصر فسنرى أن الوضع مشابه، نتيجة لاستغلال أوضاع الناس في البلدان ذات الدخل المحدود"، بينما تحدث أحد الشبان المقيمين في مدينة اللاذقية لموقع تلفزيون سوريا عن ظاهرة انتشار العراقيين وبعض الجنسيات العربية في شواطئ المدينة قائلاً: "ليس عليك إلا إلقاء نظرة على الشواطئ هنا لترى سيارات بنمر عربية وتحديداً العراقية، لم أكن في بداية الأمر أعرف ماهية تلك البرامج إلا أنني الآن أدركت تأثيرها حيث تقوم عشرات الفتيات باستدراج الشبان العرب إلى سوريا، بحجة التعارف وطبعاً الجميع يعلم الغاية والهدف، فالدعارة شغالة وعلى عينك يا تاجر وبعلم الجهات المعنية، مضيفاً "لتطلع على إيجار الشالهيات، وأؤكد لك بأنك ستصاب بالدهشة والعجز خاصةً مع حرمان مئات العائلات السورية من التوجه إلى البحر، نتيجة للارتفاع الجنوني للأسعار، فهل يعقل أن يصل إيجار الشاليه في اليوم الواحد لمليون ليرة مقابل خدمات بغاية السوء؟ أي سائح محترم يرضى بأن يدفع سعر كهذا إذا كان فعلاً هدفه السياحة والاستجمام والتمتع بإجازته؟ مضيفاً قبل 2011 كنا نوهم الآخر بأننا بلد سياحي وكانت الكهرباء والخدمات الأخرى أفضل ومع ذلك لم نكن نتمكن من رفع أعداد السياح، فما بالك اليوم في ظل واقع خدماتي غاية في السوء لا كهرباء ولا ماء ولا أدنى مقومات السياحة فأي عاقل يمكنه تصديق أن هؤلاء السياح يأتون فعلاً بغرض سياحة دينية وثقافية؟".
فرق العملة
"الدعارة" باتت أمرا عاديا بحسب رأي أحد أصحاب المحال القريبة من منطقة شارع الأمين، والمنطقة المحيطة بمقام السيدة رقية، حيث ترى هناك مئات السياح العرب من جنسيات مختلفة يقصدون المكان بحجة الزيارة وتحديداً الشبان والرجال، ولكن ما يحدث بعدها يعلمه الجميع ومن دون أي خجل، مع استغلالهم للوضع الاقتصادي وانهيار الليرة السورية، فبمبلغ 400 دولار يمكن لأي "سائح" أن يصول ويجول به في حين أن المبلغ نفسه لا يكفيه للعيش أسبوعا واحدا في بلده، ليتحول الأمر إلى سوق نخاسة، خاصةً مع انتشار ظاهرة ما يسمى بزواج المتعة من قبلهم، وهو نوع من الزواج المتعارف عليه عند العراقيين واللبنانيين، في استغلال واضح للأوضاع البائسة للفتيات، وبتشجيع من حكومة النظام، خاصةً بعد جملة التسهيلات التي قدمتها للعراقيين على وجه الخصوص، من دون أن يُعامل السوريون بالمثل.
خوف من انتشار الأمراض.
(ع. ر ) طبيب نسائية يعمل في أحد المستشفيات المتخصصة بالتوليد والنسائية، تحدث لموقع تلفزيون سوريا عن ارتفاع ملحوظ في نسب الأمراض المنقولة جنسياً، مشيراً إلى أنه نتيجة وتحصيل حاصل لما يجري من علاقات غير شرعية عشوائية ودعارة، قائلاً "الوضع هنا يشابه ما يحدث في دول جنوب شرقي آسيا التي تشرِّع السياحة الجنسية ضمن قوانين واضحة، غير أن الاختلاف بيننا وبين تلك الدول أننا هنا نخفي رأسنا في الرمل، لأننا لا نريد الاعتراف بأن الأمر بات أمراً واقعاً لا يمكن إخفاؤه مع كل أسف".
تسهيلات حكومة النظام
وكان وزير السياحة في حكومة النظام محمد رامي مارتيني قد صرح مؤخراً بأن عدد الزوار العراقيين ارتفع إلى 44 ألفاً في الشهر الأول من العام الحالي بعدما وصل العدد إلى 11 ألفاً في العام الماضي، وأرجع مارتيني سبب ارتفاع أعداد الزائرين العراقيين للبلاد إلى قرار تسهيل دخولهم الأراضي السورية، مؤكداً اهتمام حكومته بجذب العراقيين، وتقديم كل التسهيلات لهم خاصةً بعد إعلانهم عن تخفيض رسم الفيزا للعراقيين القادمين إلى البلاد لغرض السياحة أو الزيارة الدينية والعلاجية من 80 إلى 50 دولارا والإقامة لمدة شهر وبالتعليمات نفسها، حيث يتم الحصول عليها من مطار دمشق أو المنافذ البرية، الأمر الذي أكده القائم بأعمال السفارة العراقية ياسين شريف الحجيمي، في حين أعرب مارتيني عن أمله أن يكون هذا القرار بمنزلة تشجيع على قدوم العائلات العراقية للاصطياف في سوريا وليس فقط رجال الأعمال أو السياحة الدينية والثقافية، خاصةً بعد أن وصل عدد العراقيين الذين دخلوا البلاد في عيد الأضحى فقط إلى نحو 11 ألف عراقي.