icon
التغطية الحية

بذرائع تتعلق بالزلزال.. الإنقاذ تقصي مئات المهندسين عن العمل في إدلب

2023.06.18 | 06:33 دمشق

وقفة احتجاجية أمام مقر نقابة المهندسين في إدلب (تلفزيون سوريا)
وقفة احتجاجية أمام مقر نقابة المهندسين في إدلب (تلفزيون سوريا)
إدلب ـ فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

نظم عشرات المهندسين، السبت، وقفة احتجاجية أمام مقر نقابة المهندسين في إدلب، مطالبين وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ بإلغاء القرار 307 الصادر بتاريخ 22 أيار 2023.

ونص القرار 307 الذي تظاهر المهندسون ضده على استحداث وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ ما سمتها "مديرية الشؤون الهندسية" معلنة إقصاء نقابة المهندسين عن المشهد الهندسي في المحافظة، مما أوقف أكثر من 600 مهندس في النقابة عن العمل. 

وحدد القرار 307 مهام المديرية المستحدثة بالآتي:

  • تدقيق جميع المخططات الهندسية الخاصة بالمعاملات الإدارية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات وتدقيق دراسات المشاريع الهندسية في جميع قطاعات العمل.
  • منح مزاولة المهنة للكوادر الهندسية بكافة الاختصاصات. 
  • تصنيف المكاتب والشركات الهندسية ومنح الرتب الهندسية للمهندسين بمختلف اختصاصاتهم.
  • إقامة الدورات التدريبية والبرامج التأهيلية لكافة الاختصاصات الهندسية
  • تصنيف المقاولين العاملين في المناطق المحررة ومنحهم وثيقة مزاولة المهنة.
  • اعتماد الكوادر الهندسية الدارسة والمشرفة على جميع الدراسات والمشاريع المقامة في المنطقة المحررة.
القرار 307
القرار 307

كما ألغى القرار الصلاحيات الممنوحة للجهات المرتبطة بتنفيذ المهام السابقة (في إشارة ضمنية إلى نقابة المهندسين)، كما اعتبر القرار المديرية المستحدثة هي الجهة الوحيدة المخولة بتنفيذ المهام السابقة في مناطق نفوذ الإنقاذ، وطالبت الوزارة جميع المهندسين والمقاولين بالالتزام بالقرار الصادر عنها. 

اتهامات متبادلة بشأن المتسببين بانهيار الأبنية بالزلزال 

وبحسب الوزارة فإن "الزلزال الذي ضرب المنطقة أظهر بشكل جلي غياب دور المهندس في بناء المحرر وتطوير بنيته التحتية، وعدم وجود دراسات هندسية تواكب تطور الحركة العمرانية، وعدم وجود سياسة لتطوير العمل الهندسي المقدم على مستوى المشاريع المنفذة في المنطقة". 

واعتبرت الوزارة أن تشكيل "مديرية الشؤون الهندسية" يمثل وضع الأسس الصحيحة للعمل الهندسي وتلافياً لما سبق في المراحل الماضية. 

أما المهندسون العاملون في النقابة فقد اعتبروا أن الزلزال ذريعة فقط لإكمال خطط الوزارة الرامية للقضاء على النقابة وحصر العمل الهندسي في بضعة مهندسين مقربين من الإنقاذ ويعملون معها. 

وبحسب عدد من المهندسين ممن التقاهم موقع تلفزيون سوريا فإن جذور المشكلة تعود إلى العام 2018 عندما بدأت الإنقاذ محاولاتها لإخضاع النقابة، ولم تنته المشكلة أواخر عام 2020 عندما ضيقت الإنقاذ على مجلس فرع نقابة المهندسين بإدلب وأجبرته على الاستقالة ومن بعدها دهمت مقر النقابة، ونصبت فرع نقابة جديداً ونقابة مركزية موالية لها بعد انتخابات شكلية.

يتمثل دور نقابة المهندسين التي تضم ما يزيد على 600 مهندس بالإشراف على دراسة وتصديق المخططات التنظيمية للأبنية العمرانية في محافظة إدلب، ومتابعة مختلف مراحل إنشائها، والتأكد من مطابقتها للمخططات التنظيمية التي تم الترخيص لبنائها على موجبها، فضلاً عن استقطاب المهندسين الجدد وتدريبهم وتنظيمهم.

إلا أن وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ حاولت مراراً وتكراراً سحب البساط من تحت النقابة طمعاً بالعائدات المالية من المهام التي تنفذها النقابة، ففي تاريخ 26 - 08 -2018 تجاهلت الوزارة عن عمد وجود نقابة المهندسين وأصدرت قراراً بإحداث دائرة للتنظيم العمراني والدراسات، لتقوم بتقديم الخدمات الهندسية عبر المجالس المحلية التابعة للإنقاذ، بغية الحصول على العائدات المالية.

في تقرير موقع تلفزيون سوريا الذي نشر آنذاك تحت عنوان "الإنقاذ" تدهم نقابة المهندسين بإدلب.. ما سبب الخلاف بينهم؟

حذر أحد المهندسين من المخاطر المترتبة على ذلك القرار، إذ اعتبر المهندس الذي فضل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية أن تحويل الوزارة المخططات التنظيمية للأبنية إلى المجالس المحلية "خطوة لها خطورة كبيرة على مستقبل المدن من ناحية التنظيم العمراني، وعلى سلامة ساكني الأبنية التي يتم تشييدها حديثا، لكون مخططاتها ومراحل تنفيذها لا تتم عبر مهندسين مختصين وإنما عبر البلديات التابعة للحكومة، محملاً الحكومة المسؤولية الكاملة عما قد يحدث في الأبنية التي تشيّد دون دراسة ومتابعة المختصين".

وعاود المهندسون التأكيد الآن على أن العيوب الإنشائية كانت سبباً رئيسياً في انهيار كثير من الأبنية خلال الزلزال، ويعود تاريخ إنشاء كثير من الأبنية المنهارة إلى تلك الفترة التي أشرفت فيها المجالس المحلية على المخططات التنظيمية للأبنية ومراقبة تنفيذها، والتي تعطل خلالها عمل النقابة لفترة دامت قرابة العامين حتى صدور التعميم رقم 50 بتاريخ 09-12-2020 القاضي بعدم قبول أي مخطط أو دراسة هندسية غير مصدقة من نقابة المهندسين، ولا تتحمل نقابة المهندسين أي تبعات عما حصل، وكما حمل المهندسون حكومة الإنقاذ مسؤولية التراخي في ملاحقة المتسببين بانهيار الأبنية، معربين عن استغرابهم من تشكيل مديرية جديدة لتلافي ما وصفته الوزارة بأخطاء الماضي وعدم البحث عن المتسببين بتلك الأخطاء ومحاسبتهم. 

كما تحدث المهندسون بأنه ليس من صلب عمل النقابة تطبيق الإجراءات التنفيذية بحق المخالفين كأعمال الهدم للأبنية المخالفة، أو إجبار المواطنين على الترخيص، أو إجبار المقاولين على تضمين مهندسين مشرفين على المشاريع التي يعملون على تنفيذها، وأن هذا من مهام الوزارة التي كانت تتغاضى عن كثير من المخالفات مقابل دفع غرامات مالية، وذكر أحد المهندسين البناء المسمى "برج التجارة" المطل على دوار سرمدا والذي يحوي مخالفة تجاوز على حرم الطريق تقدر بعدة أمتار، وأن الإجراء القانوني بحق هذا البناء هو إزالة جزئه المتجاوز، لكن الوزارة أغلقت ملف المخالفة مقابل غرامة مالية كبيرة. 

مئات المهندسين بلا عمل 

بالعودة إلى القرار 307 فإن كثيرا من المهندسين من أعضاء النقابة اعتبروه بمنزلة إقصاء لهم من العمل الهندسي، ومصادرة لأعمال وصلاحيات النقابة، لصالح فئة محدودة لا تتجاوز 5٪ من المهندسين، وهي الفئة المحسوبة على حكومة الإنقاذ والتي تعمل بالشراكة معها.

وأجرت نقابة المهندسين استبيانا للعاملين فيها حول القرار، وشارك 619 مهندسا في الاستبيان، إذ بلغت نسبة الرفض لقرار الوزارة 94.3٪ أي 584 مهندسا رفضوا القرار بينما وافق عليه 35 مهندسا. 

لم تكتف الوزارة بإحداث نقابة توكل بمهام النقابة بل ومنحت المديرية المستحدثة صلاحيات إضافية من بينها إجراء امتحانات معيارية للمهندسين تخول الناجح فيها مواصلة عمله الهندسي ومنحه رتبة علمية، وشهادة مزاولة مهنة. 

وهو ما رفضه المهندسون واعتبروا أنه التفاف على القانون 44 لعام 2020 والمخصص لتنظيم عمل النقابات المصدّق عليه من مجلس الشورى والذي تمنع الفقرة 11 منه تشكيل أي نقابة أو اتحاد بوجود نقابة أو اتحاد قائم لأبناء المهنة الواحدة، إذ اعتبر المهندسون أن المديرية المستحدثة حلت محل النقابة من حيث المهام والوظائف مع اختلاف التسمية. 

على الرغم من الإنهاء الفعلي لدور النقابة فإن الوزارة شكلت لجنة لإعداد نظام داخلي للنقابة، وهو ما اعتبره المهندسون محاولة إشغال لهم عن القرار الذي أنهى النقابة، فضلاً عن وضع شخصيات أوقفتها الوزارة بقضايا فساد سابقاً ضمن لجنة إعداد النظام الداخلي الجديد للنقابة المسلوبة المهام. 

الأضرار لم تقتصر على المهندسين 

ولم تكتف الوزارة بالسطو على عائدات الدراسات الهندسية والإشراف الهندسي بل رفعت رسوم تلك الخدمات حتى عشرة أضعاف متذرعة بوجود كوادر مختصة مهمتها الإعداد والمتابعة والإشراف على كل مخطط تنظيمي، وهو ما بدأ ينعكس سلباً على المواطنين، من حيث ارتفاع تكاليف تراخيص البناء من نصف دولار للمتر الواحد إلى 12 دولارا بحسب ما تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي. 

أما على صعيد خريجي كليات الهندسة فإن نقل مهام نقابة المهندسين إلى المديرية المستحدثة سيحرم الخريجين من فرص التدريب وممارسة العمل، مما يشير إلى غموض ينتظر مستقبلهم في الفترة المقبلة. 

وعلى صعيد المقاولين فإن الوزارة منحت المديرية المستحدثة تحديد ملائمة أي مقاول لتنفيذ مشروع ما، وهو ما اعتبره عدد من المقاولين أيضاً تدخلاً سافراً في عملهم، ومحاولة لحصر أعمال المقاولة في شخصيات مقربة من الهيئة، تحت ذرائع ملاءمة متطلبات المديرية. 

في الختام، يرى مراقبون أن الإنقاذ لم تكتف بتفريغ النقابات مع مضمونها وسلبها استقلاليتها، وتحويلها إلى نقابات كرتونية تابعة لها،  بل تجاوزت ذلك إلى التعدي على مهامها، وتهميش المختصين من أبناء المهن، والضغط عليهم ومحاربتها بلقمة عيشهم.