ملخص:
- يتزايد توجه اللاجئين السوريين في ألمانيا نحو سوق العمل، مدفوعين بتسهيلات جديدة للحصول على الجنسية الألمانية والخوف من تصاعد اليمين المتطرف.
- نحو 75 ألف سوري حصلوا على الجنسية الألمانية العام الماضي، ويشكل السوريون 38% من اللاجئين الحاصلين على الجنسية.
- 70% من الرجال السوريين يعملون، بينما تواجه النساء تحديات أكبر في دخول سوق العمل.
- تعديلات قانون الجنسية تهدف إلى تشجيع العمل وتعزيز اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع الألماني.
في ظل تسهيلات جديدة للحصول على الجنسية الألمانية، يتزايد توجه اللاجئين السوريين في ألمانيا نحو سوق العمل، مدفوعين برغبة الاستقرار، والخوف من تصاعد نبرة اليمين المتطرف الذي يهدد بترحيل اللاجئين.
يأتي هذا التحرك في ظل تغييرات محورية طرأت على تعامل الحكومة الألمانية مع ملف اللاجئين، حيث تتقاطع رغبة السوريين في الاستقرار مع تحديات سياسية متصاعدة، ويسعون لإثبات حضورهم القوي وإسهامهم الفعّال في المجتمع الألماني، لتعزيز فرص حصولهم على الجنسية ويؤمّن لهم مستقبلاً أكثر استقرارا وأمانا.
ووفقاً لمكتب الإحصاء الألماني، فإن نحو 75 ألف سوري حصلوا على الجنسية الألمانية العام الماضي، وجاؤوا في مقدمة اللاجئين الحاصلين على الجنسية بنسبة بلغت 38 بالمئة، بزيادة نسبتها 56 بالمئة مقارنة بعام 2022.
وتشير بيانات مكتب الإحصاء الألماني إلى أن متوسط مدة الإقامة للسوريين المجنسين قبل الحصول على الجنسية لم تتجاوز 7 سنوات (6.8 سنوات).
70 بالمئة من الرجال السوريين يعملون
أفاد المفوض الاتحادي لدمج اللاجئين في سوق العمل، دانييل تيرزينباخ، بأن 70 بالمئة من اللاجئين السوريين الذكور يعملون، مشيراً إلى أن نسبة اندماج السوريين الذين وصلوا في موجة اللجوء عامي 2015 و2016 في سوق العمل تفوق المتوسط مقارنة بالمعايير الدولية.
في المقابل، يؤكد تيرزينباخ أن التحديات ما زالت قائمة فيما يتعلق بإدماج المرأة السورية في سوق العمل.
فيزر: الجنسية الألمانية لمن يعمل
ووفقاً لخبراء في شؤون الهجرة، فإن الحكومة الألمانية تبدو مصممة على جعل مسار الجنسية أكثر سهولة. وبحسب بيان نشرته وزارة الداخلية الألمانية، علقت وزيرة الداخلية الاتحادية، نانسي فيزر، على التعديل للقانون الجديد بمنح الجنسية وما تضمنه من تسهيلات بقولها: "إصلاحنا هو تعبير عن التزامنا بألمانيا حديثة.. يجب أن نمنح العمال الفرصة ليصبحوا جزءاً كاملاً من مجتمعنا في وقت قريب".
وأضافت فيزر برسالة موجهة للفئة العاطلة عن العمل، "يجب على الجميع كسب لقمة عيشهم بأنفسهم للحصول على الجنسية الألمانية".
من جهة أخرى، يقول الخبير في شؤون الهجرة، مارتن شولتز، إن "التعديلات الجديدة على قانون الجنسية ستلعب دوراً كبيراً في تخفيف حدة التوترات بين الألمان والمهاجرين"، مؤكداً أن "تشجيع العمل هو أحد أفضل السبل لمواجهة اليمين المتطرف وكسب الثقة المتبادلة"، بحسب الصحافة الألمانية.
وتعد التسهيلات الجديدة خطوة استراتيجية من الحكومة الألمانية لتعزيز اندماج السوريين، خصوصاً في سوق العمل، في بلد يستوعب المزيد من اليد العاملة، إلا أن هناك تحديات حقيقية تواجههم، منها التمييز العرقي وتزايد تهديدات اليمين المتطرف.
برلماني سابق: السوريون في صدارة المجنسين
وفي تصريح خاص لموقع "تلفزيون سوريا"، قال النائب الألماني السابق والعضو السابق في حزب الخضر، جمال قارصلي، إن السوريين الذين لجؤوا إلى ألمانيا واجهوا تحديات عديدة كانت سببا في تأخير اندماجهم نسبياً، أبرزها اختلاف الثقافة وحاجز اللغة، والعوامل النفسية.
وأضاف قارصلي، وهو من أصول سورية، أنه على الرغم من هذا الأسباب استطاع السوريون أن يكونوا مثالًا يُحتذى به في سرعة اندماجهم من خلال العمل والتعليم، ووصلوا إلى قناعة بضرورة العمل والاندماج لتحقيق الاستقرار في هذا البلد.
وتابع النائب الألماني السابق قوله "هناك شيء مهم يجب أن يُذكر، فكل الناس لديهم وطن يعودون إليه، إلا المواطن السوري الذي لم يبقَ له مأوى، لذلك أتخذ قراراً بأن يجعل من ألمانيا وطنه، وبدأ بتأسيس حياة جديدة فيها".
وعن قانون الجنسية الجديد، قال قارصلي، إن "القانون يمثل عاملاً مهماً يشجع السوريين على العمل والكسب بكرامة، ويُعد من أهم الشروط للحصول على الجنسية الألمانية التي تتيح لهم حرية التنقل، وتحفظ حقوقهم أينما كانوا".
وأكد النائب الألماني السابق، لموقع "تلفزيون سوريا"، أن السوريين هم في صدارة الحاصلين على الجنسية في السنة الأخيرة، الأمر يعد حافزا مهما ويفتح أبواباً جديدة للراغبين بالاندماج، مثل توسيع أعمالهم أو بدء مشاريعهم الخاصة، والسعي لتحقيق طموحاتهم.
وحث النائب السوريين على الاندماج السياسي أيضا في ألمانيا وليس فقط الاندماج الاقتصادي.
الجنسية تفتح آفاقاً جديدة للشباب
قال ناصر المحمد (29 عاما)، شاب سوري يقيم في مدينة كريفلد غربي ألمانيا وأحد المرشحين للحصول على الجنسية، إن تجربته كانت تحمل مفارقات بارزة في حياته، انتقل فيها من صدمة الحرب إلى الاستقرار في ألمانيا.
وأضاف، منذ وصولي في عام 2016 بقيت نحو 3 سنوات من دون عمل، أعيش على إعانة "الجوب سنتر" (مركز الدعم الحكومي)، وكان سبب تأخري في دخول سوق العمل هو المعاناة النفسية والصدمات التي حملتها معي من وطني الأم سوريا، وطالما كانت تراودني أحلام بأنني معتقل أو معلق على المشنقة.
وتابع ناصر قوله، "بعدما تجاوزت هذه المرحلة النفسية، استغرقني الأمر سنتين إضافيتين لدخول سوق العمل بسبب عدم معرفتي بالقوانين الألمانية، ولم يكن هناك من يوجهني بحكم أنني اعتبر من اللاجئين القدامى مقارنة بالموجات الأخيرة من الهجرة".
أوضح الشاب السوري أنه بدأ العمل في قطاع السينما لمدة 3 أشهر، ثم انتقل في بداية عام 2021 للعمل في شركة أحذية "ايذيكس"، حيث حصل على عقد عمل دائم، وهو ما مكنه من التقدم للحصول على الجنسية الألمانية هذا العام، وهو الآن بانتظار القرار.
واستبعد الشاب، خلال حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"، الرجوع إلى سوريا بعد حصوله على الجنسية قائلا إن ألمانيا هي وطني الثاني وقد وفرت لي الاستقرار والمأوى، لذلك أرى من الطبيعي أن أقدم لها خبرتي وشبابي. حتى بعد انتهاء الحرب في بلدي، لن أعود إلا للزيارة، ولن أذهب إلى أي بلد عربي لم يستقبلني حين كنت بحاجة إلى ملاذ آمن، على حد تعبيره.
بدورها، حنين الأبرص (23 عاما)، شابة سورية من اللاذقية وتقيم حاليا في مدينة دارمشتات غربي ألمانيا، درست الثانوية والجامعة في بلد اللجوء وتنتظر الحصول على الجنسية.
قالت حنين، منذ وصولي الى ألمانيا في 2025 لم أواجه مشكلة في الاندماج بالبداية نظراً لصغر سني، حيث تعلمت اللغة الألمانية بسرعة وحصلت على المؤهل الذي مكنني من دخول الجامعة. ورغم طموحي الكبير، واجهت صعوبة في أثناء الدراسة الجامعية بسبب جودة التعليم هنا. لكن من ناحية الاندماج في الوسط الجامعي، لم أواجه مشكلات كبيرة بسبب وجود عدد كبير من الطلبة الأجانب.
وأضافت حنين، في حديثها لموقع تلفزيون سوريا "قدمت العام الماضي طلباً للحصول على الجنسية، وأنا الآن أدرس في الجامعة وأعمل في شركة هندسية في مدينتي من خلال عقد دراسي.
وأوضحت الشابة، كان ملفي قوياً لأنني بدأت العمل منذ سن 16 عاماً، مما مكنني من إعالة نفسي وتحمل تكاليف أخرى مثل استخراج رخصة القيادة. هذا ساعدني كثيراً، وعند تقديمي للجنسية تم قبول ملفي فوراً، وأنا الآن بانتظار قرار التجنيس".
وعلّقت حنين على تصاعد أصوات اليمين بالقول، "بالتأكيد، الأمر أثر علينا بشكل ما، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة وزيادة الكراهية تجاه المسلمين حالياً في أوروبا. بالنسبة لي، لكن أعتقد أن الألمان أصبح لديهم تحفظ أكبر تجاهنا كمسلمين، وأتوقع أن يؤثر ذلك على فرص العمل في المستقبل، خاصة للمحجبات".
وأضافت، نسمع أخباراً تتحدث عن تشديد أكبر تجاه اللاجئين، خاصة من لديهم حماية وليس إقامة لجوء، وقد يصل الأمر إلى الترحيل المباشر من ألمانيا. لذلك فإن حصولي على الجنسية سيحفظ جميع حقوقي كمواطنة ألمانية تعمل وتدرس مثل أي شخص آخر، وسيفيد الدولة مستقبلًا. ومن الجانب النفسي، سأكون مرتاحة أكثر.
تهديدات اليمين المتطرف
في الوقت الذي تشهد فيه ألمانيا تحسنا في سياسات التجنيس، يرتفع صوت اليمين المتطرف بتهديدات مستمرة ضد اللاجئين. آخرها تمثل في تصريحات بعض قادة الأحزاب اليمينية بعد حادثة "زولينغن" الأخيرة، التي أودت بحياة 3 ألمان بهجوم بسكين نفذه لاجئ سوري وتبناه تنظيم "داعش".
وأطلق اليمين المتطرف وعوداً انتخابية بتطبيق إجراءات أكثر تشدداً ضد اللاجئين في حال وصولهم للسلطة.
وعقب حادثة الطعن في زولينغن، انتقدت الرئيسة المشاركة للحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا"، أليس فايدل، بشدة سياسات الهجرة الألمانية.
وطالبت فايدل بتشديد القيود على الهجرة ووصفت الوضع بأنه يعكس فشلاً في سياسات الاندماج والأمن، وفق ما ذكرته الصحيفة الألمانية دويتشه فيله.
وشدد الحزب على تحميل الحكومة مسؤولية الفشل في حماية المواطنين من تهديدات المهاجرين، مشيراً إلى ضرورة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين كحل رئيسي.
بدورها، شددت الحكومة الألمانية في أعقاب "هجوم زولينغن" على سياسة اللجوء، وفرضت حزمة التشديدات الجديدة، شملت فرض حظر على حمل السلاح وحرمان بعض من متقدمي بطلب اللجوء من المساعدات.
أعلنت وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، عن حظر حمل السلاح الأبيض في المهرجانات ووسائل النقل، وإلغاء المساعدات لطالبي اللجوء الذين لديهم بصمة في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي قبل وصولهم إلى ألمانيا.
كما أشارت إلى العمل على تسريع ترحيل المجرمين الخطرين إلى دول مثل أفغانستان وسوريا، في ظل ضغوط متزايدة على الائتلاف الحاكم قبل الانتخابات الإقليمية المقبلة.
هذا التصعيد السياسي أثار قلق السوريين ودفع كثيرين منهم للبحث عن طرق لتأمين استقرارهم في البلاد، بما في ذلك الانخراط السريع في سوق العمل لتسهيل الحصول على الجنسية الألمانية.
منذ موجة اللجوء الكبرى في عامي 2015 و2016، شكل السوريون أحد أكبر المجموعات المهاجرة في ألمانيا، ويوصلون البحث عن الأمان والاستقرار بعد هروبهم من ويلات الحرب في بلادهم.
وخلال عقد كامل وما صاحبه من تغيرات سياسية واقتصادية، تحول السوريون في ألمانيا من مجرد لاجئين إلى مشاركين فاعلين في المجتمع المضيف.
وعلى الرغم من التوترات السياسية والتحريض وتنامي الخطاب المناهض للاجئين في ألمانيا، تظهر الأرقام والبيانات أن السوريين يشكلون قصة من قصص الاندماج والتكيف مع الواقع الجديد.