بما أن التجارة في سوريا انهارت خلال السنوات الماضية، لذا فإن اعتمادها نسبياً على لبنان بوصفه شريكاً بهذا المجال زاد بشكل ملحوظ، إذ في عام 2010 كان 3% فقط من الصادرات السورية يذهب إلى لبنان، ثم ارتفعت حصة لبنان لتصل إلى 16% بحلول عام 2023، أما بالنسبة للواردات، فلم تكن الزيادة الحاصلة في حصة لبنان منها كبيرة، لكونها ارتفعت من 1.3% إلى 2.7%، ولكن في الواقع من المرجح لكلتا الحصتين أن ترتفع بشكل كبير بفضل عمليات التهريب المفرطة.
تقتصر التجارة البرية القانونية على معابر المصنع وعريضة والدبوسية، في حين تلعب عمليات الشحن البحري والجوي دوراً أقل أهمية في هذا السياق، ويعد معبر المصنع أهم معبر من تلك المعابر بما أن 58% من العمليات التجارية بين سوريا ولبنان تمت من خلاله في عام 2023، ويعود السبب الرئيس لذلك إلى موقعه الذي يجعل منه أقصر طريق يصل بيروت بدمشق. وماتزال عمليات إعادة التصدير وتجارة المرور المؤقت والتي تتم عبر المصنع ومطار رفيق الحريري وميناء بيروت وطرابلس محدودة، إذ لم تتجاوز قيمتها في عام 2023 15 مليون دولار أميركي فقط.
في الرابع من تشرين الأول عام 2024، شنت إسرائيل هجوماً على الجانب اللبناني من معبر المصنع، فخلف ذلك الهجوم تجويفاً عرضه أربعة أمتار، وهذا ما أدى إلى قطع الطريق، ثم وقع هجوم آخر في 22 تشرين الأول، ما أكد رغبة إسرائيل على قطع تلك العمليات بين البلدين. بيد أن معبر المصنع ليس المعبر الوحيد الذي خرج عن الخدمة في الوقت الراهن، لأن معبري مطربا وجوسية الحدوديين تعرضا لهجمات أيضاً، على الرغم من كونهما معبرين لا علاقة لهما بالتجارة.
نظراً للدور المحوري الذي يلعبه معبر المصنع، تسببت الغارة الإسرائيلية بتعطيل كبير للتجارة بين سوريا ولبنان، وهذا ما رفع تكاليف الشحن البري التجاري بنسبة 40%، بما أن الطرقات البديلة أطول ما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل، وزاد من نسبة الرشى على نقاط التفتيش العسكرية التابعة للنظام السوري، إلى جانب التسبب في أزمة بالمحروقات التي تستخدمها الشاحنات.
مؤشرات ودلائل
مايزال تأثير ذلك على الأسعار في السوق السورية غير مؤكد ومن الصعب عزله عن عوامل أخرى كثيرة، مثل تدفق النازحين إلى سوريا، وهذا ما أدى إلى زيادات متفاوتة للغاية في أسعار الموارد، إذ في الوقت الذي ارتفع سعر موارد معينة بنسبة تراوحت ما بين 15-30% ثمة مورد آخر زاد سعره بنسبة 35%، وقد أكدت الجمعية العامة لحماية المستهلك في سوريا على وجود زيادة بلغت نسبتها 15% في أسعار السلع المستوردة والمصنعة محلياً لكونها تعتمد على المواد الخام الآتية من لبنان.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الأرقام مجرد مؤشرات، نكتشف بأن الزيادة الهائلة في الأسعار موثقة بشكل جيد، فقد تأثرت أسعار المحروقات بشكل كبير، إذ وصل سعر البنزين في السوق السوداء السورية إلى 30 ألفاً لليتر الواحد (ما يعادل دولارين أو 8 دولارات عن كل غالون)، مقارنة بسعره في لبنان الذي يعادل 0.85 سنتاً لليتر الواحد (أي ما يصل إلى 3.40 دولارات للغالون الواحد) في لبنان. وأثرت أسعار المنتجات البترولية على كلفة سائر السلع والخدمات تقريباً، ومن المنتجات الأخرى التي شهدت زيادة في الأسعار أو أزمة اختفاء من الأسواق نذكر السجائر والفحم وتبغ النارجيلة والمشروبات الكحولية، بما أن جميعها يأتي من السوق اللبنانية.
ومن المرجح أن ضرر ذلك على لبنان أبلغ وأصعب، لأن هذا الانقطاع أضر بالصادرات اللبنانية إلى بقية الدول العربية، بما أن هذه الصادرات تمر عبر سوريا. وعلى الرغم من وجود معابر بديلة، فإن فاعليتها أقل بكثير وهذا ما سيرفع تكاليف الشحن بنسبة 10%، إذ تظهر بيانات الجمارك اللبنانية الصادرة في عام 2023 بأن 96% من الواردات إلى لبنان براً و87% من صادارته براً مرت من خلال معبر المصنع، وهذا ما يؤكد أهمية التجارة الإقليمية.
وعلى الرغم من أن السلطات اللبنانية راقبت الأضرار، لكنها لم تبدأ برأب الضرر وإصلاحه، ومن المرجح لأي عملية إصلاح وترميم أن تدفع إسرائيل لشن مزيد من الغارات، مما يجعل جهود إعادة الإعمار تضيع عبثاً في خضم حالات التوتر السياسية المتواصلة.
المصدر: Karam Shaar