قال الباحث الأميركي ومدير برامج سوريا في معهد "الشرق الأوسط"، تشارلز ليستر، إن التقرير الذي أصدرته الخارجية الأميركية عن ثروة بشار الأسد وأفراد من نظامه "لم يقترب من الواقع"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن تجاهل أرباح تجارة المخدرات عند الحديث عن ثروة نظام الأسد".
وفي مقال له، أوضح ليستر أن التقرير قدّر ثروة رجل الأعمال رامي مخلوف بأنها تتراوح بين 5 – 10 مليارات دولار، على الرغم من أن النظام استولى على أصوله الأكثر ربحاً قبل عامين، في حين قدّر التقرير ثروة عائلة الأسد بين مليار وملياري دولار.
وأكد الباحث الأميركي على أن "الفكرة القائلة بأن رجل أعمال، من أي مكانة كانت، يمتلك أصولاً مالية أكثر من عائلة الأسد مجتمعة، التي حكمت الاقتصاد السوري وتهيمن عليه لأكثر من 50 عاماً، هي فكرة غير منطقية".
وأشار ليستر إلى أن تقرير وزارة الخارجية الأميركية "بالكاد خدش السطح حول أهمية تجارة المخدرات"، مضيفاً أنه "في السنوات الأخيرة برزت سوريا كدولة مخدرات ذات أهمية إقليمية وربما عالمية، في حين أسس النظام السوري والمكونات الأساسية للأجهزة الأمنية مجمعاً صناعياً سرياً لتصنيع مخدر الأمفيتامين، المعروف باسم الكبتاغون".
وعن حجم تجارة "الكبتاغون" التي يديرها نظام الأسد، قال الباحث الأميركي إنه في العام 2020، صادرت سلطات إنفاذ القانون في جميع أرجاء العالم مالا يقل عن 3.5 مليارات دولار من مادة "الكبتاغون" المصنوعة في سوريا، وهي مخدرات تزيد قيمتها على أربعة أضعاف الصادرات القانونية لسوريا في ذلك العام.
ووفقاً لخبراء الجريمة المنظمة، فإنه من المرجع أن الحجم الحقيقي لصادرات نظام الأسد من المخدرات في العام 2020 كان على الأرجح خمسة أضعاف الكمية المضبوطة، أي ما يعادل 17.5 مليار دولار، أي ما يقارب 22 ضعف إجمالي صادرات البلاد.
أما في العام 2021، فتم الاستيلاء على ما يقارب من 6 مليارات دولار من "الكبتاغون" السوري حول العالم، مما يجعل التجارة السنوية الإجمالية تقدّر بنحو 30 مليار دولار.
وفي الأردن، حيث يصل كثير من مخدر "الكبتاغون" قبل تهريبه نحو وجهات في دول الخليج، قالت السلطات إنها ضبطت في الربع الأول من العام 2022 يفوق ما ضبطته خلال العام 2021 بكامله.
إدارة بايدن تجاهلت تجارة المخدرات
وقال الباحث الأميركي إن "إنتاج ونمو وتجارة الكبتاغون بشكل كبير في سوريا من حيث الحجم والوصول في السنوات الأخيرة يجب أن تجعلها قضية تثير قلقاً دولياً حاداً"، مشيراً إلى أن "الحجم الهائل لإنتاج النظام من المخدرات قد تم استبعاده تقريباً من تقييمات الثروة الشخصية لعائلة الأسد".
وذكر أنه بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن "يبدو أن غض الطرف هو خيار سياسي أفضل من الاضطرار إلى تحدي مصدر جديد لعدم الاستقرار ينبع من سوريا".
ولفت إلى أنه في الأردن، الذي تضرر بشدة من تهريب "الكبتاغون"، قاد الملك عبد الله الثاني، سياسة إعادة التواصل مع النظام السوري، وسط اشتباكات مميتة على حدوده الشمالية وتصاعد تجارة المخدرات، وفي الخليج العربي، حيث يبدو أن "الكبتاغون" السوري أكثر استنزافاً، سعت بعض الدول، مثل الإمارات العربية المتحدة، إلى التطبيع الكامل مع نظام بشار الأسد، ورحبت به شخصياً في دبي.
وأكد الباحث أن التحقيقات العامة ربطت صناعة "الكبتاغون" السورية بقائمة طويلة من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، بما في ذلك أفراد من عائلة الأسد، معظمهم من الساحل السوري، وكذلك في مدينتي حمص وحلب، مضيفاً أن واشنطن "فرضت عقوبات على قلة من الأسماء المدرجة في هذه القائمة، ومعظمهم لم تمسهم العقوبات".
تجارة المخدرات في سوريا "سرٌ مكشوف"
ولفت تشارلز ليستر إلى أن "النطاق الاستثنائي والآثار الأمنية لوضع سوريا الجديد كدولة مخدرات رئيسية هو سر مكشوف بين صانعي السياسة العاملين في سوريا، لكن القضية بالكاد يتم تسجيلها عندما يتعلق الأمر بصنع السياسات أو البيانات العامة".
وعن أسباب ذلك، قال الباحث إن "الاعتراف بالمشكلة من شأنه أن يخلق توقعاً سياسياً لحل يتم تطويره، ويتطلب ذلك عملاً مباشراً ومستداماً وعدوانياً ضد نظام الأسد وحزب الله (الشريك الرئيسي في تجارة الكبتاغون)، تماماً مثل داعش في الأيام الماضية".
وشدد على أن "الكبتاغون يعتبر أحد الأشياء المزعزعة للاستقرار بشكل كبير للأزمة السورية المستمرة، والتي هي في حد ذاتها نتيجة لإصرار الأسد بلا أي وسيلة على بقائه كحاكم ديكتاتوري لسوريا".
وختم مدير برامج سوريا في معهد "الشرق الأوسط" مقاله بالقول إنه "في عالم مثالي، يرغب صانعو السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط في أن تظل سوريا بعيدة عن الرادار، وأن تصبح مشكلة قائمة بذاتها لا تتطلب القلق".
وأشار تشارلز ليستر إلى أنه "طالما بقيت الأسباب الجذرية للأزمة السورية من دون معالجة، ستستمر التحديات التي تواجه الاستقرار الإقليمي والدولي"، مؤكداً على أن "تجاهل إنتاج وتهريب عشرات المليارات من الدولارات من المخدرات هو سياسة خطيرة جداً وغير أخلاقية".
لقراءة التقرير الأصلي هنا.