"كان بدي أجمع حق بيت لأسكن مع أمي وأرجع"، بهذه الكلمات تبدأ السيدة ليلى عباس محمود صالح، المنحدرة من العاصمة المصرية القاهرة، حكاية انقطاعها عن عائلتها منذ أكثر من 50 عاماً قبل أن تغادر موطنها الأصلي إلى لبنان، ومن ثم سوريا.
وعلى سرير، تحوّل إلى مسكنها الدائم في منزل عربي متواضع في مدينة حارم بريف إدلب الشمالي الغربي، بعد أن فقدت بصرها، تتأمّل السبعينية ليلى في خلوتها الملامح الأخيرة التي تذكرها من عائلتها، أمّها وأختيها، وخالها وأعمامها وجدّتها، كما تحتفظ بانطباعٍ سلبي اتّجاه زوجة خالها التي رفضت أن تقيم معها بصحبة أمّها، بعد وفاة والدها.
وفي سنّ الثامنة عشرة، غادرت ليلى العاصمة المصرية القاهرة، بحثاً عن عمل يخلّصها من حالة الفقر التي عاشتها بعد وفاة والدها، ووصلت إلى العاصمة اللبنانية بيروت، ومن ثمّ إلى مدينة زحلة، حيث التقت بالسيد أحمد رحّال المنحدر من مدينة "حارم"، والعامل في معمل للأعلاف هناك، وعادت معه إلى إدلب بعد زواجهما.
"فقر أسود"
على الرغم من احتفاظها بلكنة مصرية واضحة، تبدو السيدة ليلى قد أتقنت لهجة مدينة حارم المحليّة، تقول: "تعرّضت للتنمر بسبب لهجتي، لذلك غيّرت لساني، وصرت أحكي مثل أهل حارم".
وتزيد باللهجة المحليّة لتحكي عن معاناتها التي أودت بها إلى الغربة وهي في بداية شبابها: "كان فقر أسود، ما معنا ناكل، بعد وفاة والدي، وأمّي ضريرة".
وتضيف ليلى لموقع تلفزيون سوريا: "رفضت زوجة خالي أن أقيم مع والدتي في منزل خالي.. خرجنا إلى منزل صغير، كانت الحشرات والديدان تملؤه، ومخصصاً للفراخ، كان من الصعب أن أستمر في هذه الحالة".
وتتابع: "حين خرجت من مصر، قلت لأمي المتعلقة بي إلى حدّ كبير، إن هدفي جمع ثمن منزل لنقيم فيها سويةً بعيداً عن زوجة خالي وغيرها، وودّعتها، لكن لم أظن أنها النهاية".
عملت ليلى حين وصولها إلى لبنان سكرتيرة في عيادة طبيب، إذ إنها كانت تجيد القراءة والكتابة، وهناك تعرّفت إلى أحمد وعرض عليها الزواج، وعادا معاً إلى مسقط رأسه حارم.
"رسالة وحيدة"
تروي ليلى تفاصيل الرسالة الوحيدة التي أرسلتها لعائلتها من مستشفى نزلت فيه بعد تعرّضها لكسر في رجلها، وتقول: "حينها وصلني عيديات من عيد الفطر، جمعتها جميعها وأرسلتها لعائلتي، مع رسالة أخبرتهم فيها أني بخير، ووصلني ردّ من عائلتي تسألني فيها، متى العودة".
توضح ليلى في حديثها أنها كانت الرسالة الوحيدة والأخيرة مع عائلتها وبعدها انقطعت الأخبار تماماً.
تقول: "كان لنا محاولة مع برنامج خبّرني يا طير، قالت لي جارتي إن عائلتي ردّت لكن مع الأسف لم يكن لدينا تلفزيون ملوّن، لذلك لم أستطع الرد".
"رحلة عمل شاقة"
عملت ليلى في سن مبكرة، في عمر الرابعة عشرة، وتقول إنّ "جميع المهن التي عملت فيها كانت متعبة وشاقّة، بدأت في بيع البيض الملوّن والمحاشي وورق العنب المطبوخ لطلاب المدارس، كنت أستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً وعلى السابعة أكون على باب المدرسة، وأنا ما زلت فتاة، كما عملت في بيع الجبن والحليب".
وتضيف: "رحلة العمل الشاقة دفعتني نحو اللجوء إلى الاغتراب بحثاً عن عمل، وكانت الوجهة لبنان على اعتبار أن الدخول إليها كان بالبطاقة الشخصية، لكن ندمت جداً على ترك والدتي وحيدة في مصر".
"غصة النظر"
ينغّص على السيدة ليلى فقدانها للبصر، إذ تعتبر أن رؤية أحدٍ من أفراد عائلتها سيكون مستحيلاً ـ حتى بحال العثور عليهم ـ لكن يكفيها أن تستمع لصوت أحدهم بعد سنوات الانقطاع الطويلة.
وفي هذا السياق، تناشد السبعينية في ختام حديثها لموقع تلفزيون سوريا السلطات المصرية إلى التحرّك لمساعدتها للاطمئنان على أفراد عائلتها ومعرفة أي معلومات عنهم.
وليلى عباس محمود صالح، اسم والدتها رتيبة غانم شحادة، هي من مواليد عام 1949، في حيّ "أبو طالب" في العاصمة القاهرة، كما يرد في بطاقتها الشخصية التي تحمل رقم (55271)، وتردف: "حيّنا كان قبالة مبنى الإذاعة والتلفزيون، قرب كورنيش النيل، ويوم الخميس كنا نشاهد الفنانين شخصياً".