بعد أن كانت تمتلئ بها شوارع وأحياء وساحات وأنفاق دمشق، تراجعت بشكل ملحوظ صور رئيس النظام السوري بشار الأسد من دون أي "شوشرة"، وبات من الملاحظ لمن يجوب العاصمة أن الصور الخاصة بالأسد باتت شبه محصورة بمقار الوزارات والمؤسسات الحكومية، علماً أن الصور ليست موجودة حالياً على أغلبها، في حين قد تزداد الصور أكثر عند الخروج من محيط دمشق.
أحد أصحاب المحال في حي المزة بدمشق، أكد لموقع تلفزيون سوريا، أنه عند افتتاح محله وضع صورة كبيرة "للرئيس" أمام المحل على المنصف ذيّلها باسمه على أنها تقدمةً منه، إلا أن عناصر أمنية طلبت منه إزالتها، وعندما أصر على إبقائها، أكدوا له أن هذه التعليمات من بشار الأسد شخصياً وأنه لا يريد وضع صورٍ له في الشوارع كما كان معهوداً في السابق، على حد تعبير المصدر.
سابقاً، كانت ساحات العاصمة وشوارعها ومنصفاتها، وأمام المحال، والباصات والمواقف وغيرها من الأماكن، تمتلئ بصور بشار الأسد التي تضعها شركات كدعاية لها مذيّلة باسمها وشعارها أو بأسماء أصحاب محال أو أشخاص عاديين، ومنها صور تذيّل على أنها تقدمة من أهالي حي كامل، أي أن صور رئيس النظام كانت تستخدم سابقاً كوسيلة من وسائل الإعلانات إما لمؤسسات أو أشخاص بعينهم، وتستخدم أيضاً لدرء أي مخاطر أمنية (تمسيح جوخ) كما هو دارج بالعامية.
لماذا تراجع نشر صور بشار الأسد في الشوارع؟
اعتاد سكان العاصمة بالفعل وجودَ تلك الصور حتى باتت جزءاً من المشهد اليومي لحياتهم، لكن كثرتها دفعت الممثل السوري عباس النوري المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام، في عام 2022 عبر لقاء مع سكاي نيوز عربية، أن ينتقد كثرة تلك الصور في دمشق علناً، مطالباً أن يكون نشرها منظماً ومنضبطاً وليس بالشكل العشوائي الموجود.
في جولة على شوارع دمشق مؤخراً، تبين أنه بالفعل هناك تراجع واضح بانتشار صور الأسد، حتى بات بالكاد العثور عليها بمناطق مكتظة (لا تزال هناك بعض الصور القديمة هنا أو هناك وغالباً يصعب إزالتها، وبلغت نسبة التراجع بحسب الجولة أكثر من 80%). بينما لا تزال هناك صور على مقار حزب البعث والمفارز الأمنية ومقارها، وبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية (ليست كلها).
حاول موقع تلفزيون سوريا الوصول إلى حقيقة وجود تعميم بعدم استخدام صور بشار الأسد كما كان مباحاً في السابق، أو وجود توجيه يشير إلى عدم وضع صور "للرئيس" إلا بضوابط محددة، لكن لم يستطع الوصول إلى مصدر مسؤول يؤكد أو ينفي ذلك، إلا أن بعض أهالي دمشق وضعوا عدة تبريرات لذلك.
بعض الذين استطلع الموقع آراءهم أكدوا أن ظاهرة تراجع صور "الرئيس" بدأت مع إزالة الحواجز من قلب العاصمة العام الماضي، حيث كان التقرب من الجهات الأمنية يتم عبر هذا الأسلوب، وتستخدم هذه الطريقة أيضاً محاولة لتبييض صفحة هذا الشخص أو ذاك عندما يضع صورة كبيرة مذيّلة باسمه.
انحسار الصور ترافق مع إزالة الحواجز
كان محيط الحواجز الأمنية التي لا يبعد بعضها عن بعض إلا مئات الأمتار، ممتلئاً بالصور وترافقت إزالة تلك الحواجز جميعها تقريباً وتراجع الانتشار الأمني ومظاهر "التشبيح" من قبلهم بشكل ملحوظ في العاصمة لسبب غير معلوم، في حين انتفت الحاجة لدى السكان بوضع صور جديدة.
بعضهم الآخر يرى أن استخدام صورة "الرئيس" كإعلان لمحل أو شركة، بات غير مُجد وخاصةً مع الحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها سكان دمشق، والتي أسهمت بزيادة القاعدة الشعبية التي باتت على يقين أن ما وصلوا إليه من سوء في الوضع المعيشي هو ناجم عنه شخصياً وعن قراراته التي أدت إلى تمركز الثروة بيد القصر الجمهوري.
وبدأ النظام بإزالة الحواجز الأمنية من العاصمة دمشق منذ العام الماضي تقريباً، وترافق ذلك مع بعض التغييرات الأمنية، وتتابعت إزالة الحواجز ضمن شوارع وأحياء العاصمة حتى انحسرت تقريباً عند مداخلها ومخارجها، ومداخل ومخارج بعض البلدات مثل التضامن ومخيم اليرموك وغيرها من مناطق شهدت مناوشات سابقاً.
حتى الحواجز التي بقيت حالياً ضمن مداخل ومخارج البلدات في العاصمة لا تقوم "بتفييش" ركاب الحافلات والسيارات إلا ما ندر عندما يكون هناك طلب للسوق إلى الخدمة العسكرية، وبقي وجودها شبه صوري.
سابقاً، كانت كل منطقة وحي داخل العاصمة تقريباً معزولاً عن المناطق والأحياء الأخرى عبر أكثر من 300 حاجز تتبع لفروع أمنية مختلفة، كما أغلقت كثير من الطرق الرئيسة داخل الأحياء والمناطق بكتل إسمنتية "دشم" مع ترك فتحات ضيقة لدخول الأهالي وخروجهم سيراً على الأقدام.
يذكر أنه تحت شعار "التجديد والبناء" والانتقال لمرحلة مفصلية كما روج لها بشار الأسد عبر خطاباته، أُقيمت مؤخراً انتخابات حزب البعث في سوريا، حيث تم الحديث عن "الاستئناس الحزبي" باعتباره عملية ديمقراطية، إلا أن القيادي السابق في حزب البعث الدكتور عبد العزيز ديوب قال حينئذ لموقع تلفزيون سوريا إن"الاستئناس الحزبي في حزب البعث ليس إلا مسرحية ديمقراطية مزيفة، فقد يبدو للوهلة الأولى أن هناك نوعاً من المشاركة الشعبية داخل صفوف الحزب، حيث يتم إجراء انتخابات داخلية لاختيار المرشحين".