أعلنت معظم غرف التجارة في مناطق سيطرة نظام الأسد، عن أسماء الفائزين بانتخابات المكاتب التنفيذية ورؤساء الغرف في المحافظات، التي بدأت من غرفة تجارة حمص في 9 أيلول الماضي، وانتهت مع غرفة تجارة وصناعة طرطوس في 18 من تشرين الأول الجاري.
وصدّق وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في حكومة النظام، طلال البرازي، بـموجب قرارات أصدرها السبت الماضي على نتائج الانتخابات، حاسماً بذلك الجدل الذي أثير حول عمليات الغش والتزوير التي طالت انتخابات غرفة تجارة دمشق، والأصوات التي تطالب بدماء جديدة تدخل مجالس الغرف وكسر احتكار الأسماء التقليدية لها.
وحملت نتائج الانتخابات في عدد من الغرف رسائل عديدة، منها ما هو موجه للشارع الاقتصادي والتجاري الذي اعتاد على أسماء تتكرر منذ عقود طويلة، ورسائل أخرى وُجهت للداعمين من الخارج، روسيا وإيران، اللذين كان لهما مرشحون ظاهرون دون مواربة.
ففي الوقت الذي لم تحمل الانتخابات فيه أي جديد في بعض المحالفظات، ومنها نجاح مرشحي 3 غرف بالتزكية بسلاسة ودون انتخابات، وهي غرف تجارة الحسكة واللاذقية وريف دمشق، أظهرت نتائج الانتخابات مفاجآت غير متوقعة في محافظتي حلب ودمشق.
اقرأ أيضاً: إيران تفتتح مركزاً تجارياً لها في سوريا
اقرأ أيضاً: "الاستيراد تهريباً" النظام يحجز احتياطياً على أموال شركات أدوية
غرفة تجارة حلب: أثرياء حرب ومحدثو ثروة
حازت قائمة "الشهباء"، التي يتزعمها في الظل رجل الأعمال والنائب في مجلس الشعب التابع للنظام، والمدرج على قوائم العقوبات الأميركية، حسام قاطرجي، فوزاً كاسحاً في انتخابات غرفة تجارة حلب التي جرت في 24 أيلول الماضي، حيث حصلت القائمة على 11 مقعداً في مجلس الغرفة من أصل 12 مقعداً، وحصلت قائمة "حلب التجارية" على مقعد وحيد، في حين خرجت قائمة "طريق الحرير التجارية" بشكل كامل.
وتصدر التاجر محمد عامر حموي لائحة الفائزين بعضوية مجلس إدارة الغرفة، وتلاه بالترتيب، محمد عامر فارس حموي، ومحمد علي أبو راس، ومحمود عاصي، ومحمد فاضل قاطرجي، وعبد الله محمد أيمن بادنجكي، وسامر عبد العزيز نواي، ومحمد صالح ملاح (قائمة "حلب التجارية")، ومحمد يمان ناصر، وأيمن محمد أمين الباشا، ورفعت كمال مصطفى آل عمو، ومحمد ديب كزارة، وعلي رضا تركماني.
وبهذه النتائج تكون غرفة تجارة حلب شهدت ثمانية تغييرات من أعضاء مجلس الإدارة القديم، بينما حافظ ثلاثة أعضاء على مناصبهم وهم، عبد الله بادنجكي، وأيمن الباشا، وعلي رضا تركماني، ولم يرشح زملاؤهم السابقون أنفسهم في الانتخابات لهذه الدورة.
وتشترك الأسماء الفائزة بغرفة تجارة حلب بأنها، بمعظمها، من محدثي الثروة التي أنتجها اقتصاد الحرب، كما أن هذه الأسماء تعتبر الأكثر قرباً من دوائر النظام وقصره الجمهوري وأذرعه الأمنية، بالإضافة إلى الصلة الوثيقة لبعض أعضائها بالروس والإيرانيين.
كما استفادت القائمة من الحجم الهائل للثروة والنفوذ الذي يتمتع به عرّابها، حسام قاطرجي، والذي استخدمه في الحملة الدعائية للقائمة، والتي اشتملت على احتفالات وُصفت بـ "الأسطورية"، ولم يقتصر روادها على التجار والاقتصاديين، بل حل شيوخ العشائر وقادة الميليشيات وضباط وعناصر الفروع الأمنية ضيوفاً على موائد حفلاتها.
ويرى مراقبون، أن نتائج انتخابات غرفة تجارة حلب تبدو مطابقة للواقع الاقتصادي الحلبي، الذي شهد تغيرات جذرية منذ العام 2011، حيث برزت شخصيات جديدة في قطاع المال والأعمال من حديثي الثروة، وشكل هؤلاء تحالفات معلنة مكّنتهم من الوصول إلى زعامة مجلس إدارة الغرفة، وإقصاء مجموعة من الأسماء التي بقيت في زعامة الغرفة لعقود عديدة.
وعلى الرغم من عدم وصول محمد فاضل قاطرجي، الشقيق الأصغر لحسام قاطرجي، إلى رئاسة الغرفة، إلا أن وجود الشاب الثلاثيني في مجلس الإدارة يعتبر تمثيلاً واضحاً للعائلة لرعاية أعمالها وضمانة لحسن سير وسلوك باقي أعضاء الغرفة.
ويرى السياسي السوري المعارض، هشام سكيف أن انتخابات غرفة تجارة حلب "أوصلت مجموعة من التجار وأمراء الحرب التابعين للنظام إلى زعامة الغرفة على حساب شخصيات وعائلات حلبية عريقة في مجال التجارة والأعمال".
ويضيف سكيف، في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن "زعامة القطاعات الاقتصادية في سوريا عموماً، وفي حلب خاصة، ستكون من حصة زعماء الحرب، فهؤلاء يمتلكون علاقات أمنية واسعة داخل بنية النظام، وتمكنوا خلال فترة قياسية من بناء ثروة هائلة، أمثال القاطرجي، وبالتالي المال والنفوذ بيدهم، وهم الأقوى، في حين تبدو الشخصيات والعائلات التجارية التقليدية في وضع أضعف وغير متكيفة مع الواقع الحالي، وبالتالي تراجعها حتمي ونتيجة طبيعية"
من جهته، قال وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة"، الدكتور عبد الحكيم المصري، لموقع "تلفزيون سوريا" أن "قائمة الشهباء الفائزة بزعامة غرفة تجارة حلب تمثل اللوبي الذي أنشأه القاطرجي في القطاعات الاقتصادية الأهم، وفي حلب باعتبارها العاصمة الاقتصادية لسوريا، ويمتلك هؤلاء الحصة الأكبر من الأموال والاستثمارات بفضل الامتيازات التي منحهم إياها النظام".
وأوضح المصري أن "تمكين القاطرجي وشركاه المفترضين فيه مصلحة كبيرة للنظام، ويضمن ولاءهم واستمرار خدماتهم التي يحتاجها النظام في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى".
اقرأ أيضاً: "قائمة الشهباء" واجهة نفوذ "القاطرجي" في غرفة تجارة حلب
اقرأ أيضاً: نظام الأسد ينقل ملكيات رامي مخلوف لآخرين رغم الحجز الاحتياطي
غرفة تجارة دمشق: غش وتزوير وبيع أصوات
أما في دمشق، فقد كانت المفاجأة بخروج عدد من التجار ورجال الأعمال المحسوبين على الدائرة القريبة من النظام من السباق الانتخابي، من أبرزهم رئيس مجلس الغرفة السابق غسان القلاع، وأمين سرها محمد حمشو، ونواب رئيس المجلس عمار البردان وعرفان دركل وغيرهم.
وتعتبر هذه الأسماء من "الحرس الاقتصادي" القديم لنظام الأسد، ولطالما عُرفوا بقربهم ولعبهم دور الواجهات لكل من رأس النظام بشار الأسد وأخيه ماهر وابن عمتهم رامي مخلوف.
ويُرجع مراقبون خروج هذه الأسماء أنها محصلة طبيعية للصراع بين عائلة الأسد ورامي مخلوف، خاصة حمشو والقلاع، ويأتي ذلك في إطار محاولة النظام رفع اسم رجل الأعمال وسيم القطان، الذي لعب دوراً كبيراً في دعم اقتصاد النظام وجلوسه كواجهة للكثير من أعمال آل الآسد الاقتصادية.
والقطان يملك شركة "لاروسا للمفروشات" و"أفران هوت بيكري"، ويستثمر في مجمع "يلبغا" ومول "قاسيون"، وشغل منصب رئيس غرفة تجارة ريف دمشق في الدورة السابقة.
ويخضع قطان لعقوبات أميركية، كان آخرها في تموز الماضي، ووصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه "رجل أعمال فاسد، ومتواطئ في دعم النظام".
من جانب آخر، شهدت الانتخابات عمليات شراء وبيع أصوات، تحت مرأى ومسمع من وزارة التجارة الداخلية، المعنية بتسيير العملية الانتخابية، وللمرة الأولى يتحدث الإعلام الرسمي عن هذه التجاوزات بشكل صريح، وخروج اعتراضات التجار على الانتخابات للعلن.
وشكك 5 تجار بنتائج الانتخابات، ورفعوا كتاباً رسمياً إلى وزير التجارة الداخلية حول حدوث غش في الانتخابات، وقيام أكثر من 50 تاجراً بالانتخاب دون أن يحق لهم ذلك، وتم تسجيل عدد كبير من الناخبين لمصلحة شخص واحد.
وأكد العضو السابق في الغرفة، وأحد التجار المعترضين، فايز قسومة، أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك "وجدت عينة من الأصوات غير الصحيحة في انتخابات الغرفة، بعد أن أجرت تحقيقاً أولياً بالموضوع".
واعتبرت صحيفة "البعث" التابعة للنظام، في مقال لها بعنوان "المال قال كلمته.. تسوية مشبوهة وغير معلنة"، أن نتائج انتخابات الغرفة "أثارت سؤالين رئيسيين، يتعلق الأول بوجود توافق بين حيتان المال، الذين أصبحوا خارج الغرفة، وبين الأسماء الجديدة غير المتوقعة، والسؤال الثاني حول العبرة من تفوق تاجر مشهود له بسمعته الحسنة وأخلاقه الحميدة، على أحد أكبر حيتان المال، علماً أن الأول ليس من أصول دمشقية، وإنما من إحدى بلدات ريف دمشق".
وجاء ترتيب الفائزين بحسب عدد الأصوات في غرفة تجارة دمشق عبد الله محمد منذر نصر، وسيم أنور قطان، محمد محمود الخطاب، محمد صبحي الحلاق، زهير داود داود، محمد مازن بهاء الدين حسن، ياسر محمد كريم، محي الدين محمد الحلبي، عماد مروان القباني، محمد أبو الهدى اللحام، محمد سامر قطب، زاهر محمد شرباتي.
اقرأ أيضاً: حكومة النظام تحرم 500 تاجر من الإدلاء بأصواتهم في درعا
اقرأ أيضاً: البُعد الاقتصادي في الدستور.. "آنَ وقتُ الطحين"!
وكانت ولاية مجالس غرف التجارة السورية قد انتهت منذ كانون الأول 2018، وتم تمديدها عدة مرات، بهدف إتاحة الفرصة لأعضاء الغرف بتسجيل عمالهم بالتأمينات والذي أضحى شرطاً للمشاركة بالانتخابات.
وصدر قانون "اتحاد غرف التجارة السورية" الجديد في 20 نيسان 2020، والذي وضع مدة زمنية لإجراء انتخابات الغرف خلال 6 أشهر من تاريخ صدوره أي حتى 20 تشرين الأول 2020.
اقرأ أيضاً: القاعدة الاجتماعية لنظام الأسد تنكمش في مجلس الشعب
اقرأ أيضاً: "مخلوف سوريا الجديد" عقوبات أميركية تستهدف الدائرة القريبة للأسد