لسنوات طويلة شكلت هجرة أهالي الريف في الساحل السوري إلى المدن والاستقرار بها عنواناً دائماً للبحث عن فرص عمل أفضل، لكن الفترة الأخيرة شهدت هجرة معاكسة من المدن الرئيسية إلى الريف.
وفق العديد من المصادر التي تواصل معها موقع "تلفزيون سوريا" ساهمت الأزمة المعيشية المتفاقمة وغياب الكهرباء والغاز في عودة عشرات العائلات إلى قراها خلال الأشهر الأخيرة، نظراً للتكاليف المنخفضة في الريف عن المدينة، وارتفاع إيجارات المنازل بشكل كبير، وضعف وقلة فرص العمل.
سلّم أبو إسحاق (47) عاما منزله المستأجر في حي سكنتوري باللاذقية ومتجره الذي استأجره قبل 12 عاماً عندما استقر في المدينة وترك الريف بهدف البحث عن حال أفضل.
طوال هذه السنوات لم يفكر أبو إسحاق بالعودة وفق قوله، لكن ارتفاع الإيجارات بشكل جنوني جعل إمكانية البقاء مستحيلا بحسب قوله.
يوضح أبو إسحق أنه "أدفع للمحل والمنزل 150 ألف ليرة شهرياً، اليوم قررت العودة إلى قريتي الجنكيل (ريف الحفة) لأعمل مجدداً في الزراعة مع أبنائي فعلى الأقل لن أحتاج هنا لدفع الإيجار".
ومثل أبو إسحق ترك أحمد وهو من أهالي مدينة اللاذقية، متزوج ولديه 3 أطفال، ويعمل في محل لبيع الملابس، منزله المستأجر بسبب غلاء المعيشة، وقال في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "منذ بداية العام الحالي ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأساسية وإيجار المنازل ووصلت حدا يفوق دخلي الشهري، فقد كان إيجار المنزل الذي أستأجره منذ سنتين في أطراف مدينة اللاذقية حوالي 17 ألف ليرة سورية ومنذ عامين حتى الآن طلب صاحب المنزل رفع الإيجار حتى وصل إلى مئة ألف ليرة سورية، وهو يعادل ما أحصل عليه من المحل الذي أعمل به".
التأقلم مع الظروف الجديدة
في مقابل ذلك، تكيف العديد من المزارعين في الساحل مع الأوضاع المتأزمة منذ أكثر من عام ونصف العام، حيث أصبحوا ينتجون ما يكفي لاستهلاك أسرهم ويستعملون جزءا من الإنتاج في عمليات مقايضة للحصول على منتجات أخرى.
يقول سامي، وهو من سكان مدينة جبلة ويقيم حالياً في أرضه القريبة من المدينة، إن حياة الريف في مثل هذه الظروف أفضل، موضحاً أن عائلته باتت تستعيض عن فقدان الغاز بالطبخ على الحطب في معظم الأوقات، كما ساعدت تربية بعض الحيوانات في تأمين طعامه اليومي من الحليب والبيض ومشتقاتهما.
وأضاف في حديث لموقع تلفزيون سوريا "حتى الخبز لم يعد مشكلة لنا أشتري الطحين وتقوم زوجتي بخبزه وتأمينه على مدى أيام، والمياه عندي لا تنقطع بسبب وجود بئر قريب، الحياة هنا أسهل بكثير من المدينة".
ساهم الوضع الأمني أيضاً في الانتقال للريف من المدينة، وفي هذا الشأن يوضح عضو لجان التنسيق المحلية في مدينة جبلة، أبو يوسف جبلاوي، أن "حملات الاعتقال والتجنيد الكثيرة في المدن دفعت عدداً كبيراً من الأهالي للعودة إلى الريف والاستقرار هناك، حيث تخف الملاحقات الأمنية والحواجز".
وأضاف أبو يوسف أن "غلاء المعيشة والازدحام الكبير في المدن وارتفاع الإيجارات، بالإضافة إلى زوال العوامل الأساسية لهجرة سكان الريف إلى المدن بهدف العمل، كان من أبرز أسباب عودة الكثير من العائلات في الساحل السوري مؤخراً من المدن إلى الريف"، مشيراً إلى أن "بعض العائلات باعت منازلها في المدينة وعادت للسكن في قراها".
وحول نتائج هذه الهجرة، قال الخبير الاقتصادي، أحمد شعبان، المقيم في تركيا لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الهجرة من المدينة إلى الريف ليست سلبية، وقد تكون خطوة لعودة الآلاف من المواطنين إلى العمل الزراعي، الأمر الذي يسهم في دعم الاقتصاد".
وأوضح شعبان أن "هذه النتائج تبقى مشروطة باتخاذ حكومة النظام خطوات جادة وحقيقية لدعم واقع القطاع الزراعي والمناطق الريفية، سواء بمستلزمات الإنتاج أو التمويل اللازم:.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن "عودة العائلات للريف وهجرة المدن، مؤشر واضح على تراجع العمل الصناعي والتجارة والخدمات في مناطق النظام، الأمر الذي يؤكد على تراجع كبير في الاقتصاد وعودة الأهالي للطرق البدائية في العيش والبحث عن موارد دائمة حتى ولو كانت قليلة مثل تربية الحيوانات والعمل الزراعي".