ملخص
- تواجه النساء المحاميات في منطقة إدلب صعوبات كبيرة في مزاولة مهنتهن، بسبب عدم ثقة المجتمع بهن، وغياب الاستقرار الأمني، وصعوبة المواصلات.
- تعاني المحاميات من عدم وجود قضايا، حتى لو كانت تتعلق بالأحوال الشخصية أو المعاملات المالية البسيطة.
- تشعر العديد من المحاميات بالخجل في أثناء وجودهن في المحكمة، ويفضلن العمل في المنظمات الإنسانية بدلاً من المحاماة.
- تطالب المحاميات بمزيد من الدعم من نقابة المحامين والمجتمع المدني، حتى يتمكن من ممارسة مهنتهن بحرية ونجاح.
تواجه النساء الحاصلات على شهادات جامعية في اختصاص "الحقوق"، والمتدربات على مهنة "المحاماة" في منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة "حكومة الإنقاذ"، الواجهة المدنية لـ "هيئة تحرير الشام"، مشقةً كبيرة في مزاولة عملهن بسبب الصعوبات الاجتماعية والأمنية، إذ يتصدرن قائمة الفئات الأقل حظاً في العمل من باقي أصحاب الكفاءات الأخرى، ما جعل العديد منهن يتوجهن إلى وظائف أخرى بهدف موازنة معيشتهم في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الشمال السوري، من دون أي اعتماد على مهنتهن مصدراً للرزق.
وتؤكد العديد من المحاميات اللواتي استطلعنا رأيهن خلال إعداد هذا التقرير أن نسبة كبيرة منهن بِتن اليوم يَسبَحْنَ في فلك البطالة، بسبب عدم ثقة المجتمع بعملهن وعجزهن عن استرداد حقوقهن، ما يجعلهن يتوجهن إلى امتهان فرص أخرى كـ"عاملات" في إحدى المنظمات اﻹنسانية أو معلمات في إحدى المدارس الابتدائية في أحسن الأحوال، ما طرح علامات استفهام عدّة دعتنا للقاء عدد منهن.
انعدام الثقة
تعاني المحامية "سعاد شريف" (اسم مستعار) وهي محامية تعمل في نقابة المحامين السوريين الأحرار في إدلب، من عدم تسلّمها قضايا من الموكلين، حتى إن كانت قضية تتعلق بالأحوال الشخصية كـ"الزواج والطلاق"، أو بأبسط المعاملات كـ"تثبيت ملكية" وما شابهها (وفق قولها)، بسبب غياب الثقة التامة لدى المجتمع في إدلب، بل وفي شمالي سوريا، بالنساء المحاميات.
وتضيف خلال حديثها لـ لموقع تلفزيون سوريا أن السكان في منطقة إدلب مقتنعون تماماً أن مهنة المحاماة خُصّصت للذكور فقط، وأن المرأة في طبعها "ضعيفة" ولا تستطيع استرداد أي حق في أي معاملة قد توكل بها على الرغم من عدم تمييز المحاكم أو النقابات لأي جنس على آخر.
ونفت "سعاد" وجود أي مضايقات لها كمحامية، في محاكم إدلب ومؤسسات حكومة الإنقاذ، سواء على قضية مزاولة المهنة أو اللباس أو التفتيش، مشيرة إلى أن المحكمة تطالب المحاميات بعدم التبرج في لباسهن فقط من دون فرض أي لباس معين كـ "الخمار"، وأن الحرس الموجود على أبواب المحاكم أيضاً لا يقوم بتفتيشهن بمجرد إظهار الهوية النقابية التي تثبت أنهن محاميات، وهو قرار صدر مؤخراً، بحسب قولها، لافتةً إلى أنهن كنّ يتعرضن للتفتيش بشكل يومي.
الصعوبات
من جانبها، تؤكد المحامية "غالية الأحمد" العاملة في مدينة إدلب، أن أبرز الصعوبات التي تعيق النساء المحاميات هي أجور المواصلات والتنقل الدائم بين الداوئر والمحاكم، وغياب الاستقرار الأمني في المنطقة كـ "القصف المتكرر والمباشر للنظام السوري على المحاكم في إدلب"، لا سيما أن قضية استشهاد الزميلة "هدى حلاق" بقصف للنظام في أثناء وجودها داخل إحدى المحاكم أثرت بشكل كبير على السيدات في مزاولتهن للمهنة بسبب خوفهن.
وأشارت إلى أن مهنة المحاماة تحتاج إلى شخصية قوية وجريئة، مؤكدةً أن سر نجاح المحامية هي أن تكون "قوية وجريئة"، وخاصةً أن هذه المهنة تتلخص بالتعامل مع كافة فئات المجتمع "الجيد والسيئ".
وأوضحت "غالية" أن معظم المحاميات يشعرن بالخجل الشديد في أثناء وجودهن داخل المحكمة التي يغيب عنها العنصر النسائي، ما يجعل العديد منهن يشعرن بحرج شديد، ويدفعهن إلى هجرة المهنة والتوجه إلى العمل في منظمات إنسانية بعمل إداري وراتب ثابت، لافتةً إلى أن هذا الحرج يتركز في معظمه على المحاميات الجديدات.
وأوضحت أن العديد من المحاميات المتدربات يشعرن بالخجل أيضاً بوجودهن داخل المكتب مع الأستاذ (المدرب)، ما يدفع العديد منهن للاتفاق مع متدربة أخرى للحضور معها عند المحامي (المدرّب)، وفي الأمر ذاته في أثناء ركوبهن مع المدرب بسيارته الخاصّة.
وبيّنت خلال حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا أن محكمة إدلب تختلف عن محكمة سرمدا بما يخصّ موضوع اللباس، مشيرةً إلى أن التفتيش على أبواب المحكمة هو أشد حرصاً في سرمدا وخاصّة إذا كانت المحامية ترتدي لباساً لافتاً للنظر، على عكس محكمة إدلب التي يكون التعاون فيها أكثر من الأولى.
من السبب؟
تُلقي المحامية "سعاد" اللوم على منظمات المجتمع المدني ونقابة المحامين، بسبب تغيبها الكامل عن نشر الوعي الكافي للسكان وتشجيعهم على إقامة ورشات وتدريبات من شأنها أن تؤكد حضور المرأة قانونياً وإدارياً، وتحديداً في المحاكم وقدرتهن على استرداد المظالم، بالإضافة إلى غياب المفاهيم التي تُثبت أن المرأة هي عنصر مؤثر في المجتمعات بمختلف شرائحها وأشكالها.
ورأت أن الحل الوحيد لتعزيز وتطوير هذه المهنة بشكل فعلي لدى السيدات، هو التحرك الجاد من قبل النقابة التي تجمعهن، عبر إلزام المحامين بتوكيل المتدربات لديهم في قضايا عدّة عبر توجيه الموكلين لهن مباشرةً والإشادة بعملهن، مع مراعاة مساندة المحامي (الأستاذ) للمتدربات سراً حتى انتهاء القضية ونجاحها ومن ثم الإشادة بعملها، الأمر الذي سيُعيد ثقة المجتمع تدريجياً بعمل المرأة في هذه المهنة.
ولعلّ ما ذكرته "سعاد" يخالف ما أوضحته "غالية" التي أكّدت أن معظم القضايا التي تعمل عليها تتعلق بالرجال، مشيرةً إلى أن شخصيتها القوية وحضورها وإثبات ذاتها داخل المحاكم وإصرارها على امتهان المحاماة بحرفية، هو سر نجاح عملها.
وأوضحت أن النجاح يكمن أيضاً في تقبلها لقوانين البلاد التي تعيش فيها وتقبل آراء المجتمع المحيط، مشيرةً إلى أنه على الرغم من إلزام المحاكم للمحاميات بارتداء الخمار واللباس الطويل وتفتيشهن على الأبواب لكنها لا تراه عائقاً أمام عملها، وخاصة أن البلاد تعيش في حالة حرب وفوضى أمنية.
المنظمات أفضل من المحاماة
فتح العمل في المنظمات الإنسانية شمالي سوريا، أبوابه أمام المحاميات أكثر من المحامين مِمّا وفّر لهن فرصاً أكبر، سواء المحاميات العاملات في التوعية القانونية أو كمستشارات قانونيات أو وظائف أخرى.
تقول محامية رفضت الكشف عن اسمها لموقع تلفزيون سوريا، إن سبب تعثرها في مزاولة مهنة المحاماة في الشمال السوري، هو اقتصار عملها في أثناء مزاولتها للمهنة على قضايا الأحوال الشخصية "زواج وطلاق" ومعاملات مالية بسيطة، والذي اعتبرته لا يرقى لأن يكون مصدراً للعيش، وفق قولها.
وأضافت أنها تعمل منذ سنتين موظفةً في إحدى المنظمات الإنسانية في التوعية القانونية، وأن عملها يقتصر على تنظيم ندوات قانونية للسكان مع فريق ميداني (ذكور وإناث) من مهامه نشر مفاهيم الأحوال الشخصية.
وفضلت المحامية عملها اليوم في هذه المنظمة على مهنة المحاماة بالكامل لما يتعلق بها من مشقة للسيدات وقلة القضايا وأجورها مقارنة براتبها الثابت مع المنظمات، لافتةً إلى أن راتبها الشهري هو 550 دولارا أميركيا.
ولعلّ ما ذكرته المحامية أكّدته أيضاً أُخريات يحملن شهادة "الحقوق"، من اللواتي كشفن خلال حديثهن لـ موقع تلفزيون سوريا أن معظمهن يعملن في منظمات إنسانية ومؤسسات خاصة كـ"مستشارات قانونيات أو عاملات توعية أو مدرسات في إحدى المدارس الخاصّة لطلاب المرحلة الابتدائية".
التأسيس
وأُسِّست نقابة المحامين السوريين الأحرار في مدينة إدلب عام 2014، وينتسب إليها 835 عضواً بين محام أستاذ ومحام متدرب، بينهم 23 محامية ومنهن 3 أستاذات فقط، وبعضهن يعملن في المجال الحقوقي في المنظمات.
وتخرجت أول دفعة في جامعة إدلب/ كلية الحقوق والشريعة عام 2019، وكان عدد أفرادها 120 طالباً وطالبة.
وتعد جامعة إدلب كبرى الجامعات التابعة لمجلس التعليم العالي، وفيها نحو 14 ألفاً و600 طالبٍ، في كليات طبية وهندسية، والعلوم الأساسية، والشريعة والحقوق والاقتصاد والإدارة، وكلية الآداب، وخمسة معاهد تقنية.