لا تبدو مزاعم النظام السوري حول إعادة الحياة إلى مدينة معرة النعمان حقيقية، فالمدينة الواقعة في ريف إدلب الشرقي والتي تعتبر واحدة من كبريات مدن المحافظة تحولت منذ سيطرة قوات النظام في بداية العام 2020 إلى منطقة عسكرية مغلقة عاثت فيها الميليشيات الرديفة من كتائب البعث والفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر) والفيلق الخامس تخريباً و"تعفيشاً" طال الأملاك العامة والخاصة، وألحق الضرر البالغ بالبنية التحتية والمرافق والمساكن والأسواق.
ويضاف إلى آثار السياسة الانتقامية التي بدت مقصودة ومنظمة، الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة بسبب القصف الجوي والبري في أثناء العمليات العسكرية في العام 2019 والتي استمرت حتى مطلع العام 2020، وهو ما يجعل عودة الحياة إلى المدينة التي زعم النظام أنه فتح أبوابها لعودة النازحين مهمة مستحيلة، ويبدو أن ما يريده النظام بالفعل هو الاستثمار الإعلامي والسياسي كما فعل بباقي المناطق التي سيطر عليها بريف إدلب وما تزال غير صالحة للعيش حتى الآن في ظل الهيمنة المطلقة للميليشيات والتشكيلات العشائرية.
وبعد إعلان محافظة إدلب أواخر شهر أيلول/سبتمبر، فتح الباب لعودة النازحين، شهدت مدينة معرة النعمان منذ بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي زيارات متتالية لمسؤولين في حكومة النظام وحزب "البعث"، وأحدث الجولات في المعرة كانت لزعيم "كتائب البعث" في سوريا، باسم سودان، والذي زار في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، المقر المركزي للكتائب داخل أحياء المعرة، وتجول بين أحيائها برفقة رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في إدلب، اللواء منذر إبراهيم.
وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر الماضي تجول عضو القيادة القطرية في حزب "البعث" هلال الهلال بين أحياء المدينة، وفي اليوم التالي وصلها وفد من حكومة النظام يضم وزراء الإدارة المحلية والبيئة والأشغال العامة والإسكان والصحة والكهرباء والتربية، وشملت جولة الوفد المشفى الوطني والمركز الثقافي وضريح الشاعر أبي العلاء المعري، والمتحف الوطني وعدداً من المدارس المدمرة، ووعدوا بالعمل على ترميمها وإعادة تأهيلها دون أن يقدموا خططاً مفترضة أو فترة زمنية محددة.
وقالت مصادر متطابقة من ريف إدلب الشرقي لموقع تلفزيون سوريا إن "النظام زعم بأن 800 عائلة نازحة عادت إلى معرة النعمان منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وهي مزاعم كاذبة، فالمدنيون الذي شاركوا في الاحتفالية التي نظمها مجلس المحافظة وسط المدينة هم من أبناء المعرة المقيمين في حماة وحلب، ومعظمهم شارك في الاحتفالية وبعد انتهائها وانتهاء التصوير عادوا إلى أماكن سكنهم، ومن بقي في المعرة أعدادهم قليلة محسوبة على كتائب البعث وقوات النمر والميليشيا العشائرية التي ما تزال تحتفظ بمقارها داخل المدينة بعكس المزاعم التي تتحدث عن نقل المقار إلى خارج الأحياء".
أضافت المصادر أن "من بين العائدين إلى المدينة كان هناك عدد من العائلات المهجرة من المعرة وصلت قبل شهرين تقريباً إلى منطقة سنجار شرق إدلب قادمة من مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام بعدما قطعت العائلات ممرات التهريب المنتشرة في منطقة السكرية إلى الجنوب الشرقي من مدينة الباب بريف حلب، وعندما أعلنت محافظة إدلب فتح باب العودة حاولت العائلات دخول المدينة لكن حواجز كتائب البعث وقوات النمر (معظم عناصر الحواجز من أبناء المنطقة) منعتهم من الدخول واعتقلت عدداً من الأشخاص بتهمة الانتماء للفصائل المعارضة".
قال الناشط الصحفي زكريا قيطاز وهو من مدينة معرة النعمان، لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الحديث عن عودة الحياة إلى المعرة، وإمكانية جاهزيتها لاستقبال العائدين مزاعم مخادعة، فالأعداد القليلة التي تسكن المعرة الآن تعيش وسط غابة تحكمها الميليشيات التي بدأت حملات الاعتقال مبكراً، ففي المعرة لا وجود للمياه ولا الكهرباء ولا الأفران ولا أي نوع من الخدمات الأساسية التي يحتاجها الناس".
يضيف قيطاز "كل المرافق في المدينة مدمرة ومسروقة، فالنظام الذي سيطر على المدينة قبل عامين ونصف تقريباً وكان حينذاك أكثر من 80 بالمئة من مرافقها العامة بحالة جيدة سمح للميليشيات بتخريبها وسرقتها لتصبح مدينة أشباح، فعلى سبيل المثال إن فكرت العائلات بالعودة فهي تحتاج لمبالغ مالية كبيرة لترميم منازلها لتصبح صالحة للعيش بالحد الأدنى، فالأبواب والنوافذ وشبكات المياه والكهرباء كلها تمت سرقتها، وتحولت المنازل إلى هياكل عمرانية متهاوية بعدما فككت الميليشيات كل شيء حتى الأسقف البيتونية".
واستبعد قيطاز أن "يكون النظام جاداً بإعادة الحياة إلى المعرة والسماح للأهالي المهجرين بالعودة، وذلك على الرغم من وجود رغبة لدى الكثيرين بالعودة، وما يفعله النظام الآن هو لمجرد الدعاية والترويج لتعافي المنطقة". يضيف قيطاز "كيف يزعم النظام أنه مستعد لاستقبال المهجرين وهو ما يزال يعرض ممتلكاتهم وأراضيهم في المزادات العلنية، ويسمح للميليشيات والأجهزة الأمنية بأن تكون لها اليد الطولى في المنطقة ".
وفي سياق الحديث عن عرض أراضي المهجرين في المزادات العلنية، مدد مجلس محافظة إدلب المهلة التي منحها للراغبين باستثمار آلاف الهيكتارات في مناطق المعرة وسراقب وخان شيخون والتي تضم مئات القرى والبلدات الخالية للمرة الثالثة خلال شهرين، ويرجع التمديد المتكرر إلى رفع الأسعار التي تراوحت بين 40 و 60 ألف ليرة سورية للدونم الواحد، ووضعت المحافظة الكثير من الشروط للسماح لأقارب المهجرين باستثمار أراضي أقاربهم.
الترويج لتعافي المعرة
كثف محافظ إدلب ثائر سلهب من زياراته الميدانية إلى معرة النعمان خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتركزت جولاته على المطاعم والمنتزهات (الاستراحات والمقاهي) المنتشرة على جانبي الطريق الدولي حلب-دمشق في المنطقة الواقعة ضمن الحدود الإدارية للمنطقة.
وبحسب مصدر في مجلس المحافظة قال لموقع تلفزيون سوريا إن "ثائر سلهب اجتمع بعدد من أصحاب المنشآت التي طال الدمار معظمها بسبب القصف وتخريب الميليشيات، ومن المفترض أن تمنح المحافظة مهلة زمنية محدودة لأصحاب المنشآت كي يرمموها ويعيدوا افتتاحها، وبالنسبة للمنشآت التي فيها لاجئون ويعيش أصحابها خارج سوريا، أو معارضون يعيشون في إدلب فسيتم عرض منشآتهم بالمزاد العلني لاستثمارها وتشغيلها كما فعلت المحافظة بأراضي المهجرين، ومن المفترض أن يحصل المستثمرون بعقود طويلة على قروض تسهل عمليات إعادة الترميم، بحيث لن يكون في إمكان أصحاب المنشآت الأصليين استردادها حتى انقضاء مدة العقد ودفع تكاليف الترميم".
وبدا أن اهتمام المحافظة يرجع إلى نيتها نقل مقرها المؤقت في خان شيخون إلى مدينة المعرة التي تضم مباني ومؤسسات ضخمة يمكن استخدامها لتستوعب مكاتب المحافظة ومديرياتها الفرعية في حال أعيد ترميمها بالفعل. واستبعد رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية السورية، محمد شكيب الخالد، وهو من سراقب المجاورة للمعرة أن يكون دور سراقب هو التالي بعد المعرة كما يروج النظام، أي فتح الأبواب لعودة المهجرين، فالمدينتان الكبيرتان كلتاهما مدمرتان وقريبتان من خطوط التماس، واستبعد الخالد أن ينقل مجلس المحافظة مقره إلى المعرة، فالمدينة ما تزال في مرمى النيران، وحجم الدمار الموجود يفوق قدرة النظام على الترميم وإعادة الحياة للمدينة الاستراتيجية شرق إدلب.
يضيف الخالد خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "النظام ومنذ أن سيطر على مناطق شرق وجنوب شرقي إدلب أواخر العام 2019 وبداية العام 2020 يروج لانتعاشة المنطقة وترميم المرافق والخدمات فيها، فخان شيخون مثلاً ما تزال تفتقر لأبسط الخدمات برغم تركيز جهود المحافظة فيها باعتبارها تضم مقرها المؤقت، فما بالك بباقي القرى والبلدات في ريفها وإلى الشمال الشرقي في المعرة وسراقب وريفهما، المنطقة مدمرة بشكل شبه كامل".