يرتبط اسم المرأة المهجرة بكثير من المصاعب والمآسي، فإضافة إلى معاناة معظم النساء في تحمل مشاق التهجير وقسوة النزوح وفقد الزوج أو الولد وتحملهن للصعوبات التي تفرضها ظروف الحرب الراهنة في المنطقة، فالنساء المهجرات يفقدن أقل مقومات الأمان والراحة وانعدام خصوصية معظمهن، منذ أول ليلة لهنّ في التهجير، فالحمامات مختلطة والخيام متلاصقة والراحة معدومة.
معاناة المرأة في الخيام
"أم محمد" مهجرة من ريف معرة النعمان الشرقي تسكن وأطفالها الستة في خيمة واحدة تابعة لمخيم "الطوقاني" في بلدة كللي، وهي أم لسبعة أطفال تشكو وضع الحياة لديها حيث لا يوجد معيل بعد فقدان زوجها، ومبيتها في خيمة مع أطفالها تقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "إن السّكن في المخيم شاقّ ومتعب خاصة في غياب المعيل مما يجبرها على اختصار كثير من الأمور، فأجبِرتُ على أن أصبح الأم والأب معاً، فأنا أطبخ على النار ، الأمر المحرج بالنسبة لي لأن المخيم مختلط، ويرانا الناس ونحن ذاهبون وعائدون من دورات المياه.
وأضافت "أم محمد": "تجبرك الظروف على تغييب كثير من الأمور فأنا لا أستطيع تربية أطفالي كما يجب لعدم توافر المحيط الملائم فحال الخيام يشغلك عن دورك في الحياة ومهمتي كأم ووجود الأطفال دائماً في الخارج لصعوبة ضبطهم في هذا المحيط، وغياب عنصر الاستقرار لدينا".
وتنفي "أم محمد" وجود أي اعتداءات أو تحرشات لأن سكان المخيم الذي توجد فيه هم من أقاربها وأبناء منطقتها، ما يلغي وجود حالات التحرش لكنّ وجودها ضمن خيمة حرمها من حريتها في اللباس والعمل المنزلي وخصوصيتها التي كانت تعيشها في منزلها المبني من الحجر".
فقدان الخصوصية ليس فقط في الخيام
كثيراتٌ لا يختلف حالهنّ عن حال "أم محمد"، إذ تروي "أم يوسف" وهي مهجرة من مدينة حمص وتقيم في منطقة "الدانا" في ريف إدلب، فهي لم تتقبل وضع النزوح لانعدام أبسط حقوقها في الخصوصية المقيدة، تقول: إنه "في بادئ الأمر كانت الحياة في النزوح أشبه بالجحيم الذي لا يطاق لا تستطيع حتى النوم فقد أُرغمنا على السّكن أنا وعائلتي وعائلة زوجي وإخوته في منزلٍ واحد نظراً لضيق الحال وغلاء الإيجارات.
تتابع "أم يوسف": "لا أستطيع أنا ألبس أو أجلس أو حتى أخرج كما أريد فالمنزل واحد والمطبخ مشترك أيضاً والحمام، فكان الأمر بالنسبة لي خانقا، ولكن مع الوقت بدأت أتعود وأتقبل وجودنا جميعا في منزل واحد، رغم التعب النفسي، فأمر العودة صعب والانعزال في منزل لعائلتي غير محتمل حالياً".
دور الاختصاصيين النفسيين
متى أصبحت المرأة مشرّدة انعكست سلباً على حياتها، وزادت صدمة تجربتها النفسية، نتيجة النزاع والاستغلال، والتهجير من منازلهن لتحل الخيمة مكانه، مما جعلها عرضة للاعتداءات والتحرش وفقدان الخصوصية التي كانت تفرضها البيوت.
تعمل المنظمات في المنطقة على توعية النساء في كيفية تفادي وقوعهن عرضة للاستغلال وكيفية حمايتهن بالطرق الصحيحة، وتفيد المرشدة النفسية "خيرية القطيش" العاملة في المجال النفسي في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا: بأن "أكثر ما تعانيه النساء في المخيمات هي حالات (GBV) بكل أشكاله سواء اغتصاب أو اعتداء أو إساءة نفسية وجسدية، إضافة إلى فقدها خصوصيتها في الملبس والعمل وتربية أطفالها".
تضيف "القطيش": "إن أبسط خصوصية لدى النساء معدومة كأبسط مثال الحمامات والإحراج الذي تتعرض له، مما يؤثر على راحتها النفسية والجسدية، والنظافة الشخيصة المتراجعة بسبب عدم توفر البيئة الملائمة، وعدم وجود الراحة الذي ينعكس سلباً على تفاعلها مع زوجها وأطفالها والمجتمع المحيط بها، فرغم لجوء كثير من العائلات إلى وضع حواجز حول خيامهم وجعل ضوابط لاكتساب بعض الخصوصية، فإن طابع المخيم وعشوائية الحياة حال دون ذلك".
التوعية للجنسين
تتابع "خيرية": "نحن نقوم بجلسات توعوية للنساء لتعريفهن كيف يتعاملن مع المواقف المحرجة، أو أي اعتداء، أو تحرش، أو أي نوع من أنواع الإساءة، لنزيد رصيد الوقاية وأخذ الاحتياطات، كما نساهم في مراكز تمكين المرأة بتغذية ثقافتها وتعميق مفاهيم التعامل السليم مع المحيط، لتشكل درعاً واقياً لتواجه الصعوبات التي يمكن أن تتعرض لها.
وتشدد "القطيش" على دور الرجل في التخفيف من الضغوط والمشاق التي تواجه المرأة، فتقول: "نقدّم جلسات للرجال لشرح عملية التعامل مع المرأة ونشرح لهم الجهد المبذول الذي تقوم به في الظروف الصعبة، ونحاول توعية الرجال لوجود جلسات نقاش مع عوائلهم الأمر الذي يحسن التفريغ الانفعالي لدى المرأة".
تنهي "القطيش" حديثها بأن "التطور والاهتمام الذي طرأ على المخيمات في الآونة الأخيرة ملموس وأن المنظمات الإنسانية ساهمت بشكل فعلي بتزويد المهجرين بالخدمات والحدّ من التجاوزات والاستغلال بوضع ضوابط ورقابة، كما قدمت مراكز لتمكين المرأة من أجل زيادة توعيتهن وتعليمهن مهنة يدخلن من خلالها سوق العمل، لكي لا تتعرض للاستغلال من أجل الحاجة".