يخبرنا علاء الدين الذي يقيم في مركز احتجاز بجنوبي إنكلترا بأنه خاطر بحياته ليقطع آلاف الكيلومترات من بلده سوريا، حتى لا يخضع للتجنيد الإجباري في جيش بشار الأسد.
بيد أن هذا الشاب البالغ من العمر اليوم 21 عاماً يبذل كل ما بوسعه اليوم حتى يبقى في بريطانيا ويتفادى الترحيل إلى مكان آخر في العالم، حيث ستكون الوجهة هذه المرة إلى رواندا بما أن الحكومة البريطانية عازمة على إرسال المهاجرين الذين يصلونها بطريقة غير شرعية إلى هناك.
ويخبرنا هذا الشاب عن رأيه فيما يجري عبر الهاتف بوساطة مترجم فوري، بعدما رفض الكشف عن اسمه الكامل نظراً لأن طلب اللجوء الذي قدمه يخضع للدراسة حالياً، فيقول: "إنها نهاية العالم بالنسبة لي، لا يمكنني أن أتخيل ذلك".
يعتبر علاء الدين مهاجراً من بين 130 مهاجرا آخرين تم استخراج بطاقة طيران لهم حتى يسافروا إلى رواندا، وبعد ذلك تركوا ليعيشوا في تلك المتاهة التي تدور حول القانون، ضمن مساعي الحكومة البريطانية لضبط حدودها وللتعامل مع متطلبات الهجرة التي يقترحها الناخبون بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وهو أيضاً من بين 20 ألف مهاجر قطعوا تلك الرحلة الخطرة بين فرنسا وبريطانيا خلال هذا العام على متن قوارب صغيرة عبروا بها القناة الإنكليزية التي تعتبر أكثر القنوات ازدحاماً بالسفن على مستوى العالم.
هذا ويخضع وضع المهاجرين من أمثال علاء الدين لطعن قانوني في المحكمة العليا بلندن وذلك في مطلع شهر أيلول المقبل، حيث ستناقش منظمات حقوقية ونقابة مهنية خطة رواندا التي تعتبر غير ناجحة وغير أخلاقية.
يذكر أن حكومات دول العالم تبذل جهوداً مضنية للتعامل مع موجة اللجوء القادمة من الدول التي مزقتها الحرب أو بسبب الاضطهاد الذي عاشه المهاجرون في أوطانهم، وتعتبر بريطانيا آخر دولة تحاول أن تبحث عن مصادر خارجية لتعيد توطين طالبي اللجوء لديها.
فقد سبقتها بذلك أستراليا عندما خرجت بتلك الفكرة الرائدة، كما أن حكومات الدول الأوروبية أخذت خلال السنوات الأخيرة تدفع أموالاً لدول مثل ليبيا لمنع تدفق المهاجرين إليها. أما الدنمارك فقد وقعت اتفاقية مماثلة لترحيل المهاجرين إلى رواندا، إلا أنها لم ترسل أياً منهم بعد.
تصور بريطانيا سياستها على أنها إنسانية، وتدعي بأنها ستخرب تجارة تهريب البشر وستنهي حالة الطوارئ بعد وفاة ما لا يقل عن 166 شخصا أو تحولهم لمفقودين، حيث غرق 27 منهم في أسوأ حادثة وقعت حتى الآن خلال شهر تشرين الثاني الماضي.
إلا أن تلك السياسة استقطبت انتقادات واسعة، بدأت بالنواب من مختلف الأطياف والانقسامات السياسية، ووصلت إلى الأمم المتحدة، بل إنها لم تسلم من انتقادات ولي العهد الأمير تشارلز، في حين أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارات تقضي بإلغاء أول رحلة جوية تحمل من طالتهم خطة الترحيل، وذلك قبيل ساعات من موعد إقلاعها في شهر حزيران الماضي، فتقلصت تلك السياسة بعدما تصدت لها أطراف كثيرة.
اقرأ أيضا: أين سترسو سفينة المجانين؟
بيد أن رواندا لم تخصص حتى الآن سوى نزل واحد يتسع لمئة شخص وذلك لاستقبال الواصلين من المملكة المتحدة، حيث يمثل ذلك العدد 0.35% من العدد الإجمالي للمهاجرين الذين وصلوا إلى بريطانيا خلال العام الماضي.
وقد ذكر أحد المسؤولين البريطانيين بأن الحكومة دخلت في محادثات لتأمين ثلاثة أو أربعة مقار أخرى للسكن المخصص للمرحلين في كيغالي، إلا أن كل تلك المقار لن تتسع إلا لنحو 1.6% من مجموع الواصلين خلال السنة الماضية.
وخلال زيارة إلى رواندا لحضور اجتماع قادة الكومنولث في شهر حزيران الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني المستقيل من منصبه، بوريس جونسون: "لن أدعي بأن خطة رواندا ستكون بمنزلة عصا سحرية بمفردها، ولكني أرى أنها ستغير الأمور كثيراً".
لا إنسانية وغير مكلفة ولا ناجحة
في هذه الأثناء، يواصل طالبو اللجوء القدوم إلى المملكة المتحدة، حيث وصل نحو 696 شخصاً في الأول من آب، ولهذا ورد في تقرير صادر خلال الشهر الماضي عن لجنة الداخلية التابعة للبرلمان والتي تضم سائر الأحزاب بأنه لا يوجد دليل يثبت بأن خطة رواندا تمنع وصول طالبي اللجوء، وذلك لأن أعدادهم ارتفعت خلال السنوات الأخيرة الماضية.
إذ في عام 2021، تم اكتشاف 28.526 شخصا في أثناء محاولتهم الوصول إلى بريطانيا على متن قوارب صغيرة، ويحتل القادمون من إيران أعلى نسبة بين هؤلاء المهاجرين، ويأتي بعدها العراق، ثم أريتريا فسوريا، أي أن عدد المهاجرين ارتفع من 8.466 في عام 2020، و 1843 في عام 2019، و 299 في عام 2018، مما يزيد من الكلفة السنوية المترتبة على إدارة وتشغيل نظام اللجوء في بريطانيا، لتصل إلى 1.5 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 1.83 مليار دولار).
ولهذا أعلن جونسون بأن مسؤولي بلاده ذكروا في مطلع هذا العام بأن أعداد طالبي اللجوء الذين سيصلون إلى بريطانيا خلال هذه السنة قد تصل إلى رقم قياسي يعادل 60 ألف شخص.
كما تعهد المرشحان اللذان سيخلفان جونسون في منصبه بمواصلة العمل بسياسة رواندا، إذ وعدت المرشحة الأوفر حظاً، وهي وزيرة الخارجية ليز تروس بتوسيع تلك الخطة لتشمل المزيد من الدول، كما وصف الناطق الرسمي باسم حكومة المملكة المتحدة الوضع بأنه "غير مقبول"، وأكد بأن هذه الاستراتيجية مطلوبة لمنع الناس من "قطع تلك الرحلات الخطرة وغير الضرورية أو القانونية".
فيما أعلنت بريطانيا بأن 90% من طالبي اللجوء الذين يصلون عبر تلك الرحلة هم من فئة الرجال، وأغلبهم أتوا لأسباب اقتصادية أي أنهم ليسوا بلاجئين حقيقيين.
"تعال كضيف وغادر كصديق"
في نزل الأمل المقام بكيغالي، ثمة لافتة للترحيب بالقادمين الجدد كتب عليها: "تعال كضيف وغادر كصديق".
يقول إليسي كاليانغو عن النزل الذي يديره والذي يقع على مرتفع في أطراف المدينة: "سيشعر الناس هنا بالراحة كما ترون" ولهذا علق عبارات عديدة ضمن ذلك النزل كتبت باللغة الإنكليزية والعربية والفارسية والألبانية.
تم توظيف نحو عشرين شخصا للمحافظة على نظافة الغرف، وتشذيب الأعشاب، وترتيب المرافق، على الرغم من عدم وجود أي ضيف في ذلك المكان، إذ تقضي الخطة بأن يمضي المرحلون تسعة أشهر في هذا النزل، يحصلون خلالها على راتب يعادل 90 جُنيهاً إسترلينياً، وفي تلك الأثناء تتم دراسة ملفاتهم وطلبات اللجوء التي تقدموا بها قبل أن ينتقلوا لمقر إقامة دائم في رواندا، والهدف من هذه الخطة منع الناس من أمثال علاء الدين من قطع تلك الرحلة الخطرة للوصول إلى بريطانيا وكذلك للقضاء على عمليات تهريب البشر.
يخبرنا علاء الدين الذي لديه خمسة أشقاء وشقيقتان بأنه لم يسمع عن خطة رواندا قبل مجيئه، فقد كان فلاحاً، ثم تعين عليه أن يهرب من التجنيد الإجباري في الجيش السوري، بيد أنه تعرض للخطف والتعذيب طوال أربعة أشهر في ليبيا إلى أن دفعت أسرته فدية مقابل إطلاق سراحه، وبعد ذلك توجه إلى طرابلس حيث يقيم أحد أولاد عمه، ولكن خشيته من التعرض للخطف من جديد، دفعته للسفر إلى بريطانيا حيث يقيم بعض أقاربه، وذلك عبر رحلة بالقارب امتدت لخمسة أيام حتى وصل إلى إيطاليا، وبعدها استقل القطار ليصل إلى فرنسا.
وعندما سئل عن عدم تقديمه لطلب لجوء في فرنسا، ذلك السؤال الذي ما برح مؤيدو خطة رواندا بطرحه على هؤلاء الناس، رد بالقول بأنه كان يعرف بأنهم لن يعاملوه بإنصاف هناك، حيث قال: "ليس لدي أهل هناك ليدعمونني، وذلك لأن جميع أقاربي في المهجر، وكل حقوق الإنسان موجودة في بريطانيا... ولهذا أتيت إليها".
في ميناء كاليه الواقع شمالي فرنسا، ذكر علاء الدين بأن أسرته دفعت لأحد مهربي البشر، لكنه لا يعرف المبلغ بالضبط، وهكذا قام برحلة امتدت سبع ساعات برفقة 18 مهاجرا آخر على متن قارب صغير في أواسط شهر أيار الفائت، وذلك بعد أن تراجع أغلب المهاجرين عن الصعود على متن ذلك القارب، خوفاً من الغرق.
ولدى وصوله إلى بريطانيا، تم نقله إلى مقر لتجميع المهاجرين بعد ذلك نقل إلى مركز احتجاز، وهناك تم استصدار بطاقة طيران له حتى يسافر إلى رواندا، إلا أن محاميه تمكنوا من إلغاء ذلك القرار، وعن ذلك يقول: "أحس بأنهم يعاملونني وكأنني مجرم، لكني لست كذلك، فكل ما أريده هو أن أستقر وأن أؤسس لحياة جديدة".
وعندما سئل عما بوسعه فعله إن تم نقله إلى رواندا، أجاب بالقول: "لست أدري لأن حياتي ستنتهي عندئذ".
المصدر: تايمز لايف