مع بداية الشهر الحالي بدأ مزارعو الفستق الحلبي في ريفي حماة وإدلب جني محصولهم هذا العام، وسط مخاطر كبيرة تهدد حياتهم بسبب قصف قوات النظام المستمر للمنطقة، وتوقعات بتراجع الإنتاج عن الأعوام السابقة بسبب انتشار الأمراض.
ويشكل موسم الفستق الحلبي مصدراً رئيسيا لدخل الأهالي لاسيما في مناطق مثل مورك وكفرزيتا واللطامنة والزكاة ولطمين في ريف حماه الشمالي، وخان شيخون والتمانعة وسكيك في إدلب.
وتسبب القصف المتواصل لقوات النظام على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي باحتراق مئات الدونمات الزراعية وتحويلها إلى رماد بالكامل ما أدى لخسائر كبيرة قدرت بملايين الليرات.
خسائر
وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا قال المهندس الزراعي في مدينة مورك فواز الدالي إنّ "مساحة الأراضي المتضررة هذا العام جراء القصف المتعمد من قوات النظام قدّرت بأكثر من 5000 دونم"، مشيراً إلى أنّ "إنتاج الدونم الواحد منها يقدر بقرابة 100 ألف ليرة".
وأوضح الدالي أنّ "معظم الأشجار المدّمرة معمّرة يصل عمر بعضها إلى 40 عاما، وهي خسائر كبيرة لا يمكن تعويضها كون شجرة الفستق تحتاج إلى عناية ورعاية لمدة تستمر قرابة 10 أعوام قبل أن تنتج، ويحتاج كل دونم من الأرض لمصاريف سنوية تصل لـ 70 ألف ليرة".
ورأى المهندس الزراعي أنّ مستقبل زراعة الفستق الحلبي في المنطقة يسير إلى الانحدار، مشيراً إلى أنّ" الموسم الحالي هو الأسوأ الذي يمر على مزارعي المنطقة منذ سنوات طويلة، والإنتاج لا يتوقع أن يغطي حتى التكاليف التي تكبدها المزارعون طيلة العام الفائت".
على تخوم أرضه في مدينة خان شيخون بإدلب وتحت أغصان أشجار الفستق الحلبي التي يقارب عمرها عمر أبنائه ينتظر أبو هشام غروب الشمس هربا من القصف المستمر لقوات النظام على أمل أن يجني ما تبقى من محصوله الذي قطع من أجله رحلة طويلة شاقة من مخيم أطمة.
لم يستطع الرجل الأربعيني كما هي العادة في كل موسم أن يؤمن ورشات قطاف للفستق هذا العام، بسبب نزوح معظم الأهالي عن المنطقة، والتكاليف المادية الكبيرة التي يطلبها البعض بسبب خطورة الوضع.
ويشير أبو هشام إلى أن جزءا كبيرا من محصول هذا العام ربما لن يجنى لأنّ معظم المزارعين باتوا عاجزين عن الوصول إلى أراضيهم في أرياف حماة وريف إدلب بسبب قربها واستهدافها المتواصل من حواجز جيش النظام .
الأمراض
من جهة أخرى ساهم تدهور الوضع الأمني في المنطقة ونزوح الأهالي المتكرر وضعف الدخل المادي للاهتمام بالموسم إلى انتشار واسع للأمراض هذا العام، وتدني نسبة حمل الشجرة للثمار، وفق ما أكده محمد الخالد وهو مزارع من مدينة مورك.
وقال الخالد في حديثه الخاص لموقع تلفزيون سوريا إنّ "أخطر الأمراض المنتشرة حاليا بحقول الفستق الحلبي هو (الزيات) وهو داء خطير يهدد حمل السنة القادمة إن لم تتم معالجته بالمبيدات الكيماوية".
ومرض الزيات كما يوضح الخالد منتشر بشكل ملحوظ في مدينة مورك، والحقول المجاورة في المنطقة. وتأتي صعوبة معالجته من ناحيتين:" أولاهما استهداف النظام لأي جسم متحرك في الحقول من خلال طائرات الاستطلاع، والثاني بسبب نقص الكوادر الزراعية المختصة بالإضافة لنقص وغلاء أسعار المبيدات المتوفرة".
ويقدر الخالد نسبة الضرر بالحشرات والأمراض هذا العام بنحو 60 إلى 70%. مشيراً في الوقت ذاته لانتشار أمراض أخرى مثل "الكابنودس"،" البسيلا" وحشرة الثاقبة وهي التي تحفر داخل الغصون الفتية للشجرة وتأكل الحمل الذي من المفروض أن يتحول إلى ثمرة.
ارتفاع التكاليف
يمتلك عبد الله سطيفي وهو أحد سكان بلدة التمانعة ما يقرب من 20 دونما مزروعة بالفستق الحلبي يشكل موسمها المصدر الرئيسي لدخله، لكن هذا العام لا يتوقع أن يغطي المحصول ربع التكاليف وفق قوله.
ويوضح سطيفي حديثه بالقول:" قبل سنوات كان إنتاج الدونم الواحد يصل إلى 50 كيلو غراما من الفستق والتكاليف لا تتعدى 10 آلاف ليرة للدونم، لكن خلال الأعوام الماضية زادت التكاليف بشكل كبير وأصبحت لا تقل عن 90 ألفاً للدونم بينما الإنتاج الحقيقي للدونم الواحد تراجع بمقدار النصف بسبب القصف والحرق والأمراض ".
وإضافة إلى الواقع الصعب الذي تمر به زراعة الفستق الحلبي في الشمال السوري تتجلى صعوبات أخرى بوجه المزارعين تتعلق بتصريف المحصول بأسعار مناسبة.
ووفق أبو زياد وهو أحد تجار الفستق في ريف حماة ويعمل في مجال التصدير منذ سنوات، فإنّ" أسعار السوق المحلي منخفضة ولا تلبي التكاليف، وهو أمر طبيعي بسبب الوضع الاقتصادي السيئ للأهالي، بينما نجد صعوبة كبيرة في التصدير الخارجي".
ويوضح أبو زياد أنّ "تركيا تمنع استيراد الفستق السوري لأنها دولة مصدرة له، والحل الوحيد هو نقله عبر مناطق النظام وهو حل مكلف لأننا نضطر لدفع "إتاوات" عالية للحواجز هذا عدا عن مخاطر الاستيلاء على البضائع، لهذا السبب ما زال بعض المزارعين يحتفظون بمحصولهم منذ الموسم الماضي".
وكانت سوريا صنّفت كرابع دولة في العالم بإنتاج الفستق الحلبي في العام عام 2010، ووصلت مساحة الأراضي المزروعة حينها بالفستق إلى نحو 60 ألف هكتار، معظمها في محافظات حلب وحماة وإدلب.