ما إن تدخل إلى سوق الحميدية في دمشق، تتعالى الأصوات التي تحاول أن تجذب المارة لشراء المشرقيات أو المصنوعات الخزفية واليدوية والنحاسيات والسيوف إلى جانب الأقمشة والملابس.
ورغم أن التجار يحاولون جذب الناس، إلا أن صعوبة الحياة في سوريا، في ظل الظروف الاقتصادية المريرة التي يعيشون فيها في ظل الأزمات الاقتصادية المتنامية، تجعل كل المنتجات الحرفية الدمشقية التقليدية أكثر من كماليات بل يمكن إطلاق تعبير "كماليات الكماليات" عليها باعتبار أن أسعارها تفوق قدرة أي موظف على شرائها.
وقبل عام 2011 كانت هذه الصناعات موجهة في الأساس إلى السياح الأجانب والعرب الذين يزورون دمشق أكثر بكثير من السكان المحليين، إلا أن الحرب التي قادها النظام السوري أوقفت حركة السياحة إلى أدنى مستوياتها ما أدى إلى تعطل هذه الصناعات بشكل كبير.
عزوف كبير والأسعار بالملايين
وخلال العقد الماضي واجهت الكثير من الحرف اليدوية في سوريا مخاطر الاندثار في ظل نقص العاملين وصعوبة تأمين المواد الأولية، وبالطبع غلاء الأسعار وغياب السياح، إلا أن الكثير من صناعها حاولوا البقاء رغم كل الظروف التي واجهت البلاد لأنها "تراث عائلي" إلى حد كبير يجب الحفاظ عليه، بحسب ما قال محمد عربيني.
وأضاف عربيني (73 عاماً) في حديث مع "تلفزيون سوريا"، أن هذه المهنة التي كانت تدر علينا دخلاً كبيراً باتت منذ سنوات عبئاً ثقيلاً، فهي إرث من الأجداد، وكنا نود توريثها لأبنائنا إلا أنهم خرجوا من سوريا وغالباً لن نراهم".
وأشار إلى أن هناك عزوفا كبيرا عن شراء الأعمال اليدوية من خزف وخشبيات وموزاييك ونحاسيات وأقمشة، فالأسعار تبدأ من مئات آلاف الليرات السورية وتنتهي بعشرات الملايين بحسب المنتج وجودته ومدة صناعته.
وقال عربيني إن "السيوف المطلية بماء الذهب أو الفضة تبدأ أسعار من مليون ليرة سورية للأحجام الصغيرة وصولاً إلى 6 أو 7 ملايين ليرة للسيوف المنقوشة من الداخل والخارج".
وأكمل أن الخناجر المصنوعة يدوياً تبدأ من نصف مليون ليرة سورية، وبالطبع تزيد أيضاً بحسب الأحجار الكريمة التي ترصع فيها والنقوش اليدوية التي عليها.
ولفت إلى أن هذه المصنوعات الجميلة والتراثية والتي كانت دمشق مركزا أساسيا في الشرق الأوسط لبيعها، ضعفت اليوم وتكاد تندثر لولا هؤلاء الحرفيون الذين آثروا البقاء رغم كل شيء للحفاظ عليها.
أصالة مرتفعة الثمن
"في دمشق أو حلب تجد شرقيات ليس لها مثيل في أي مكان في العالم، حيث تمتاز بجودتها وأصالتها وحرفية عالية، فالقطعة لا تخرج من المشغل إلا على شكل تحفة فنية وليست صندوقا خشبيا"، بحسب عمر الباشا.
وقال الباشا (65 عاماً) لموقع "تلفزيون سوريا" إن صناعة الموزاييك والبروكار والأغباني والسيوف وكل ما يتصل بالشرقيات أصيل في سوريا، ولعله لم يأخذ حقه من الترويج الكافي، رغم أن سوريا شهدت ازدهاراً جيداً في خمسينيات القرن الماضي بمرحلة الاستقلال.
وأضاف الباشا الذي يعمل في هذه الحرفة منذ طفولته إلى جانب والده وجده، أن "البيع قليل جداً، بسبب غلاء الأسعار، وتغير الاحتياجات لدى الناس، يعني كيف تريد من العائلة التي لا تجد ثمن الوجبة اليومية أن تشتري تحفاً وصمديات وموزاييك".
ولفت إلى أن أسعار صناديق المجوهرات الصغيرة تبدأ من 25 ألف ليرة وتزيد إلى 50 ألف ليرة، وهذه بصراحة مطلوبة داخل سوريا أكثر من غيرها باعتبارها تدخل في جهاز العروس قبل الزفاف.
وأكمل أن الصناديق الأكبر حجماً المصنوعة من أخشاب عادية خفيفة من دون صدف حفر آلات تبدأ بـ 100 ليرة سورية وتزيد بحسب الحجم والنقوش، في حين تبدأ أسعار الصناديق المصنوعة من خشب التوت أو الورد من 450 ألف ليرة، وتصل إلى مليون ليرة إن كانت مصنوعة من خشب جوز وتزيد بحال كان هناك صدف وحفر يدوي.
وأشار إلى أن دمشق مشهورة بصناعة المرايا المزخرفة أيضاً، وحالياً لا يوجد لدينا سوى مرايا كبيرة الحجم وإطاراتها مصنوعة من خشب الزان والجوز لذلك تبدأ أسعارها من 450 ألف ليرة وتصل إلى مليونين ليرة.
وقبل 13 سنة كانت بيوت المصاحف قد ازدهرت صناعتها في سوريا، ولكن لم تأخذ المساحة المطلوبة خلال العقد الماضي، حيث كنت أتوقع أن تزدهر بشكل أكبر ويخرج الحرفيون السوريون بأنواع وأشكال جديدة، وفق الباشا.
وتبدأ أسعار بيوت المصاحف من 150 ألف ليرة وصولاً إلى 500 ألف ليرة، بحسب أحجامها ونوعية الخشب والحفر اليدوي أو الآلات، وإضافة أحجار كريمة أو صدف إليها، مع القماش المستخدم وثمن المصحف الشريف ونوعية ورقه.
بروكار وأغباني
وتصنع في دمشق وحلب أقمشة وألبسة تقليدية قد لا تجد لها مثيلاً في أي مكان آخر، خصوصاً أن قسما كبيرا منها ما زال يُصنع يدوياً، في الوقت الذي لا يجد صناع وتجار هذه الأقمشة سبيلاً لبيع منسوجاتهم كالسابق، في ظل انخفاض الطلب والتصدير إلى أدنى مستوى.
وقال ضياء حواس، لموقع "تلفزيون سوريا" إن أقمشة البروكار والأغباني والمناشف والبشاكير التي نصنعها ذات نوعية ممتازة، وهي فعلياً منتجات سياحية لأنها نخب أول.
وأضاف حواس أن أسعار أقمشة الأغباني التي تستخدم كأغطية للطاولات تبدأ من 150 ألف ليرة سورية للمتر ويصل إلى 300 ألف ليرة، ويوجد ملاءات (عباءات) رجالية ونسائية تبدأ من 150 ألف ليرة سورية للواحدة.
ولفت إلى أن قماش البروكار الدمشقي يسعر بالدولار ولكن نقبض من المشتري بالليرة السورية ويبدأ سعر المتر الواحد من 50 دولار إلى 100 دولار يعني من (260 ألف ليرة إلى نصف مليون ليرة تقريباً).
وأشار إلى أن الصناعة الرديئة في المصانع مطلوبة بعشرة أضعاف ما نصنعه يدوياً في مشاغلنا لأن أقل كلفة ويمكن لأي مواطن شرائها، حيث يوجد مناشف بـ 20 ألف ليرة، فيما تبدأ المناشف القطن التي تستخدم في حمامات السوق لدينا من 100 ألف ليرة.
وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري من أزمة كبيرة في مختلف القطاعات، ولا سيما القطاع السياحي المرتبط بشراء المشرقيات والموزاييك والخزف، خاصة أن السياح لن يأتوا إلى دولة تنعدم فيها كل أساسيات الحياة من انقطاع مستمر للكهرباء ونقص المحروقات إلى جانب الخدمات السيئة.