لم يتمكن خليل، الذي وصل إلى برلين بعد رحلة لجوء طويلة عام 2014، من تسجيل ابنته إخلاص في مدرسة تعليم لغة عربية لعدم توفر مدرسة قريبة في حي ليشتنبرغ شرقي برلين حيث حطت به الرحال. إخلاص اليوم في المرحلة الإعدادية تتحدث العربية كلغة أم لكن من دون قراءة ولا كتابة.
تنظر إخلاص إلى شقيقها الأصغر جاد بغبن، الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره لكن بمقدوره الكتابة والقراءة بالعربية بشكل مقبول. الحظ حالف جاد بأن تم افتتاح مدرسة عربية بالقرب من مكان سكنهم قبل ثلاث سنوات، وكان الإقبال عليها كثيفا.
يقول خليل لموقع "تلفزيون سوريا": "ينبغي على الطالب أو ولي أمره أن يسجل في المدرسة العربية قبل الموسم الدراسي بفترة زمنية طويلة ليحجز مقعدا، ربما قبل سنة أو حتى أكثر، لأن المقاعد تكون محدودة لصغر حجم المدارس العربية مقارنة بالمدارس الرسمية".
المدارس العربية ترخص كمراكز تدريب مهني
في حي نويكولن وسط برلين، تتوزع معظم المدارس العربية المنتشرة في العاصمة، ويؤكد بلال الصوص، الموظف في واحدة من هذه المدارس، أن هناك رغبة شديدة من اللاجئين العرب بتعليم أبنائهم لغتهم الأم، ويحاولون عدم إضاعة هذا الإرث الثقافي واللغوي، وبذلك تشكل المدارس العربية "حبلا سريا يربط بين المهاجرين وموروثهم الثقافي والحضاري واللغوي" حسب وصفه.
وأكد الصوص في حديثه لـ"تلفزيون سوريا" أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد المدارس التي تعمل في برلين أو ألمانيا، حيث يتم ترخيص معظم المدارس على أنها مراكز تدريب مهني، وتضاف المساجد إلى المراكز كعامل مهم في الحفاظ على اللغة العربية حيث يتم تدريس الأطفال العلوم اللغوية والشرعية خلال أيام محددة في الأسبوع، وغالبا السبت والأحد".
ولفت الصوص إلى نتائج دراسات تتعلق باكتساب اللغات الأجنبية، وعلاقتها بإتقان اللغة الأم، حيث أكدت تلك الدراسات أن الطلاقة في اللغة الأم تنعكس إيجابا على اكتساب وتعلم اللغات الأجنبية، ويقول "من المهم جداً تعليم أبناء الجالية العربية لغتهم الأم إلى جانب تعليمهم اللغات الأجنبية وبشكل أساسي الألمانية، لأن اللغة تمثّل الرابط بين المهاجرين وبلدهم الأم ولإبقاء الأجيال الجديدة على اتصال بتاريخ أمتهم والذي يشمل ثقافة وهوية الإنسان وبدون اللغة يصبح الإنسان بلا هوية".
وداخل إحدى المدارس في شارع "Sonnenallee" المعروف بـ"شارع العرب" زرنا إحدى المدارس، التلاميذ والطلاب فرحون وهم يتوجهون إلى صفوف الدراسة، يتألف المبنى من أربعة طوابق، مع طابق أرضي له طابع تجاري أكثر منه تعليمي من خلال عرض بضائع عربية تتضمن كتبا ومجلات باللغة العربية، مروان طالب للسنة الثالثة على التوالي في المدرسة، أتقن من خلالها القراءة والكتابة بشكل ممتاز، يقول مروان لـ"تلفزيون سوريا": "أتمنى لو أن الدوام بالمدارس العربية بشكل يومي، يوم واحد في الأسبوع غير كافٍ، لدي أصدقاء من دول عربية مختلفة وعلاقتي بهم أقوى من علاقتي مع أصدقائي بالمدرسة الألمانية".
المساجد وحفظ اللغة العربية في أوروبا
تلعب المساجد دورا مهما في تعزيز انتشار وتعليم اللغة العربية في القارة الأوروبية، وتتوزع المساجد في معظم دول الاتحاد الأوروبي، في ألمانيا يوجد قرابة 3 آلاف دار عبادة بأشكال مختلفة لكن القليل منها يمكن تصنيفه كمسجد بالمفهوم التقليدي، ويصل عدد المسلمين لنحو خمسة ملايين مسلم.
أما في فرنسا فيوجد أكثر من 2200 مسجد أو مصلى وعدد المسلمين يتراوح بين 4 و 5 ملايين، وفي بريطانيا، يوجد أكثر من 1500 مسجد، ويبلغ عدد المسلمين في بريطانيا نحو ثلاثة ملايين مسلم، وفي إسبانيا بلغ عدد المساجد قرابة 1200 مسجد، مع 1.6 مليون مسلم.
ويوجد في إيطاليا أكثر من 700 مكان عبادة للمسلمين، إلا أن عدد المساجد الرسمية لا يتعدى ستة فقط، وهناك مليون و613 ألف مسلم.
وبحسب آخر إحصائية رسمية، بلغ عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا نحو 800 ألف شخص، 40 في المئة منهم نساء، بمتوسط أعمار لا يتجاوز الـ 20 عاماً.
بانتشار المدارس والمراكز التعليمية وكذلك وجود جيل جديد يتقن اللغة الأم، تعود الفرصة لتسنح من جديد أمام أبناء الجالية لتفادي الفجوة المعرفية بلغتهم الأم، وكذلك الأمر لمحو أمية الجيل الأقدم ممن قدم إلى أوروبا في فترة كان من النادر وجود مركز لتعليم اللغة العربية.