على الرغم من إبرام اتفاقية بين سوريا والعراق، قبل شهرين ونيف، لإنهاء خلاف امتد لزمن طويل بينهما، فإن الشاحنات السورية المحمّلة بكل شيء، بدءاً من الأغذية وصولاً إلى الألبسة والتي من المقرّر لها أن تصل إلى العراق، ما تزال تقف عند معبر القائم الحدودي دون أن يسمح لها بالمرور.
وبدأ مسؤولون من العراق وسوريا محادثاتهم حول إعادة فتح المعبر بشكل كامل، عام 2021، حيث أفضت تلك المحادثات أخيراً إلى توقيع اتفاقية في 5 كانون الثاني من هذا العام، تسمح للشاحنات السورية دخول العراق عبر معبر القائم، وكان من المفترض أن يُفتتح المعبر بشكل كامل في غضون أيام، إلا أن الوضع لم يتغير منذ ذلك الحين.
بيد أن التأخير في تنفيذ هذه الاتفاقية لم يكن مفاجئاً، إذ في الوقت الذي كانت فيه الأيادي تصافح بعضها بعضاً، والاتفاقيات توقع بين كبار مسؤولي البلدين، أخذت قوى مؤثرة، منها محلي ومنها أجنبي، وتشمل عناصر فاعلة لا تمثل "الدولة"، تعمل في الخفاء لمنع فتح المعبر من أجل تحقيق مصالحها الشخصية، بعدما أبدت مخاوفها من تزايد تهريب المخدرات عبر ذلك المعبر.
السبب الأول: منع المنافسة
في شباط 2022، كشفت صحيفة "تشرين" التابعة للنظام السوري، أنّ رئيس الوزراء العراقي آنذاك، مصطفى الكاظمي، أصدر أوامر بالسماح للشاحنات السورية بدخول العراق، إلا أن أمره لم ينفذ هو أيضاً.
إذ بالأصل أغلق العراق معبره الحدودي النشط الوحيد مع سوريا أمام الشاحنات، عند تفشي جائحة كورونا (كوفيد-19)، بسبب مخاوف أمنية وصحية حسبما أوردته السلطات، وقد ردّت حكومة النظام السوري باتخاذ إجراءات مماثلة بحق الشاحنات العراقية ضمن خطوة تقوم على مبدأ العين بالعين.
ولكن عندما رفع النظام القيود عن الشاحنات العراقية، في 2021، لم ترد السلطات العراقية بالمثل، ومنذ ذلك الحين والمسؤولون السوريون يحاولون إقناع حكومة العراق بالسماح للشاحنات السورية بدخول البلد.
ومن اللافت هنا أن السلطات العراقية تسمح للشاحنات القادمة من دول مجاورة أخرى، خاصة من الأردن وإيران، بالدخول دون أي قيد أو شرط، ما يعني بأن الحظر ليس له أي علاقة بالخوف من كوفيد.
ونتيجة لهذه القيود، يتعين على مالكي الشاحنات التي تنقل البضائع من سوريا إلى العراق إفراغ الشحنة من شاحناتهم وتحميلها على متن شاحنات عراقية عند المعبر الحدودي.
في الأول من شباط الماضي، قلّل محمد رياض الصيرفي - رئيس الاتحاد الدولي للشحن في سوريا - من أهمية تلك المخاطر، في الوقت الذي أنحى فيه باللائمة بالنسبة للتأخير على عملية التأسيس لآلية خاصة مع بغداد، وذلك للعمل على استصدار تأشيرات دخول متعدد لسائقي الشاحنات السورية، إلا أن ذلك لم يثمر عن أي نتيجة.
في هذه الأثناء، رسم محمد كيشور - رئيس مجلس الاتحاد الدولي لوكلاء الشحن في سوريا - صورة مختلفة لكنها أدق، وذلك بعد أسبوعين من ظهور التصريحات التي أدلى بها "الصيرفي"، لأن الاتفاقية لم تنفذ برأي "كيشور"، بسبب اعتراضات من قبل من سمّاهم بجهات فاعلة عراقية مؤثرة لا تمثل الدولة.
إذ ورد أن تلك الجهات تريد لسعر البضائع السورية أن يبقى بحالة تضخم بسبب نقص التوريد، لأنه في حال أغرقت المنتجات السورية السوق من جديد، فستتعرض منتجات إيران والعراق للمنافسة، وسيؤدي ذلك لانخفاض الأسعار.
من المتوقّع في حال تخفيض أسعار الشحن إلى العراق تضاعف إجمالي الصادرات السورية، ما سيكون بمثابة دفعة مطلوبة للاقتصاد السوري. إذ تبلغ كلفة شحن شاحنة محملة بالبضائع من سوريا إلى العراق حالياً ما بين ستة إلى سبعة آلاف دولار أميركي، وبالمقارنة، نكتشف بأن كلفة دخول الشاحنة نفسها من تركيا لا تتعدى 2200 دولار.
ويعود الفرق في الأسعار للشركات المسؤولة عن نقل البضائع إلى الشاحنات العراقية قبل قطع الحدود عند معبر القائم، ومن الواضح بأن هذه الشركات ستخسر كثيراً في حال تخفيف تلك القيود.
السبب الثاني: تجارة الكبتاغون
هذه الشركات ليست الجهة الوحيدة التي تقف ضد رفع الحظر، إذ هنالك مخاوف من أن يؤدي تخفيف القيود إلى زيادة عمليات تهريب المخدرات الآتية من سوريا، وقد ذكر مسؤول لدى الحكومة العراقية أن الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية، تشاطرهم تلك المخاوف.
وتعتبر سوريا أكبر مصدر للكبتاغون في العالم، وهذا الدخل المترتب على تجارة المخدرات أكبر بكثير مما تحققه الصادرات السورية القانونية من دخل، إذ وصلت قيمة تجارة الكبتاغون في بعض التقديرات إلى 5.7 مليارات دولار في عام 2021، ويعتقد أنها ارتفعت لتصل إلى عشرة مليارات دولار بالسنة.
وأهم سوق للكبتاغون هو السعودية، وتأتي بعدها بقية دول الشرق الأوسط، لذا فإن أي تخفيف للقيود المفروضة على الشاحنات القادمة من سوريا من المرجح أن يزيد من تدفق المخدرات إلى العراق وعبرها.
وأكد مصدر من الحكومة العراقية على أن بعض الميليشيات التي تدعمها الدولة في العراق، والتي تُعرف باسم "الحشد الشعبي"، تعارض فكرة رفع الحظر، على الرغم من اختلاف دوافعها تماماً.
تلك الميليشيات تسيطر على تدفق المخدرات إلى العراق، ولهذا فهي تخشى من احتمال تهديد عملية رفع الحظر لما تحتكره من هذه التجارة، وذلك عبر السماح إلى جهات أخرى بتهريب المخدرات من دون دفع المعلوم.
وقد تسهم الزيادة في تطبيع العلاقات بين النظام السوري والدول العربية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في تمهيد الطريق أمام تنفيذ ما ورد في اتفاقية الحدود في نهاية المطاف، إلا أنه من المرجّح لأي تغيير حقيقي على المدى البعيد بالنسبة لانفتاح التجارة بين سوريا ودول الجوار أن يكون نتيجة للسعي وراء احتمال تحقيق منافع اقتصادية عبر إعادة بشار الأسد إلى الحضن العربي.
ولسوء الحظ، لن يأتي تنفيذ اتفاقية الحدود بين العراق وسوريا، نتيجة لضبط العناصر الفاعلة التي لا تمثل الدولة والتي تستفيد من الترتيبات الراهنة، بل إن ذلك قد يتيح لها العثور على طرق وأساليب جديدة لزيادة مرابحها عبر مساعدة تجارة المخدرات السورية غير المشروعة على النمو بشكل كبير بما يهدد الوضع الصحي والأمني في العراق، وفي المنطقة وما وراء المنطقة كلها.
المصدر: Asia Times