تجاوزت أيام العدوان الإسرائيلي على غزة بعد 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 الـ 100 يوم ولا تزال حكومة الاحتلال وجيشها غير قادرين على تحقيق الأهداف التي قاموا بوضعها، والتي شملت تدمير بنية المقاومة، إذ إنه في لحظات كتابة هذا المقال مساء 29 يناير كانون الثاني 2024 كانت رشقة صاروخية تنطلق من غزة باتجاه تل أبيب. كما أن الاحتلال لم يستطع أن يحرر بالقوة أي من الأسرى الذين احتفظت بهم المقاومة الفلسطينية منذ 7 أكتوبر تشرين الأول بل على العكس فقد عشرات منهم حياتهم بسبب قصف وعمليات الجيش الإسرائيلي المدمر على غزة.
مأزق مزيد من الخسائر في غزة
لقد شكلت عملية طوفان الأقصى حالة صدمة لمؤسسات صنع القرار داخل دولة الاحتلال ويمكن القول إن عدم توقع العملية ابتداء كان المؤشر الأول على فشل الاحتلال الأساسي وبالتالي إذا كان هناك فشل في الدفاع فليس من المستبعد أن يكون هناك فشل في الهجوم، كما أن الضربة التي سببت إرباكا شديدا للحالة الدفاعية لا تزال آثارها تنعكس على الحالة الهجومية إذ إن جنرالات الكيان الإسرائيلي مثل يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هليفي يبحثون عن كل شيء يمكن أن يغطي الصورة المنهارة لجيش الاحتلال في 7 أكتوبر وهم في الوقت نفسه لا يدركون كم دمروا من صورة دولة الاحتلال في مجالات أخرى والأمر أن عدم قدرتهم على تحقيق الأهداف خلال 100 يوم راكم صورة أسوأ.
بمعنى أن الجيش الإسرائيلي بعملياته التدميرية في غزة انطلق في سياق رد فعل انتقامي أبعد ما يكون عن أهداف سياسية مرسومة بدقة، وبالتالي دخل في مأزق خطير وهو مزيد من الفشل الميداني ومزيد من الخسائر ومزيد من الضرر لصورته وظل طوال أيام المعركة يرمي بالتهمة في عدم جود أهداف واضحة لاستمراره في الحرب على المستوى السياسي.
مأزق توسع جغرافيا الحرب
نظرا لعدم توقع طول مدة الحرب بهذا الشكل والذي يرجع بالدرجة الأساسية إلى فشل توقع إمكانيات وقدرات المقاومة على الصمود، فإن الجيش حاول تقسيم العملية إلى مراحل لكي يخبئ الفشل تحت نهاية المرحلة السابقة وبداية المرحلة اللاحقة، ولكن في الوقت نفسه كلما طال أمد الحرب زاد إمكانية توسع المعركة على المستوى الإقليمي، وبالفعل يوجد الآن عدة جبهات مفتوحة على الاحتلال الإسرائيلي بالرغم من التفاوت في حدتها سواء في البحر الأحمر أو لبنان وهناك تحرك في جبهة فلسطيني 48 عبرت عنه عملية دعس تحدث لأول مرة منذ بداية الحرب.
مأزق تزايد العبء على الحلفاء
ما من شك أن استمرار الاحتلال في تحمل كلفة العدوان يرجع إلى وجود حلفاء على رأسهم الولايات المتحدة يسهمون في الدعم على كل المستويات، وكذلك فإن طول أمد الحرب سيكلف هؤلاء الحلفاء مزيدا من الكلفة في سبيل حماية دولة الاحتلال وسيشعرون في أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال بحجم العبء الملقى عليهم والذي يخصم من رصيدهم الأخلاقي والسياسي والعسكري والمالي. كما أن استحقاقات باتت تدفع من اللحم الحي عندما قتل 3 جنود أميركيين وأصيب عشرات في موقع لهم في الأردن، كما أن الاستحقاق الأكبر المتمثل بالانتخابات العامة في الولايات المتحدة سيكون الاختبار الأهم وسيشكل تداعيات غير مسبوقة على السياسة والمجتمع الأميركي.
وحتى على الأصدقاء المحتملين على المستوى الإقليمي في سياق التطبيع والتحالف فإن الاحتلال الإسرائيلي يعقد ويصعب المهمة عليهم، ويخلق مسافات أكبر بينه وبينهم على المستوى العلني على الأقل.
مأزق نتنياهو
ما من شك أن نتنياهو كشخص يغرد في سرب ودولة الاحتلال كلها تغرد في سرب آخر فهو يحسب الأمور من منطلقات شخصية، ولديه القدرة من خلال تحالفاته على اللعب بالمشهد حتى الآن وهو يريد إطالة أمد الحرب ليزيد من عمره الافتراضي في قيادة السياسة الاحتلالية، ولكن كلما زاد أمد الحرب وكلما زاد عمر نتنياهو السياسي فإن الاحتلال الإسرائيلي يسير نحو خسائر استراتيجية على المستويات الدبلوماسية والعسكرية والأمنية ويعمق نزول أقدام الاحتلال في مآزق متعددة.
هذه مجرد مجموعة من جملة مآزق عدة يخوضها الاحتلال حاليا ويغامر في مزيد من تعمقها وخلق مآزق أخرى جديدة، وكلما طال أمد الحرب غاصت أقدامه أكثر فيها وهذه كلها من النتائج الاستراتيجية لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر والتي جعلت اتجاهات الاحتلال كلها مدفوعة الثمن وخطيرة على مستقبله ووضعته في موقف لا يستطيع فيه التصرف إلا باتخاذ قرار سيئ. وكما قال جنرال عسكري أميركي ذات يوم: "أفضل طريقة للفوز في المعركة هي أن تجعل العدو لا يستطيع الفوز".