ترسمُ جماعة الضغط (اللوبيات) مساراتِ التعامل بين الدول، وبها يرتفعُ مستوى الروابطِ وتتحولُ إلى سلاحٍ متبادلٍ فيما بين الدول أو في العلاقاتِ التي تحيطُ بهم.
وللسوريين المعارضين لنظام الأسد، تجارِبُ متفاوتةٌ في هذا المجال، حيث برزت مجموعات في دول مختلفة سعت إلى تنظيم الجهود وتوجيهها بما يخدم القضية السوريّة، مع التركيز على كشف جرائم "النظام" وملاحقته ضمن قوانين تلك الدول.
إحدى حلقات برنامج "منتدى دمشق" على تلفزيون سوريا التي عُرضت، يوم الأحد الفائت، فتحت ملف جماعات الضغط السوريّة، وناقشت التجارب الناجحة منها وتلك التي أصابها العجز، وغيرها.
ومِن أبرز تلك التجارب ما حدث في أميركا، حيث سعت فيها جماعات سوريّة للعمل على أكثر مِن مشروع طُرح في الكونغرس، وتوّج هذا النشاط بقانون قيصر، الذي يعدّ أهم القوانين التي أثّرت في وجود نظام الأسد وتحركاته الدولية والإقليمية.
ورغم تنوع المجموعات التي عمِلت على قانون قيصر في أميركا واختلاف توجهاتها والتناقضات فيما بينها أسوةً بتشكيلات المعارضة السورية المختلفة، فإنّها تجاوزت تلك الخلافات في إطار الوصول إلى هدف مركّز أحدث فارقاً في الموقف الأميركي تجاه نظام الأسد.
المجلس السوري الأميركي
تحدّث رئيس المجلس السوري الأميركي زكي لبابيدي - أحد ضيوف الحلقة - عن المجلس الذي يعد الآن أحد أبرز جماعات الضغط في أميركا وقد تشكّل، عام 2005، عندما هدّد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بدخول سوريا، بسبب تهديد نظام الأسد لحياة الجنود الأميركيين في العراق.
وبحسب "لبابيدي" فإنّ المجلس أُسِّس - حينذاك - على فكرة الرغبة في تغيير نظام الأسد، لكن ليس بالطريقة التي حصلت في العراق، وما شهده مِن خسائر فادحة وتدمير بنيته التحتية.
وأضاف "لبابيدي" أن أميركا أوقفت تهديدها لـ"النظام" لاحقاً، كما حصل تقارب أمني بينها وبينه، عام 2007، مردفاً أنّ المجلس - وهو الجهة الوحيدة المرخّص لها في أميركا - بقي يعمل حتى اندلاع الثورة السورية، منتصف آذار 2011، وهنا التف حولها السوريون الراغبون في إسقاط نظام الأسد وبدأ العمل مع الحكومة الأميركية، لمناقشة ما يمكن فعله لتجنيب سوريا الدمار الذي حصل في العراق وغيره.
وحصل تجاوبٌ أميركي في البداية وصرّح - حينئذ - الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بضرورة رحيل بشار الأسد، قبل أن يتراجع عن مواقفه لاحقاً، مشيراً "لبابيدي" إلى وجود جماعات ضغط في أميركا تعمل لصالح "النظام" أيضاً، وكانت تجري العديد من الاجتماعات مع مراكز صنع القرار.
السوريون حول العالم
وتحدّثت حلقة "منتدى دمشق" عن مدى إمكانية التأسيس لتجربة ضغطٍ سوريّة يُتاح لها الوصول إلى أهدافها في دول مختلفة كـ تركيا، التي تضم أكبر تجمّع للسوريين.
وهنا قال عبد الرحمن الحاج - أستاذ جامعي ومدير مؤسسة الذاكرة السورية - إنّ المشكلة الرئيسية أنه لا توجد أطر مشتركة لجميع السوريين في دول العالم مِن أجل العمل بشكل منسّق ومنتظم، رغم أنّ جماعات الضغط السوريّة في أرجاء العالم، لديها الرغبة في التأثير على صنّاع القرار للوصول إلى أهدافها فيما يخص القضية السوريّة.
وأشار "الحاج" إلى أنّ العمل المطلوب يتجاوز أداء المعارضة السوريّة الرسميّة التي انقسمت بين مصالح الدول الفاعلة في الملف السوري، فضلاً عن أنّ التجارب التي خاضتها المعارضة أدّت إلى القول بأنّ "هذه المعارضة بأدائها الحالي وبطريقةِ عملها غير قادرة على العمل، ولا بدّ مِن إيجاد أطر ثانية".
وشدّد "الحاج" على ضرورة التنسيق بين جماعات الضغط السورية في مختلف الدول الفاعلة بالملف السوري، لأنه لا توجد دولة واحدة تستطيع بمفردها فرض الحل في سوريا، موضحاً يجب تنسيق جهود السوريين حول العالم لإحداث أثر أكبر، وأنّه يمكنهم تجاوز الانقسامات وتشكيل جسور مصالح مع الدول التي يقيمون فيها للدفع إلى حلول قابلة للتنفيذ.
يشار إلى أنّ الواقع السوري بات أكثر حاجة إلى تنظيم جهوده في أطر جديدة، خاصّةً مع تعنّت نظام الأسد وتجاوزه للقرارات الدولية والقفز على مسارات الحل السياسي خلال خطوته الأخيرة في إجراء انتخابات رئاسية وإعادة بشار الأسد رئيساً لمناطق سيطرته في سوريا.
وربما يكون تكوين مجموعات الضغط في دول مختلفة على غرار التجربة في أميركا، أكثر تأثيراً وفعالية في الوصول إلى أهداف تسند السوريين في أزمتهم، خاصّةً أمام مواقف دولية ضبابية حول "النظام"، والتي كان آخرها انتخابه ممثلاً عن سوريا في منظمة الصحة العالمية.