شهدت الفترة الماضية زيادة في توجه السوريين إلى تقديم طلبات لجوء في قبرص اليونانية، نظراً لانخفاض كلفة الوصول إليها مقارنة بالأسعار التي تفرضها شبكات التهريب لإيصال اللاجئين إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي.
وسجلت قبرص اليونانية زيادة في نسبة طالبي اللجوء على مدى السنوات الأربع الأخيرة، بواقع 4% من معدل سكانها، مقابل 1% في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، بحسب وكالة "يوروستات" (Eurostat) للإحصاءات.
ومنذ عام 2011، طلب أكثر من 12 ألف سوري اللجوء في قبرص، وقد مُنح 8500 منهم وضع الحماية الدولية، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
رحلة اللجوء وتكاليفها
تبلغ الكلفة الإجمالية للوصل انطلاقا من شمال غربي سوريا وحتى الدخول إلى مخيمات استقبال اللاجئين في قبرص اليونانية نحو 3500 دولار أميركي، وفق المعلومات التي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من أحد متزعمي شبكات التهريب الموجودين في تركيا. في حين تزيد تكاليف التهريب من مناطق سيطرة النظام عبر السواحل اللبنانية إلى 4500 دولار أميركي.
وتعمل شبكات التهريب على تجميع اللاجئين في منازل بين ولايتي مرسين وأنطاليا غربي تركيا، حيث ينتظر اللاجئون موعد انطلاق رحلة الوصول إلى قبرص اليونانية لمدة تتراوح بين أسبوع إلى 4 أسابيع.
ويعتمد المهربون على القوارب المطاطية "البلم" كوسيلة لنقل اللاجئين، ويتم وضع نحو 35 لاجئاً في كل قارب برحلة تمتد بين 4 إلى 6 ساعات، دون تزويدهم بأي من المعدات البحرية لتجنب حوادث الغرق، إذ يتعين على اللاجئين إحضار تلك المستلزمات على حسابهم الشخصي.
وأكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا عدم وجود رحلات مباشرة للتهريب انطلاقاً من الشواطئ السورية، موضحاً أن جميع الرحلات التي تدّعي وصولها من سوريا، هي قادمة من الأراضي اللبنانية، إلا أن اللاجئين يخبرون السلطات بقدومهم من جانب السواحل السورية لتجنب إعادتهم إلى لبنان، التي تعتبرها قبرص اليونانية مكاناً آمنا للاجئين.
الوصول إلى قبرص
يصل اللاجئون إلى جزيرة قبرص التركية، ليتم تسليمهم إلى مجموعة جديدة من المهربين، الذين يعملون على إيصالهم إلى قبرص اليونانية، في رحلة سير على الأقدام تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات، ويتعمد اللاجئون أثناء الرحلة السير على الطرق الرئيسية لتسهيل مهمة العثور عليهم من قبل الشرطة اليونانية، ليتم نقلهم إلى مخيمات استقبال اللاجئين في العاصمة نيقوسيا، والتي تعاني من سوء الأوضاع الطبية والخدمية داخلها.
وتعمل السلطات القبرصية على إدخال اللاجئين السوريين وخاصة العائلات إلى مخيمات الاستقبال، في حين يتم رفض إدخال بعض الطلبات ونقلهم إلى مخيمات للإعادة لا سيما القادمين من القارة الأفريقية.
ويقدم اللاجئون في المخيمات أوراقهم الثبوتية للسلطات داخل المخيمات، وفي حال تقديم اللاجئ لجواز السفر السوري يتم الاحتفاظ بالجواز لدى السلطات القبرصية وإعطاء اللاجئ صورة عنه ولا يمكن للاجئ استعادته قبل الخروج من قبرص بشكل نهائي.
وأكد طالبو لجوء سوريون في مخيمات قبرص لموقع تلفزيون سوريا أن المعيشة في المخيم ليست أفضل بكثير من مخيمات الشمال السوري، إلا أنهم يعتبرون هذه الفترة في المخيم مؤقتة ويتحملون قساوة العيش فيه على أمل قبول طلب لجوئهم والحصول على اللجوء والإقامة وجواز سفر يخولهم التنقل في كل الدول الأوروبية.
تحقيقات لمعرفة أسباب اللجوء
تجري وزارة السكان والهجرة "Population And Immigration"، تحقيقات روتينية مع اللاجئين في مخيمات الاستقبال، لمعرفة طريقة وصولهم إلى قبرص، ما إذا كانت عن طريق الشواطئ التركية أو السورية أو اللبنانية.
ويبقى اللاجئون في مخيمات الاستقبال لمدة تتراوح بين شهر إلى 6 أشهر، لاستكمال أوراق تقديم طلب اللجوء، والتي تتخلل مقابلة مع موظفي الأمم المتحدة، وإعطاء اللاجئين اللقاحات اللازمة، وسط معاناة مستمرة للاجئين من سوء الأوضاع الخدمية لا سيما الطبية وخدمات الصرف الصحي.
وتتيح السلطات القبرصية للاجئين السوريين الخروج من المخيم، بعد الحصول على ورقة التقديم على طلب اللجوء "إليان" (ALIEN)، إضافة إلى ورقة تحوي معلومات شخصية عن اللاجئ، ويتم تخيير اللاجئين في البقاء بالمخيم أو الخروج منه بشرط تقديم عنوان سكن لأحد الأقرباء أو الأصدقاء خارج المخيم.
المساعدات ومعاناة ما بعد المخيم
"الخروج من مخيم استقبال اللاجئين بداية لرحلة معاناة جديدة"، هكذا وصف اللاجئ السوري، عبد القادر، حاله بعد حصوله على ورقة تقديم طلب اللجوء، إذ بدأت معاناته في العثور على منزل للسكن، مؤكداً أن عبارة "لا نؤجّر السوريين" التي كانت تتردد في تركيا، ظهرت مؤخراً في قبرص اليونانية، رغم أن قيمة إيجارات المنازل تبدأ من 250 يورو وصولاً إلى 600 يورو، وتبلغ الكلفة الإجمالية لإتمام إجراءات الإيجار نحو 2000 يورو، جميعها يدفعها اللاجئ من حسابه الشخصي.
وأشار اللاجئ السوري إلى أن السلطات في قبرص اليونانية، تمنح اللاجئين مساعدات اجتماعية مقدمة من الأمم المتحدة تسمى "ويلفر" (Social Welfare)، لافتاً إلى أن الحصول على المساعدات يستغرق وقتاً يصل إلى 6 أشهر للعائلات، فيما ينتظر الأشخاص مدة قد تصل إلى عامين للحصول على الإعالة الاجتماعية.
وبين أن فترة ما قبل الحصول على الإعالة الاجتماعية هي الأسوأ للاجئين السوريين، خاصة أن السلطات القبرصية تمنع عمل اللاجئين، كما أن اللاجئ معرض لخطر الإعادة إلى المخيمات في حال القبض عليه أثناء العمل قبل حصوله على وثيقة اللجوء في قبرص والتي تصل مدة انتظار الحصول عليها نحو عامين على أقل تقدير.
وأكد وجود استغلال من قبل أصحاب العمل للاجئين في تلك الفترة، إذ يفرضون على العمال ساعات عمل طويلة، مقابل حصولهم على مبالغ أقل من الأجور المحددة، في وقت يضطر فيه اللاجئون للعمل لتأمين قيمة الإيجارات ومستلزمات الحياة.
قيمة الإعالة الاجتماعية
حددت الأمم المتحدة قيمة الإعالة للاجئين، وفقاً لمكان الإقامة وعدد أشخاص العائلة، والمقدرة بـ 186 يور للشخص الواحد، إضافة إلى 75 يورو كبدل لفواتير الكهرباء والمياه، ونحو 100 يور كبدل للإيجار.
وأوضح اللاجئ السوري باسل لموقع تلفزيون سوريا أن الإعالة المقدمة للاجئين تعتبر في الحدود الدنيا، ولا تؤمن للاجئين أقل مقومات الحياة، مشيراً إلى أن عائلته المكونة من 4 أفراد بينهم طفلان، تعيش على مبلغ يتراوح بين 150 إلى 200 يورو لتأمين مستلزمات الطعام والشراب، فيما يصرف المبلغ الباقي المقدر بـ 850 يورو على قيمة الإيجار وفواتير الكهرباء والمياه والإنترنت.
ينتظر باسل بفارغ الصبر حصوله على اللجوء والإقامة في قبرص اليونانية، ليتمكن من العمل بشكل قانوني بعيداً عن استغلال أصحاب العمل، والتسجيل في شركة التأمينات "سفاليا" (ΑΣΦΑΛΙΣΗ)، لضمان حصوله على الرعاية الطبية الجيدة لأطفاله.
ويستطيع اللاجئ السوري الحصول على وثيقة سفر "travel document" أو جواز سفر من قبرص اليونانية بعد حصوله على الإقامة الإنسانية، يمكنه من الدخول إلى جميع الدول الأوروبية دون تأشيرة سفر.