icon
التغطية الحية

اللاجئون السوريون في البرازيل يكتشفون من جديد عشقهم لكرة القدم

2022.12.06 | 16:45 دمشق

اللاجئ السوري عبد الباسط جارور وهو يقبل علم البرازيل
اللاجئ السوري عبد الباسط جارور وهو يقبل علم البرازيل
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كأغلب من فروا من الحرب في سوريا، لم يكن طريق عبد الباسط جارور في اللجوء سهلاً. إذ منذ أن بدأ النزاع في سوريا قبل أكثر من عشر سنوات، طلب أكثر من خمسة ملايين سوري اللجوء في دول الجوار بلبنان وتركيا هرباً من فظائع الحرب وويلاتها.

ولكن بسبب الازدحام الشديد في مخيمات اللجوء التي أقيمت في تلك الدول، ومع تشييد الدول الأوروبية لسياج شاهق لمنع طالبي اللجوء من الوصول إليها، اضطر سوريون مثل جارور لقطع آلاف الأميال حتى يطلبوا اللجوء في دولة ما.

انتقل جارور البالغ من العمر 32 عاماً برفقة أسرته إلى البرازيل في عام 2014 بموجب برنامج التأشيرة الإنسانية التي تقدمها هذه الدولة لمن فروا من النزاع السوري كفرصة ليبدؤوا حياتهم من جديد.

إلا أن ساو باولو فيها الكثير من التحديات بالنسبة للاجئين، ويأتي على رأسها البطالة، إلا أن جارور استقر في هذه المدينة الآخذة في التوسع مع أسرته التي أصبحت تعتبرها اليوم موطناً لها.

عثر جارور على عمل، وبما أنه مدافع عن حقوق الإنسان ومشجع كبير لكرة القدم، لذا عشق هذه اللعبة هنا بطريقة أخرى، وعن ذلك يقول: "سافر الكثير من المهاجرين من لبنان وسوريا إلى البرازيل منذ أيام الإمبراطورية العثمانية، وهذا ما خلق روابط وعلاقات وعلى رأسها كرة القدم التي تعتبر رابطة قوية".

منذ أن فتحت البرازيل أبوابها للاجئين في عام 2013، حصل أكثر من 2500 سوري على حق اللجوء فيها، بتعداد فاق عدد اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة، بحسب وكالة اللاجئين الوطنية البرازيلية.

يتجمع معظم اللاجئين السوريين في البرازيل ضمن المساجد الرئيسية بسان باولو ضمن منطقتي براس وكامبوسي حيث تنتشر المطاعم العربية والمقاهي التي تقدم النرجيلة والأسواق والمتاجر التي بوسعهم أن يصلوا إليها بكل سهولة.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الكثير من اللاجئين في رحلة البحث عن عمل، أصبحت كرة القدم وسيلة التسلية والإلهاء الوحيدة بعيداً عن مصاعب الحياة.

تجمع للاجئين

بعد وصول جارور إلى ساو باولو بفترة قصيرة، تواصل مع من سبقه من اللاجئين المستقرين في تلك المدينة، وأسهم في الترويج لأول بطولة بكرة القدم للاجئين والمهاجرين، حيث بذل الجميع جهدهم ليجمعوا بين السوريين في الشتات هناك، وعن تلك التجربة يحدثنا فيقول: "استعنا بلغة عالمية وهي لغة كرة القدم لنعبر عن أنفسنا ولنري العالم بأننا أجبرنا على ترك أوطاننا لكنا أصبحنا برازيليين اليوم".

ويتابع بالقول: "هنالك مؤيدون للنظام ومعارضون له ضمن فريقنا إلا أن كلا الطرفين هاجر ليبقى على قيد الحياة، وعندما بدأنا التدريب، احتدم الجدل حول ذلك الموضوع، فأخبرتهم بأننا في البرازيل الآن، وعلينا أن نلعب في الفريق نفسه، وهكذا فهموا رسالتي، أي أن كرة القدم وحدت فيما بيننا".

خلال السنوات التي أعقبت ذلك، أقيمت البطولة في ولايات برازيلية أخرى شارك فيها المئات من اللاعبين من مختلف الجنسيات، وقد وصل الفريق السوري إلى النهائيات مرتين، لكنه لم ينل شرف الفوز باللقب في كلتيهما.

يخبرنا جارور بأنه يعمل اليوم على تشكيل ما سمّاه: "أول بطولة بكرة القدم للاجئين والمهاجرين على مستوى العالم"، ويتمنى أن يحقق ذلك بنهاية هذا العام.

وحول ذلك يعلق بالقول: "سيكون اسمه نادي الشجعان لكرة القدم، وقد سجلناه لدى اتحاد كرة القدم في البرازيل، وسنحشد بعض المشاركين في بطولة اللاجئين من أجله".

ومع اجتياح حمى كأس العالم للبرازيل، يخبرنا جارور بأنه غالب عواطفه وهو يتذكر مدينته الأم حلب قبل اندلاع الحرب، حيث كانت شرفات البيوت تكتسي بأعلام البرازيل كلما لعب المنتخب البرازيلي.

ثم يتذكر كل التفاصيل عندما يحتفي السوريون بفوز البرازيل عبر حمل أعلامها وغير ذلك من الرموز الوطنية التي يعلقونها على دراجاتهم النارية.

ويقارن ما كان يحدث في حلب وبين ما يراه اليوم فيقول: "يبدو الأمر كمسيرة تأييد للرئيس البرازيلي بولسونارو"، فقد تبنى هذا الرئيس الذي انتهت ولايته هو وأنصاره علم البرازيل وقميص المنتخب الوطني كرمز لحركتهم.

الشعور بالحياة تسير على طبيعتها

بالنسبة لفتون عاصي، 41 عاماً، من سكان مدينة ساو باولو، فقد غرست كرة القدم فيها إحساساً بأن حياتها وحياة أهلها تسير في مجراها الطبيعي منذ انتقالها للبرازيل في عام 2014.

ترعرعت فتون في مدينة جدة الساحلية بالسعودية، حيث كانت تنهض في الساعة الثالثة فجراً لتشاهد مباريات البرازيل ضمن كأس العالم لعام 1994، وعن ذلك تقول: "كنت أحب أن أشاهد اللاعبين البرازيليين وهم يلعبون وعلى رأسهم روماريو"، ذلك الفريق الذي حقق النصر للبرازيل بعد 24 عاماً من الخسارة عبر الفوز بالكأس للمرة الرابعة.

انتقلت عاصي للعيش في دمشق بعد بضع سنوات، وبقيت في البلد عندما أخذ نظام بشار الأسد يقمع احتجاجات الربيع العربي هناك بكل وحشية، ولهذا فرت من سوريا في عام 2014، وعن ذلك تخبرنا فتقول: "لم أستطع أن أحضر شهادتي الجامعية معي، ولهذا صرت أعمل بالمبيعات"، أما زوجها فيبيع الملابس، وحتى تحرز عاصي دخلاً إضافياً فإنها تبيع المشغولات اليدوية السورية التي تصنعها هي وابنتيها.

وبحسب ما ذكرته عاصي، فإن كرة القدم تحولت من كونها فترة استراحة من الضغوطات التي يخلقها الفقر إلى هواية يعيش معها اللاعب مدى الحياة، فابنتاها اللتان تبلغ إحداهما 14 عاماً والثانية 17 عاماً تلعبان كرة القدم في المدرسة وتشجعان النوادي المحلية، أما عاصي التي اعتادت أن تكون حارس المرمى في مدرستها بالسعودية فتشجع نادي فلامينغو بريو دي جانيرو، وتضيف: "هذا ثالث كأس عالم لنا نحضره في البرازيل، ونحن مستعدون لمشاهدة كل المباريات".

رمز للبهجة

يخبرنا كارلوس سكروج بأنه أغرم بالثقافة البرازيلية قبل أن يسافر إلى البرازيل برفقة زوجته وولديه في عام 2013.

تؤوي البرازيل 15 مليون نسمة تعود أصولهم لدول عربية، بينهم ثلاثة ملايين سوري، ومن المعروف عن مدينة كارلوس الأم، حمص، بأنها صدرت الآلاف من المهاجرين إلى البرازيل خلال النصف الأول من القرن العشرين، وعن ذلك يقول: "لطالما عشقت كرة القدم البرازيلية ولاعبيها العظماء من أمثال نيمار".

إلا أن اهتمامه بكرة القدم ليس بأمر غريب هنا، إذ خلال سنوات شبابه، كان كارلوس لاعب كرة قدم محترف، حيث لعب لصالح النوادي السورية والليبية والإماراتية والروسية، ولكن منذ أن تعرض لإصابة في ركبته وغادر سوريا، لم يجد عملاً سوى في البناء.

وبالرغم من كل هذا، ماتزال ركلة البداية في المباراة متعة يحبها هذا الرجل، حيث يقول: "قبل عامين، درست لأصبح مدير فريق كرة قدم محترف، حيث دربت بعض فرق اليافعين، لكني صرت أبحث اليوم عن ناد حيث يمكنني أن أتابع العمل في مهنتي".

بالنسبة لأغلب اللاجئين، فإن كرة القدم هي الشيء الثابت الوحيد في حياتهم، وذلك بحسب ما ذكره الشيخ جهاد حمادة الذي يعيش في البرازيل منذ عقود، ويضيف: "تشتهر البرازيل بأسلوبها في كرة القدم في معظم الدول العربية، إذ من خلال أسلوب كرة القدم البرازيلية الممتعة، اكتشف أغلب العرب نقاط التشابه بين ثقافتهم وثقافة البرازيل".

وبصرف النظر عن الموضع الذي وجد فيه اللاجئون أنفسهم، تقدم كرة القدم لكل من نزحوا ذلك الإحساس بالإنتماء، وجرعة لازمة من الإحساس بأن الحياة تسير على طبيعتها كما يقول حمادة، ويضيف: "يبذل اللاجئون جهوداً كبيرة حتى ينجحوا في البرازيل، ولكن لطالما كانت لعبة كرة القدم البرازيلية رمزاً للبهجة في الكثير من الدول العربية، بما أنها بوسعها أن تخلق حالة من التعاطف بين الناس على الفور".

المصدر: Middle East Eye