تتفاقم معاناة مرضى الفشل الكلوي من السوريين اللاجئين في الأردن بعد انقطاع الدعم الذي كان مخصصاً لهم لغسيل الكُلى، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
وضع ذلك الانقطاع حياة 120 سورياً على المحك لارتفاع أسعار جلسات الغسيل التي بلغت قيمة الجلسة الواحدة منها 60 ديناراً أردنياً (نحو 100 دولار أميركي) في وقت يحتاج به المريض لثلاث جلسات في الأسبوع الواحد، أي بمقدار 600 دينار في الشهر الواحد (1000 دولار).
تقليص مرات الغسل
برزت إشكالية جديدة نتيجة انقطاع الدعم قبل نحو 9 أشهر، إذ أُجبر مرضى الفشل الكلوي على تقليص عدد جلسات غسل الكلى ودفع تكاليفها من حسابهم الشخصي، ما تسبب بظهور أعراض جانبية لديهم.
يجلس "إبراهيم الشريف" في منزله بمنطقة (بلعما) جنوب غربي محافظة المفرق الأردنية، وقد بدت على عينيه ويديه ملامح الانتفاخ بشكل واضح للعيان نتيجة انقطاعه عن الغسيل منذ أكثر من أسبوعين لعدم توفر القدرة المادية.
ويقول الشريف لـ موقع تلفزيون سوريا:" أصبت بالفشل الكلوي بعد أن توفيت ابنتي. من وقتها أخبرني الطبيب بضرورة غسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع كي لا تتراكم السموم في جسدي. اليوم أنا لا أملك القدرة على الغسيل".
رئيس "جمعية الكتاب والسنة" الدكتور زايد حماد، والذي يتابع ملف مرضى الكلى منذ نحو 10 سنوات، يفيد لـ موقع تلفزيون سوريا بأن "آخر مريض كلى توفي قبل 10 أيام لانقطاعه عن الغسيل". ويردف: "ملف مرضى الفشل الكلوي السوريين، ملف جديد وقديم؛ فالمنظمات الإنسانية بدأت بالتململ من ملف القضية السورية عموماً، كما أن تلك المنظمات لم تولِ الجانب المخصص للمرضى أي أهمية، وبقي الدعم المقدم إليهم قليلاً بالرغم من خطورة الملف الصحي المتعلق بالسوريين بشكل عام، ومرضى الأمراض المزمنة على وجه الخصوص".
ويتابع حماد: "هناك 120 مريضاً سورياً مصاباً بالفشل الكلوي في الأردن، توفي منهم منذ بداية هذا العام أكثر من 10 أشخاص نتيجة انقطاعهم عن الغسيل وتدهور وضعهم الصحي".
تكاليف باهظة
أصيبت الطفلة "هبة الله أحمد العبد الله" (14 عاماً) بالجفاف ليُكتشف لاحقاً إصابتها بالفشل الكلوي منذ عام 2017. قرر الأطباء أنها بحاجة للغسيل، وتبنت حينها منظمة طبية تكاليف غسل كُلاها. أما اليوم، فيتحمل والدها التكاليف كاملة بعد أن تخلت تلك المنظمة عن مسؤولياتها.
يقول والد هبة الله، أحمد العبد الله، لـ موقع تلفزيون سوريا: "حاولت تخفيف مرات الغسيل، فظهرت مضاعفات وأعراض جانبية تسببت بارتفاع دقات القلب وخلل بوظائف الكلى. أسعفناها مباشرة، وقال لي الطبيب حينها: منيح أنقذتوها. اليوم حتى لو بدي أقطع الأكل عن أولادي ما بقدر أوقف عنها الغسيل".
ويضيف: "علي ديون 1500 دينار للمستشفيات ثمن علاج هبة الله من قبل ما تبلش الغسيل، وما عندي قدرة أدفعهم، بشتغل بالإنشاءات وكلشي بطلعوا من شغلي يا دوب يكفي غسيل. بتغسل مرتين فقط، والمرض أنهكها جسدياً وأنهكني ماديا... مو قادر أمّن تكاليفه العالية وما حدا بيقدر يغطيها، والمنظمات الإنسانية تركتنا نواجه مصيرنا لحالنا".
"تصرّف غير إنساني"
أما الحاجة عائشة الفاضل فتعتمد على عمل ابنها بلال الذي يستطيع تأمين كلفة غسلة واحدة لها في الأسبوع. بلال الذي يعمل في المياومة ويعيل عائلته المكونة من خمسة أطفال وزوجته؛ يقول بدوره لـ موقع تلفزيون سوريا: "الغسيل عبء لا أقوى على تحمله، أعمل ليلاً ونهاراً لتأمين كلفة الغسيل، ولا أستطيع تغطية أكثر من غسلة واحدة وخاصة بعد تقليص الكوبونات من 160 ديناراً في الشهر إلى 105 دنانير".
ويضيف: "4 مرضى كانوا يغسلون مع والدتي في نفس المستشفى توفاهم الله نتيجة عدم انتظامهم في الغسيل. أما أنا ما تركت بابا إلا وطرقته. راجعت المفوضية قالوا لي إن (كاريتاس) هي المنظمة المسؤولة، والأخيرة قالت لي بدورها إن المفوضية لديها ملف مرضى الكلى! وللآن لا حل ينقذ حياتها وحياة البقية".
ويصف بلال قرار قطع الدعم و"تخلي المنظمات عن مسؤولياتها الإنسانية" تجاه والدته وعشرات المرضى الآخرين، بأنه "تصرف غير إنساني، خاصة أن الجميع يعلم بوضع السوريين في الأردن".
الغسيل.. الأمل الأخير في حياة مؤقتة
يقول الطبيب محمد الذنيبات، المختص في أمراض وزراعة الكلى: "إن غسيل الكلى لمرضى الفشل الكلوي يعوّض بنسبة 20 بالمئة من وظائف الكلى، ولذلك يجب على المريض الغسل ثلاث مرات في الأسبوع".
ويضيف الذنيبات في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا: "إن التوقف عن الغسيل يجعل احتمالية البقاء ضئيلة جداً، لأن ذلك يتسبب بتوقف عمل القلب نتيجة ارتفاع كهربائيته، وبتصلب الشرايين المبكر، ويصبح المريض عرضة للجلطات الدماغية والقلبية. التقليل من مرات الغسيل يؤدي إلى نفس النتائج أيضاً ولكن بشكل متأخر قليلا".
في الأردن، يعامَل اللاجئ السوري في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، معاملةَ الأردني القادر غيرِ المُؤمّن، إذ يجب على المريض دفع تكاليف العلاج، مقابل إبراز وثيقة طلب اللجوء الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ويجب أنْ تكون سارية المفعول، أو إبراز البطاقة الأمنية الصادرة عن وزارة الداخلية الأردنية. إلا أن ذلك لا يشمل مرضى الفشل الكُلوي والسرطان وأمراضا أخرى تعد تكاليفُها مرتفعة، والتي يتم دفع تكاليف علاجها في حال عدم وجود جهات تتولى ذلك، من حسابهم الشخصي.