هل تفكر في العودة إلى بلدك الأصلي سوريا؟ تستطيع منظمات كثيرة في هولندا اليوم مساعدتك على ذلك لتجاوز عقبات البيروقراطية ولتيسير عودة آمنة لك إلى بلدك الأم.
تبدو كلمة "آمنة" هنا مدعاةً للضحك، لكنها تتداول اليوم بكثرة في الأروقة السياسية وعلى منابر المجالس التشريعية في أوروبا، إذ بدأت الدول الأوروبية، وفق ما يبدو، تميل إلى طرد الغرباء من بلادها بعد صعود اليمين المتطرف شعبياً وفي المؤسسة التشريعية.
يتصدر السوريون قائمة اللاجئين الذين ترغب تلك الدول في التخلص منهم بخطط سريعة تنفذ بشكل فوري وعاجل، قبل أن ينقلب المناخ السياسي في أوروبا والمنطقة، وللاستفادة من اعتبار سوريا "آمنة".
تزايدت في الآونة الأخيرة الدعوات في بعض الدول الأوروبية للنظر في إعادة اللاجئين السوريين، إلا أن هذا الموضوع يظل معقدًا ومثيرًا للجدل. فبينما ترى بعض الدول الأوروبية مثل الدنمارك أن دمشق وبعض المناطق الأخرى آمنة نسبيًا للعودة، هناك رفض قوي من بعض الدول والمنظمات لاعتبار سوريا آمنة نظرًا لاستمرار انتهاكات حقوق الإنسان وعدم الاستقرار الأمني.
تعمل الحكومة الهولندية على خطة لإرسال طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم إلى الإقامة في "مراكز عودة" في دول تعد آمنة، مع تقديم تعويض مالي للدولة المضيفة نظير استضافتها لهم.
بدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل النمسا وإيطاليا، الدعوة إلى مراجعة سياسات الهجرة ودراسة إمكانية إعادة اللاجئين، مستندةً إلى مخاوف متزايدة من تدفق أعداد كبيرة منهم. ومع ذلك، تحذر الأمم المتحدة وعدد من الخبراء من أن الظروف في سوريا ما زالت سيئة للغاية بسبب انتشار الجماعات المسلحة واستمرار الصراع، مما يجعل العودة غير آمنة. وأكدت تقارير أن إعادة العلاقات مع النظام السوري قد تقوي وضعه السياسي، لكنها لن تضمن بالضرورة سلامة العائدين في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
تتطلع كل من هولندا ودول أوروبية أخرى حاليًا إلى سياسات جديدة لمعالجة هذه القضية، إذ تعمل الحكومة الهولندية على خطة لإرسال طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم إلى الإقامة في "مراكز عودة" في دول تعد آمنة، مع تقديم تعويض مالي للدولة المضيفة نظير استضافتها لهم. وكانت بريطانيا قد اقترحت سابقًا سياسة مشابهة مع رواندا، لكنها واجهت عراقيل قانونية وكلفة مالية باهظة ولم تُنفذ.
وفي الاتحاد الأوروبي أيضًا، تسعى دول مثل ألمانيا وإيطاليا لتطوير ترتيبات مماثلة مع دول غير أوروبية لاستضافة طالبي اللجوء المرفوضين، لكنها تواجه تحديات قانونية وإنسانية مماثلة. وتشير تقارير إلى أن المفاوضات جارية مع دول في الشرق الأوسط لتسهيل إرسال اللاجئين إليها مقابل تعويضات مالية مناسبة.
لا تستطيع هولندا أو غيرها إجبار اللاجئين لديها على العودة. ولتشجيع اللاجئين على مغادرة البلاد طوعًا، تتبع بعض الدول مجموعة من الأدوات والمحفزات بدلًا من عمليات الترحيل القسري. تهدف هذه الإجراءات إلى تشجيع العودة الطوعية وتخفيف العبء على أنظمة اللجوء الوطنية، باستخدام أسلوبي الترغيب والترهيب، فهي من ناحية تقدم حزم مساعدات مالية تشمل تكاليف السفر ومساعدة اللاجئين في إعادة تأسيس حياتهم عند عودتهم. وتشمل أيضًا تقديم بعض برامج التدريب في الاتحاد الأوروبي وتوفير فرص اقتصادية في الدول الأصلية لتشجيع اللاجئين على العودة بإرادتهم، بالإضافة إلى الدعم المالي، مما يسهم في توفير فرص حياة مستقرة لهم عند عودتهم.
ومن ناحية أخرى، قد تضغط هذه الدول لتدفع اللاجئين إلى العودة من خلال تقليل الرفاهية المقدمة لهم، سواء في ما يتعلق بالإقامات، أو فرص العمل، أو الروتين البيروقراطي، بحيث لا تكون دول اللجوء خيارًا جاذبًا طويل الأمد، مما قد يدفع بعض اللاجئين إلى العودة طوعًا أو البحث عن خيارات بديلة بأنفسهم.
لكن الوضع الأمني في سوريا يظل مصدر قلق أساسي لكثير من العائلات السورية، خصوصًا أن مناطق واسعة لا تزال تواجه مخاطر أمنية وصعوبات اقتصادية. إذ تشير التقارير إلى أن كثيرين ممن عادوا سابقًا واجهوا تحديات في العثور على عمل أو إعادة بناء حياتهم، خاصة في المناطق المدمرة أو التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية.
لا يزال العائدون يواجهون مخاطر متعددة، منها الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري من طرف حكومة النظام السوري وأجهزتها الأمنية، بالإضافة إلى خطر الأعمال الانتقامية في بعض المناطق.
وإذا استمرت برامج العودة الطوعية بفعالية، فقد يلجأ بعض السوريين إلى البحث عن خيارات أخرى في دول مجاورة مثل تركيا أو الأردن أو مصر، بدلاً من العودة إلى سوريا، نظرًا لوجود شبكات دعم اجتماعي وتجارب سابقة لهم في هذه الدول.
ولكن السؤال الملح: هل يبدو خيار عودة السوريين إلى سوريا مطروحًا بالنسبة لهم في ظل الحرب في لبنان؟ ونزوح عدد كبير من اللبنانيين إلى سوريا، الدولة المنهكة اقتصاديًا والتي لاقت نصيبها أيضًا من الهجمات الإسرائيلية؟
في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان، والحرب المستمرة ضده اليوم من الكيان الإسرائيلي، أو في مناطق مختلفة من سوريا، تبدو العودة إلى سوريا خيارًا صعبًا لمعظم اللاجئين السوريين.
إذ لا تزال مناطق واسعة غير آمنة ومليئة بالتحديات، من بينها النزاعات الإقليمية والاعتقالات العشوائية والملاحقات القانونية. لذلك، يواجه العديد من السوريين خوفًا من العودة إلى ظروف غير مستقرة أو قمعية، وحتى لو أراد السوريون العودة، يظل الاقتصاد السوري غير قادر على استيعاب أعداد كبيرة من العائدين. فكثير من المناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، إضافةً إلى الدمار الواسع.
لذلك، قد يختار كثير من السوريين، على الأقل في الوقت الراهن، البقاء في المهجر أو البحث عن حلول بديلة، كإعادة التوطين في دول ثالثة.
تواجه الدول الأوروبية تحديات كبيرة لإثبات أن سوريا دولة آمنة لإعادة اللاجئين، فبالرغم من عودة الحياة الطبيعية في بعض المناطق، تظل سوريا غير مستقرة، مما يجعل من الصعب توصيفها كدولة آمنة للعودة وفقًا لمعايير الحماية الدولية.
إذ لا يزال العائدون يواجهون مخاطر متعددة، منها الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري من طرف حكومة النظام السوري وأجهزتها الأمنية، بالإضافة إلى خطر الأعمال الانتقامية في بعض المناطق. وتعتبر التقارير الدولية التي توثق الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في سوريا أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الدول الأوروبية إلى عدم اعتبارها آمنة للعائدين. وبسبب تدهور الاقتصاد والبنية التحتية، ومع استمرار التقارير التي توثق الانتهاكات والاعتقالات في سوريا، يُنظر إلى هذا النوع من الإعادة على أنه انتهاك للمعايير الإنسانية، وهذا ما يدفع منظمات حقوق الإنسان إلى معارضة برامج العودة الطوعية الإلزامية.
وفي هذا تختلف وجهات نظر الدول الأوروبية حيال تصنيف سوريا كدولة آمنة؛ فبعض الدول مثل الدنمارك اعتبرت بعض المناطق في سوريا آمنة، لكنها واجهت انتقادات دولية وضغوطًا من مؤسسات حقوق الإنسان. بينما لا تزال دول أخرى مثل ألمانيا ترفض إعادة اللاجئين إلى سوريا خشية تعرضهم للخطر.
وعلى الرغم من النقاشات حول إعادة اللاجئين، يبقى احتمال تنفيذ عمليات ترحيل واسعة محدودًا، حيث ما زال الاتحاد الأوروبي ملتزمًا بمبدأ "عدم الإعادة القسرية" بموجب القوانين الدولية، التي تمنع ترحيل اللاجئين إلى أماكن قد تعرض حياتهم للخطر.
غير أن ذلك يبقى متوقفًا على حتمية التزام اللاجئين بالقوانين الأوروبية وعدم التلاعب بها أو خرقها، ذلك أن عودة اللاجئين لزيارة سوريا ترسل رسائل خاطئة للدول الأوروبية وقد تجعل مسألة اعتبار سوريا على أنها بلد حرب مسألة مشكوكًا بصحتها.