انتهى مسلسل صح النوم الكوميدي "بمأساة" زواج فطوم حيص بيص من ياسين، ودخول المحتال غوار إلى السجن، فيما ظهر حسني البورظان يمسح دمعتين حقيقيتين حزناً وحسرة..
رغم الانحراف الدرامي بالنهاية المأساوية التي تنتزح آهات محرقة من صدور المشاهدين، إلا أن المسلسل يلتزم مقولة الشاعر جورج غوردون بايرون "كل الكوميديات تنتهي بالزواج"، قدر هذا المسلسل أن ينتهي بالزواج وأصل حكايته هو: من ستزوج فطوم؟، حيث دار صراع عنيف لم يستطع حتى "أبو كلبشة" إيقافه بين حسني وغوار للزواج بها، لكن، وبما يشبه الحلول الطارئة، اختارت فطوم ياسين الذي لم يكن مرشحاً من الأساس، وهي بذلك أسست لنمط درامي مميز ومنتج للكوميديا ما زال سائداً حتى الآن في دراما التلفزيون، وبقي للمشاهدين سؤال: ماذا دار في خلد فطوم في لحظات المسلسل الأخيرة لتعدل عن الزواج بصحفي يبدو في منتهى الحكمة، وتقبل برجل أشبه بـ"كراكوز"؟..
لحظات عقلانية وتفكير عميق لا يمت للكوميديا بصلة، لم تنقله مشاهد المسلسل، جعل فطوم تغير رأيها وتحرف مساراً منطقياً لحدث عادي، فبدا هذا المزاج الفطومي كوميديا صرفة بحد ذاتها.
أراد الشاعر بايرون أن يقول في جملته المذكورة آنفا، بأن الزواج حد فاصل يوقف الكوميديا، مفسحاً المجال لحدث مغاير، فيما جعل نهاد قلعي، مؤلف مسلسل صح النوم، الزواج حدثاً كوميدياً ذو محتوى تراجيدي عندما سمح بزواج غير متكافئ أنهى به المسلسل وفي الوقت نفسه أسس لكوميديا من نوع آخر..
من سوء الحظ أن الشاعر بايرون مات قبل أن ينهي القصيدة الملحمة "كوميديا دون جوان"، ولكن مقولته حول الزواج كنهاية للكوميديا يمكن أن تعطينا فكرة عن المصير الذي أراده لبطله الأشبيلي الذي أوقع بمعظم نساء أوروبا، وفي طريق الإغواء الذي اتخذه انطلاقاً من إشبيلية ومن دونا جوليا إلى تركيا وروسيا وأخيراً إلى إنكلترا، مارس بايرون هجاءً مجتمعيا لاذعاً ووصف ندرة القيم العليا ووفرة القيم الدنيا بشكل غريب، وهذا أيضا فصَّل فيه حسني البورظان وبقية رفاقه في صح النوم، وكأن النقص في القيم همٌّ تاريخي يمكن التحدث عنه بتهكم عن طريق دراما تلفزيونية بالأسود والأبيض أو من خلال شعر كثيف المعنى ومشبع بالتوريات والقوافي الساخرة كشعر اللورد بايرون.. والزواج هو القسمة المشتركة والأمر الذي عممه بايرون وجعله الخاتمة المفضلة والمثلى للكوميديا.
لم يؤثَر عن شكسبير عبارة تربط الزواج بالكوميديا كما فعل بايرون ولكنه طبق المقولة بحذافيرها على جميع كوميدياته، كان هاجس شكسبير في كل كوميديا كتبها الزواج، وفي معظم الحالات شكَّل محرضاً للدراما ومنبعاً للكوميديا وأنهى كل مسرحية بزواج وفي بعضها بزواجين ومنها ما انتهى بثلاث زيجات وبمبالغة قصوى حقق شكسبير رقما قياسيا في مسرحيتي "كما تحبها" و"عمل الحب الضائع" اللتين ختمتا بأربع زيجات دفعة واحدة..
كان الزواج، بمعناه التقليدي، هو ما يتحدث عنه شكسبير وما يبحث عنه في عمل جماعي يتطلب شخصين يربط بينهما الحب، بما يعاكس فكرة البطل الوحيد المأساوي الذي يعيش ويموت بشكل منفرد.. غالباً ما يُظهر شكسبير الزواج كغاية بشرية منشودة فيجعل محبين يقترنان في أجواء حفل زفاف يصور كدليل درامي، ودوافعه في هذا تقليدية، كما تملي ثقافة العصر الإليزابيثي الذي تشبعت أعمال شكسبير به.. حضر الزواج أيضا في مسرح عادل إمام وشكّل في "الواد سيد الشغال" مقدمة وأساساً حاضراً في المسرحية قد لا تكتمل الدراما دونه.
في فيلم صح النوم، وليس المسلسل، يغير المؤلف رأيه ويجعل فطوم تتزوج حسني البورظان، رغم أن الفيلم مركب بسرعة من مجموعة مقالب مأخوذة من المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه، لكن بتقنية ملونة وبالسذاجة وبالقوالب المعتمدة للشخصيات نفسها في المسلسل.. يتعامل الكاتب بطريقة مختلفة مع مشاهدي السينما، وكأنما يؤثِّر في هؤلاء الجلوس في الظلمة شيء ما يجعلهم يرفضون مشاهدة عرس يجمع ياسين وفطوم، وبدا للكاتب أنهم لن يقبلوا بأقل من خاتمة مبهجة تشعرهم بأنهم استعادوا نقودهم كاملة..
أرضى الكاتب جمهور السينما ذوي الطبيعة غير القابلة للمساومة، وأرضى كذلك بايرون الذي قرر بأن النهايات الكوميدية لا بد أن تكون متوجة بالزواج، ولعله صالح جمهور التلفزيون الذي امتعض من نهاية غير متوقعة تحتوي على الكوميديا ولا تثير الضحك بقدر ما تثير التساؤل.
قد تكون الكوميديا معادلة للسعادة، وإن من دون ضحك، والزواج هو السعي إلى سعادة، رغم الشقاء الذي يحيط بالطريق إليه، والسعادة هي المادة الخام التي يرغب كتاب الكوميديا بالاستثمار فيها، لذلك كان الزواج هماً كوميدياً شبه عام وقفلة موفقة لتلك الكوميديا.