بعد روايته "الآتون من السماء" بأحداثها المشوقة المأخوذة من الواقع، وتصويرها المعاناة الإنسانية التي مازال يعيشها الشعب السوري، في بحثه عن أمل مشروع في حياة آمنة وكريمة، يطل علينا الكاتب السوري د. فادي أوطه باشي بروايته الجديدة "الكنيس المسروق" والتي ستصدر قريبا من القاهرة لتكون مكملة بأبطالها لروايته السابقة "الآتون من السماء" رغم انفصال أحداثها عنها.
فادي أوطه باشي كاتب روائي ومحاضر وإعلامي ومدرب في العمل الإنساني والتنمية. ولد في مدينة دمشق، وتنقل بين عدد من الدول، وله العديد من المؤلفات والمحاضرات. التقاه موقع تلفزيون سوريا، وأجرى معه الحوار التالي.
حدثنا عن روايتك "الكنيس المسروق" وأي كنيس تقصد؟
الرواية تقرأ التاريخ من جديد، تنتقل من السرد المادّي إلى محاكاة النفس والسفر بين عصور ومدن على جناح الكلمة، بسلاسة، وبساطة وواقعية تجعل القارئ يشعر بأنه أحد أبطالها، أو أنه شاهد على مجرياتها.
محور هذه الرواية هو كنيس "إلياهو" في بلدة جوبر في دمشق، والذي يعتقد أنه أقدم كنيس يهودي في العالم ويحتوي على أقدم مخطوطة للتوراة.
ما هو الموضوع الرئيسي الذي تناولته في هذه الرواية؟
تندرج الرواية ضمن ما يسمى بأدب التشويق، حيث ينطلق أبطالها للمساعدة على إحباط جريمة سرقة الكنيس والمخطوطات التاريخية الثمنية التي كانت موجودة فيه، ومن ضمنها أقدم توراة في العالم، والعمل على منع تهريبها للخارج، ليقينهم أنها جريمة تطول التاريخ الإنساني، وتطول أصحاب الديانات السماوية الثلاث، فهذا الكنيس مكان مقدس في اليهودية لكونه مقام النبي "إلياهو"، وفي المسيحية لكونه مقام "مارجرجس"، ولدى المسلمين لكونه مقام الخضر. وبمغامرات وأحداث شيقة، تواكب الرواية ما يتم اكتشافه من أسرار صراعات طويلة سببت الكثير من الحروب و المآسي.
عن أي فترة تاريخية تتحدث الرواية؟
فصول الرواية تتنقل بأسلوب إخراجي لشد القارئ. تتنقل عبر الزمان والمكان ابتداءا من الحاضر، والرجوع إلى ماض سحيق، إلى زمن "التيه اليهودي" مروراً بأحداث حقيقة وقعت في أربعينات القرن الماضي، حيث تتحدث الرواية عن اكتشاف "سفر أشعياء" الكامل ضمن مخطوطات قمران (بينما المنشور في التوراة كما هو معلوم هو جزء منه فقط)، وما رافق ذلك من أحداث، كتطور موقف الفاتيكان في عهد البابا بولس السادس، الذي بادر لفتح صفحة جديدة وبدء حوار حقيقي جاد بين الديانات السماوية، وخاصة مع المسلمين، استمر حتى وفاته.
وأيضاً تسرد الرواية بأسلوب أدبي، أحداث إحباط جريمة تهريب كنوز الكنيس التاريخية الثمنية والذي كان يقف ورائها حاخام يهود دمشق السابق الذي هرب إلى إسرائيل واستقبله اسحق رابين استقبال الأبطال.
هل الهدف من الرواية هو تأريخ هذه الوقائع والأحداث الحقيقية؟
يوجد في الرواية مساحات من التوثيق والمرجعيات التاريخية، إنما بقدر ما يخدم مغزى الرواية التشويقية فقط. لم أكن حقيقة أقصد السرد التاريخي بشكل مباشر، بل إن الرواية في الأساس تتحدث عن فكر مجتمعي لنساء ورجال عاشوا في مراحل تاريخية معينة لتتشابك قصصهم مع أحداث تاريخية مفصلية تشكل المتن العام للرواية.. وتأتي الإشارة لبعض المواقع التاريخية ضرورة لموضعة الشخوص والأفكار من خلالها.
تسرد الرواية بأسلوب أدبي، أحداث إحباط جريمة تهريب كنوز الكنيس التاريخية الثمنية والذي كان يقف ورائها حاخام يهود دمشق السابق الذي هرب إلى إسرائيل واستقبله اسحق رابين استقبال الأبطال
الرواية حتى وإن اعتمدت على التاريخ في سياقها فهي ليست تأريخا، لكن مع مرور الزمن يمكن العودة إلى النص الأدبي والتعاطي معه باعتباره وثيقة دالة على بعض ملامح العصر الذي ظهر به.
هل تقدم الرواية رؤية مختلفة لهذه الأحداث التاريخية المعروفة؟
في الحقيقة نعم، فالرواية تنظر لهذه الأحداث بتركيز على معنى وقيمة الإنسان المرتبط بجذوره في الأرض التي عاش فيها كوطن مهما اختلفت معتقداته عن أبناء ذات الوطن. بالإضافة إلى تصوير ذلك الحدث بعين من الوجدان الداخلي. والشخصيات التاريخية في الرواية تعبر عن مرحلتها التي عاشت فيها وظروفها لكن مع تركيز على النزوع لتخطي المرحلة والتبشير بحلم جديد، وهي فعلا شخصيات مستمدة من الواقع إن كانت موجودة فعلا أم بوجود بعض عناصر حقيقة في كل شخصية من هذه الشخصيات، والتي قد يشعر من يقرأها بأنه أحد تلك الشخصيات.
رواية "الكنيس المسروق " تتضمن بداخلها كتابا يقدمه أحد أبطال الرواية يوثق فيه الحقائق التاريخية التي تتماشى مع أحداث وحبكة الرواية، وهذا في الحقيقة مرتبط بالمنطق الداخلي للرواية وسعيها لكي تعبر عن تطلعات العالم نحو السلام وحوار الحضارات عبر رصد حالة إنسانية رمزية. ولعل ذلك يساعد في صياغة وجدان الأجيال الجديدة وبما يسهم في خدمة شعوبنا العربية في تطلعها نحو الأمن والأمان.
ما هو الأسلوب الخاص الذي استخدمته في كتابة الرواية؟
حاولت أن أجعل من يقرأ هذه الرواية كمن يشاهد فيلما سينمائيا يصور قصة ملحمية، وكأنه يقرأ أكثر من رواية وكتاب ضمن هذه الرواية، لعل أحداث الرواية غير المتوقعة تنقذها من التكرار والرتابة، وكذلك اللغة السلسة المريحة لعين وعقل المتلقي، لتتضافر هذه العوامل من أجل الوصول إلى صياغة فنية ممتعة ومقنعة.
أرى أن اللغة البسيطة القريبة من الواقع هي التي يريدها القارئ المعاصر المثقل بالتعقيدات ويبحث عن البساطة والوصول مباشرة لعقله وقلبه. فعل القراءة الذي هو فعل التفكير يحتاج إلى لغة واصفة ورؤية، لذلك أنا أكتب الذي أتمنى أن أقرأه كقارئ وأرجو أن يشاركني الجمهور ذوقي.
رواية "الكنيس المسروق" هل يمكن أن تصل إلى جمهور غير عربي؟ وكيف يمكن أن تصل لجمهور مشاهد وليس قارئاً؟
آمل أن تصل روايتي لقراء غير عرب، فهناك في الواقع شرخ في مجتمعاتنا البشرية بحاجة إلى حوار وآمل أن تساهم هذه الرواية بالحوار المرجو. لذلك أنا بصدد التعاون مع مترجمين لترجمة الرواية إلى اللغات الإنكليزية والتركية والفرنسية، وهناك تفكير لإنتاجها كفيلم.