بدأت القوات الروسية بإخلاء مواقع عسكرية، ونقاط مخصصة للرصد، في جبلي التركمان والأكراد، في محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا.
وأكدت مصادر عسكرية خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أن روسيا بدأت تمهد لإخلاء عدة مواقع في محافظة اللاذقية منذ 30 يوماً، وباشرت بعملية الإخلاء فعلياً قبل 20 يوماً.
ووفقاً للمصادر، فإن موسكو بدأت بإخلاء المواقع ونقل العناصر نحو روسيا للمشاركة في العمليات العسكرية ضد أوكرانيا، في حين بدأت قوات تابعة للميليشيات الإيرانية و"حزب الله" اللبناني بالانتشار في هذه المواقع.
وخرجت القوات الروسية من مواقع مهمة في منطقة الساحل، وتحديداً في العطيرة وبرج زاهية وصلنفة وشلّف، ومحيط كسب، ومن ضمن هذه المواقع، مركز القيادة الروسي في صلنفة.
وعلم موقع تلفزيون سوريا، أن المراصد العسكرية تأكدت من انتشار ميليشيات إيرانية في المنطقة، من خلال اللغة التي يتكلم بها العناصر على الأجهزة اللاسلكية.
وعن طبيعة المواقع الروسية الموجودة في المنطقة، أوضحت المصادر أن غالبية المواقع التي تم نقل الجنود الروس منها، مخصصة للرصد وإعطاء الإحداثيات لسلاح المدفعية.
تصعيد إيراني في الشمال السوري
ومنذ أيام تقود الميليشيات الإيرانية تصعيداً ضد مناطق سيطرة المعارضة السورية، حيث تم استهداف مجموعة عسكرية تابعة للجبهة الوطنية للتحرير في 8 أيار غربي حماة، ثم قصف قاعدة عسكرية تركية في منطقة الشيخ سليمان غربي حلب في 13 من الشهر ذاته.
ويؤكد مركز "جسور" للدراسات أن الميليشيات التابعة لإيران تضطلع بدور أساسي في عمليات التصعيد الحالية، حيث انطلق القصف الذي تعرضت له القاعدة العسكرية التركية من منطقة قبتان الجبل غربي حلب الخاضعة لسيطرة الميليشيات الإيرانية، كما استقدمت الميليشيات تعزيزات عسكرية إلى غربي حلب، ونشرتها في مواقع تطلّ على منطقتي عمليات "غصن الزيتون" و"درع الفرات".
ما أهداف التصعيد الإيراني؟
ويرى المركز أن التصعيد الجديد يعكس عودة إيران إلى المشهد العسكري بشكل واضح في سوريا، بعد المؤشرات على رغبتها في استعادة الزخم في المشهد السياسي، ويُمكن القول إن إيران تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية من الأنشطة العسكرية الأخيرة شمال غربي سوريا، وهي:
- إلقاء مزيد من الضغوط العسكرية على تركيا كردّ على النشاط العسكري التركي في العراق، والذي يبدو أنه غير مرغوب به من قِبل إيران.
- توظيف انشغال روسيا في الصراع بأوكرانيا لإعادة توزيع وانتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا والتي كان قد تراجع حضورها في جبهات شمال غربي البلاد، بسبب التفاهمات الثنائية بين روسيا وتركيا.
- التمسّك بالحضور العسكري في سوريا، وتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة في هذا الصدد والتي ما تزال تطالب إيران بخفض التدخّل في المنطقة خلال المفاوضات المتعلّقة بالاتفاق النووي.
الانسحاب الروسي أُعطي أكبر من حجمه
قال الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، إن الحديث عن سحب القوات الروسية من سوريا أعطي أكبر من حجمه، خاصة أن الوجود الروسي في البلاد غير ميداني في معظمه، إنما لتقديم الاستشارات وتخطيط العمليات العسكرية، وتنفيذها من قبل وحدات تابعة للميليشيات الإيرانية وبقايا جيش النظام.
ويرى حوراني في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن تهويل الانسحاب الروسي من سوريا، وتسليم المواقع لإيران، ربما يكون مفيداً لإسرائيل، لما لذلك من مصلحة لتشكيل رأي عالمي ضاغط على إيران يجبرها على الانسحاب من سوريا.
وأوضح أن الجيش الروسي حجمه كبير، بغض النظر عن أدائه العسكري وعتاده القديم أو الحديث، بالتالي فإن فتح جبهتين في سوريا وأوكرانيا لا يؤثر عليه بشكل كبير، مرجحاً أن يكون الأمر عبارة عن تبديل للقوات، عبر نقل وحدات عسكرية إلى أوكرانيا، للاستفادة من الشخصيات العسكرية القيادية التي خاضت تجارب في سوريا.
روسيا تقوم بعملية إعادة تموضع
أوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان أن روسيا اضطرت مع بدء غزو أوكرانيا إلى سحب قوات نخبوية من سوريا، وخاصة ضباط الصنوف، وبعد ذلك حصل استنزاف أكبر، لذلك أصبحت أوكرانيا أولوية لروسيا، دون اتخاذ قرار الانسحاب الكامل من سوريا، وفي الغالب كان هناك تبديل للقوات، من خلال سحب قوات نخبة، وإرسال قوات أقل كفاءة إلى سوريا.
ولفت علوان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن عملية الانسحاب من بعض المواقع في سوريا تمت بالتنسيق مع إيران، موضحاً أنه تم رصد عمليات انسحاب من 16 موقعاً، بينها 4 قواعد عسكرية ضخمة، مثل مطار حماة العسكري، ومطار النيرب العسكري.
ورأى الباحث أن حالة الاستنزاف العسكري للقوات الروسية في أوكرانيا تنعكس على الخريطة الميدانية في سوريا، لكن مع ذلك، روسيا عززت من وجودها في مطار القامشلي بالحسكة، وفي قاعدة حميميم باللاذقية، ومحيط ميناء اللاذقية، وميناء طرطوس حيث تقوم بصناعة مرفأ عائم لصيانة العتاد العسكري البحري الروسي، لذلك يمكن القول، إن روسيا تعيد تموضع قواتها في البلاد، بما يتناسب مع الاستنزاف في أوكرانيا.
الجيش الروسي انسحب من 200 نقطة عسكرية
قال القائد العسكري والمتحدث باسم جيش العزة العامل في إدلب، العقيد مصطفى بكور، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا: "لدينا معلومات عن انسحاب الروس من 200 نقطة على امتداد الأرض السورية، ومنها منطقة الساحل وتم تسليمها للإيرانيين، لكن هذا الانسحاب لم يشمل كل الوجود الروسي في سوريا".
وأضاف "بكور" أن سحب القوات الروسية من عدة مناطق في سوريا إلى أوكرانيا إنما يأتي في إطار زج ما يعتقد الروس أنها قوات مدربة تدريباً عالياً في تكتيك القتال ضد المجموعات الثورية صاحبة الأرض، بعد خوضها عددا من المعارك على الأرض السورية ضد فصائل الثورة السورية وهو الأسلوب نفسه الذي يتبعه الروس بحربهم في أوكرانيا".
وأشار إلى أن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الروس في أوكرانيا جعلتهم بحاجة إلى سد النقص الذي حصل لديهم في الرجال مع الأخذ بعين الاعتبار أن الروس يعتمدون في حروبهم خارج روسيا على المرتزقة مثل الشيشان وفاغنر وبعض السوريين من عناصر الفرقة 25 التابعة للنظام، ولا يزجون الجنود الروس بكثرة في هذه المعارك، وهذا ما يوضح فكرة نقص الجنود لديهم بعد خسائرهم في أوكرانيا.
ويعتقد بكور أن ذلك سينعكس إيجاباً على الوضع السوري، وخاصة إذا أتبعت روسيا سحب الجنود بسحب الطائرات، وبذلك سيفقد نظام الأسد والميليشيات متعددة الجنسيات الغطاء الجوي الروسي الذي كانت تؤمنه لهم هذه الطائرات خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإن أي مواجهة قادمة مع الفصائل العسكرية، ستكون مكلفة وتؤدي إلى "هزائم نكراء" لهم.