icon
التغطية الحية

القبر من الصدقات الجارية.. السوريون وصعوبات دفن موتاهم في مصر

2023.06.25 | 05:54 دمشق

آخر تحديث: 25.06.2023 | 05:54 دمشق

القبر من الصدقات الجارية.. السوريون وصعوبات دفن موتاهم في مصر
مدافن مصرية على شكل حجرات تضم رفات عدد من الأشخاص (الإنترنت)
القاهرة - لجين عبد الرزاق دياب
+A
حجم الخط
-A

يواجه السوريون في مصر صعوبات لا تقل قساوة عن مرارة الموت الذي فروا منه في بلادهم عند البحث عن مدفن في الغربة، الأمر الذي يشكل عبئاً على ذوي المتوفى، وذلك لعدم وجود مدافن خاصة بالعائلات والتي يصل سعرها إلى مئات آلاف الجنيهات.

يضطر السوريون في مصر ممن لا يملكون مدفنا عائليا لدفن موتاهم في مقابر الصدقات الموزعة في مصر، وهي أراضٍ يشتريها متبرعون ويقدمونها كنوع من الصدقات الجارية، أو في مدافن أنشأتها الحكومة المصرية للفقراء.

وفي بعض الحالات، يسمح بعض المصريين الذين يملكون مدافن خاصة بهم للسوريين باستخدام مدافنهم.

كما تتلقى الطبقات الفقيرة من السوريين المساعدة من رجال الأعمال وميسوري الحال من أبناء الجالية السورية في مصر، الذين اشترى عدد منهم أراضي حولوها إلى مدافن خاصة بالسوريين في كل من مدن "السادس من أكتوبر" و"بلبيس" و"العاشر من رمضان" لحل مشكلة البحث عن قبر.

طرق مختلفة للصدقة الجارية

الحاج نديم أبو ياسر، سوري من حلب يقيم في القاهرة منذ 38 عاماً، اشترى قبل سنوات قطعة أرض صغيرة لدفن والده فيها ومن ثم حوّلها إلى مقابر خاصة بعائلته ومن ثم لمن لا يملك من السوريين ثمن قبر.

يقول الرجل السوري الستيني، في البداية كنت أريد مدافن خاصة بعائلتي، ولكن بعد فترة عندما وجدت العديد من السوريين لا يملكون مدافن قررت شراء قطعة أرض أخرى تسع لنحو 18 قبراً، لأجعلها صدقة جارية عن روح والدي.

يضيف الحاج نديم، بعد أن امتلأت المقبرة، قررت شراء واحدة أكبر تتسع لخمسين شخصاً.

مدفن عائلة سورية في مدافن بلاد الشام في مدينة بلبيس التابعة للعاصمة المصرية القاهرة (تلفزيون سوريا)
مدفن عائلة سورية في مدافن بلاد الشام في مدينة بلبيس التابعة لمحافظة الشرقية  القريبة من القاهرة، مصر (تلفزيون سوريا)
قبر يعود لمتوفي سوري في مقابر الصدقات بمصر (تلفزيون سوريا)
قبر يعود لمتوفي سوري في مقابر الصدقات بمصر (تلفزيون سوريا)

 

مدافن بلاد الشام

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، يقول الحاج نديم، نتيجة لكثرة الحاجة لمدافن تشاركت بعد فترة مع عدد من رجال الأعمال واشترينا قطعتي أرض واحدة للرجال والأخرى للنساء، كنوع من الصدقة الجارية، وأطلقنا عليها اسم "مدافن بلاد الشام".

تقع مدافن بلاد الشام في مدينة "بلبيس" التابعة لمحافظة الشرقية، ويرقد فيها نحو 300 متوفى سوري في مصر، تفتح أبوابها بالمجان لذوي الدخل المحدود، ولا يتطلب الدفن فيها سوى تصريح دفن من إدارة الصحة ومن السفارة السورية.

الجمعيات الخيرية

كما تساعد المنظمات الإنسانية، والجمعيات الخيرية، في حل مشكلة اللاجئين السوريين المتعلقة بأماكن الدفن.

من الأمثلة، تخصيص الجمعية الشرعية، وهي جمعية مصرية غير حكومية، أرضا اشترتها في منطقة "السادس من أكتوبر" تتسع لنحو 3000 آلاف قبر.

مصطفى جلال، أحد أعضاء الجمعية، يقول اشترينا أرضا زراعية لمساعدة كل من لا يملك المال لشراء مدفن خاص، بغض النظر عن جنسية المتوفى والمهم فقط أن يكون هناك تصريح للدفن.

كما تتعهد الجمعية، التي تتلقى التبرعات الخيرية، في توفير سيارات دفن الموتى، في الوقت الحالي، أما غسيل الجثامين والأكفان مجانية في المساجد.

بدوره، عبد الرحمن الرواس، سوري وعضو في مؤسسة سوريا الغد للإغاثة، يقول في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، مع بداية توافد السوريين إلى مصر، بدأت فكرة إيجاد أماكن لدفن السوريين، فقام أحد رجال الأعمال السوريين بشراء قطاع بين مقابر المصريين وخصصه للسوريين.

ويضيف عبد الرحمن، أن من أبرز حلول الدفن هي ما يقدمه رجال الأعمال السوريين الذين يشترون أراضي يهبونها لدفن موتى السوريين فيها.

وبحسب عبد الرحمن، إما أن يشتري المتبرع أرضا أو يتبرع بالمال للجمعية الشرعية مقابل دفن عدد معين من السوريين فيها.

وتتوزع المدافن الخاصة بالسوريين في كل من بلبيس والعاشر من رمضان والسادس من أكتوبر وهي "مدافن لحد" ليست مثل مدافن المصريين التي تكون على شكل بناء فيه حجرات.

عائلات مصرية تسمح بدفن السوريين في مدافنها

لم تكن تعلم يارا صلاح ماذا تفعل عندما توفي والدها فجأة في القاهرة، خاصة أنها لم يكن لديها أقارب وأصدقاء سوريين يستطيعون مساعدتها فيما يخص الدفن، الأمر الذي دفعها لقبول عرض صديقتها المصرية بدفن الأب بمدفن العائلة المصرية في منطقة البساتين.

تقول يارا، لم أكن أعرف أن هناك مدافن للسوريين، وأن أهل صديقتي المصرية أشرفوا على كل إجراءات الدفن، وبعد العزاء أعطوني مفتاح المدفن لكي أزور والدي في أي وقت.

تضيف يارا، مدافن المصريين عبارة عن بيوت بجانب بعضها، يوجد فيها حجرات صغيرة تحت الأرض مقسمة للرجال والنساء، وكل عائلة تملك مدفنا خاصا بها، فلا تشعر بأن المكان موحش أو مخيف.

كذلك، تمام شرف الدين، سوري مقيم في القاهرة يقول، توفيت والدتي في عام 2015، وعندما كنت مشغولا باستخراج الأوراق من المستشفى من ثم إذن الدفن من السفارة، كان صديقي قد تحدث مع عائلته ورتب مع "التربي" الموجود في المدافن، المسؤول عن تجهيز القبور، من أجل تجهيز مدفن عائلتهم لاستقبال جثمان والدتي.

يقول تمام إن صديقي يعتبر أمي فرداً من عائلته أيضا وأصر على أن تدفن في مكان يليق بها، كما أنها ستكون في مدافن قريبة مما يجعلني أزورها دائما.

فتح العديد من المصريين مدافنهم للسوريين، وتشاركوا معهم قساوة الموت وألم الفراق، في حين لم يكن يعلم السوريون أنهم قد يتغربوا ويدفنوا في أرض بعيدة.

 

اختلاف طرق الدفن بين سوريا ومصر

يدفن المصريون موتاهم عن طريق بناء ما يشبه حجرات صغيرة فوق سطح الأرض مقسمة للرجال والنساء، يوضع فيها الميت ويغطى بالتراب، ثم يقفل عليه الباب.

يتسع المدفن المصري  لما يقرب من خمسة أشخاص، ويعد قبراً جماعياً للعائلة الواحدة، كلما مات منهم شخص فتح القبر ويوضع الجثمان فيه، وبعد امتلاء المدفن تخرج عظام رفات السابقين وتجمع في مكان داخل المدفن يطلق عليه اسم "عظامة".

ولكن الأمر مختلف في سوريا، فالقبر عبارة عن حفرة يتم حفرها تحت الأرض، وتسمى "اللحد"، يوضع الميت في منتصفها، ثم يتم تغطيته بالطوب أو ألواح إسمنتية، يتم وضعها بشكل عرضي من أحد جانبي الحفرة إلى الجانب الآخر، ومن ثم يتم طمر الحفر بالتراب، وغالباً لا يدفن أكثر من شخص في القبر الواحد.

أزمة نقل الجنازة إلى سوريا

يعد موضوع نقل جثامين الموتى إلى سوريا أمرا معقدا جدا ويكاد يكون مستحيلا، حيث يتطلب الأمر أوراقاً وموافقات تكلف أموالاً لا يستطيع معظم السوريين دفعها، كما تستغرق وقتاً طويلاً لا يتناسب مع الإسراع في إتمام إجراءات الدفن.

يذكر أن وزارة خارجية نظام الأسد طلبت، عبر موقعها الرسمي، إجراءات للسماح لذوي المتوفى في الخارج بنقل جثمانه إلى سوريا ودفنه هناك، لكن بعض هذه الشروط يصعب تحقيقها على اللاجئين الذين فروا بطرق غير رسمية، وخاصة الذين يخشون الملاحقات الأمنية، لأن الخارجية تطلب وجود مرافق للجثمان من عائلته للسماح بنقله إلى سوريا، وهو أمر يعرض المرافق لتهديدات تتعلق بحياته في طريق العودة إلى سوريا.