قبل أيام نشرت مجلة دير شبيغل تحقيقا مطولا يوضح كيفية تورط النظام السوري عبر وحدات عسكرية ومقربين من الأسد في تجارة مخدرات تجاوزت قيمتها في عام واحد 5.7 مليار دولار، وأضحت حاليا أهمّ ما يتم تصديره من سوريا، وكان من اللافت ورود اسم الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد ضمن التحقيق، ومن هذه البوابة فتح "منتدى دمشق" حلقته الأخيرة لهذا الأسبوع، حيث تناول موضوع الفرقة الرابعة دورها وولاءها وعلاقاتها، حيث تشكلت تلك الفرقة كقوة موازية داخل الجيش، وأسندت إليها مهمة حماية النظام والمحافظة على دمشق تحت سيطرته في حال أي تهديد خارجي.
الفرقة الرابعة.. نسخة مطورة من سرايا الدفاع
وتحدث الباحث في الشأن العسكري والجماعات ما دون الدولة عمار فرهود عن أن النظام الذي يعتمد على مقدرات الدولة يحتاج إلى قوة عسكرية منضبطة ومسلحة تسليحاً جيداً تكون منصاعة له بشكل كامل، فكانت سرايا الدفاع النموذج في عهد حافظ الأسد، ثم أتت الوحدة 569 بعد الشقاق بين الأخوين بين عامي 1984 حتى عام 1994، لتتم تسمية الفرقة الرابعة في ذلك العام، باعتبار أن وجودها ضروري بالنسبة للنظام من أجل حمايته من التهديدات الداخلية وحماية تجارته مثل النفط سابقاً والمخدرات والمواد المسلوبة من بيوت المهجرين حالياً.
ويرى عمار أن التاريخ مرتبط بالحاضر فبداية حزب البعث مع اللجنة العسكرية داخل الجيش لم يكن بها ضباط من السنة، ثم مع انقلاب آذار عام 1963 هيمنت اللجنة على الجيش ومفاصل الدولة، ليأتي انقلاب حافظ الأسد وعملية تصفية الخصوم السياسيين والعسكريين، التي دفعت به إلى تشكيل مجموعة عسكرية من أبناء الطائفة لحماية حكمه، فكانت سرايا الدفاع برئاسة رفعت الأسد، وبعد الخلاف بين الأسد وشقيقه برزت تكتلات مختلفة في الجيش ولكنها من طائفة واحدة، فأظهروا الولاء لحافظ الأسد ومن هنا تنامت فكرة الاعتماد على العصبية الطائفية وبناء الفرقة، باعتبار أن الجيش يشمل كل المكونات ولا يتطابق مع فكرة حماية النظام.
وأضاف عمار أن الفرقة الرابعة تشكيل عسكري يتلقى أوامره من مركزية الدولة أو القصر كقيادة، لكنه فعلياً منذ انضمام ماهر الأسد إليه عام 1989 أصبح المهيمن على الفرقة وأصبحت الأوامر الداخلية المحورية هي أوامر ماهر الأسد، أما القضايا الإدارية فكانت تتم عن طريق قائد الفرقة والتسلسل الإداري المعروف، وأكد عمار أن الفرقة تتبع بشكل مباشر للقصر الجمهوري وليس لوزارة الدفاع، كما أنها فرقة عسكرية ليست مخصصة للمواجهات أو الاقتحام، بل مهمتها كما يقال باللهجة المحلية (فزعة)، حيث تقوم بإسناد الفرق الأخرى من الجيش التي تحتاج إلى الدعم والإسناد.
ونتيجة لأن الفرقة معتمدة من قبل النظام بشكل مباشر لحماية مصالحه، فهي المشرفة على العملية الاقتصادية الخاصة به داخل سوريا، وهي اليوم راعية عمليات تهريب المخدرات وتجارة النحاس والخردة والأدوات الكهربائية المسلوبة كما ذكرت صحيفة دير شبيغل، لكنها غير قادرة بشكل منفرد على القيام بالعمل، بل تعتمد على شركاء محليين في المناطق السورية، وهذا يؤكد أن دورها الإشراف على العملية وإدراتها.
أما الباحث والصحفي عبد الله الغضوي فقد تحدث عن تاريخ تشكيل الفرق الموازية في الجيش وأكد أن الفكرة ظهرت عام 1966 ثم اعتمدها حافظ الأسد نتيجة عدم ثقته بالمحيط العسكري، فحاول خلق قوة عسكرية موالية مدعومة بعتاد كبير جداً، تكون مهمتها فقط حماية دمشق، باعتبارها مركز القرار والعاصمة، فتم إنشاء سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد، ثم جاءت الفرقة الرابعة وماهر الأسد، ورأى الغضوي أن فكرة الفرقة الرابعة ليست قائمة على الطائفية، بالرغم من أن العامل الطائفي جزء منها، لكنها فكرة قائمة على الولاء، ففي التسعينيات تم إصدار قرار بضم الفرقة الرابعة إلى الجيش، ورغم ذلك القرار بقيت خارج نطاقه، ورأى أن وجود الفرقة بهذا الشكل والدور غير مرتبط بماهر الأسد أو رفعت من قبله، بل إن وجودها مرتبط بنظام أقامه حافظ الأسد.
التدخل العسكري للفرقة الرابعة في معارك سوريا
وحول حضور الفرقة عسكرياً قال الغضوي إن المعارك الثلاث الرئيسية التي كشفت واقع الفرقة الرابعة كان بداية معركة إدارة المركبات، ثم معركة الدخانية، ومن بعدها معركة مع تنظيم الدولة، كل تلك المعارك مضافاً إليها معارك ريف اللاذقية فشلت فيها الفرقة فشلاً كبيراً، على الرغم من أنها تمتلك إمكانيات كبرى، فلديها أسطول من الدبابات يتجاوز 500 دبابة، وأكثر من 20 إلى 25 ألف مقاتل، وسلاح كيميائي وصواريخ وجهاز أمني خاص وفرق انتحارية لم تدخل المعارك حتى اليوم، وهذا يدل على أنها فرقة بطش وليست قوة مدربة ومهيأة عسكرياً للحروب، ويقال عنها في الوسط العسكري لدى النظام إنها "سارقة الانتصارات"، وتعيش حالياً مأزقاً صعباً نتيجة الميليشيات المرتبطة بها، حيث إنها بهذه الصورة لم تعد جيشاً منظماً، ولم تتعرض لاختبار حقيقي، فهي تشبه في تكوينها كتائب القذافي التي انهارت مع أول مواجهة فعلية، وقوات فدائيي صدام وحرسه الجمهوري، والتي انهارت أيضاً أمام الاختبارات الحقيقية.
وأضاف الغضوي أن حافظ الأسد اعترف لمحمد حسنين هيكل عام 1988 بأنه ألغى فكرة التوازن العسكري أمام إسرائيل، وذهب إلى فكرة خلق قوة عسكرية لحماية نظامه وليس حماية الدولة.
العلاقة بين الفرقة الرابعة وإيران
وحول علاقة الفرقة بإيران رأى الغضوي أن إيران كانت أسرع حلفاء النظام للتدخل العسكري في سوريا، حيث جاء التدخل مع بداية الصدام بين النظام والشعب، وهذا ما جعل يد إيران في سوريا قوية حتى تجاوزت يد روسيا هناك.
ففي عام 2015 عندما تدخلت روسيا، بدأت بإعادة هيكلة الجيش لمحاولة تنظيمه، بعد أن أصبح ذا طابع ميليشيوي وتسيطر عليه إيران وبعض الضباط المتنفذين، ففشلت روسيا وتراجعت وقامت بإنشاء الفيلق الخامس وهو عملياً إعلان روسيا عن عدم قدرتها على التعامل مع جيش النظام والفرقة الرابعة.
وأضاف أن هناك أسباباً عديدة للعلاقة الوطيدة بين الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية أولها أن أحداث 2011 كانت تتطلب سرعة قرار وتنفيذ على أرض الواقع والجانب العملياتي مهم هنا، فكانت الفرقة الرابعة أبرز من يمكن الاعتماد عليه.
أما الأمر الثاني: فهو وجود سلطة ونفوذ للفرقة الرابعة لا تتمتع بها أي فرقة أخرى في الجيش وهنا وجدت إيران ضالتها بالفرقة لتحقيق انتصارات عسكرية على الأرض.
أما الأمر الثالث فله بعد اقتصادي حيث إن كل ما يتعلق بالمال في سوريا مرتبط بالسلطة والفرقة الرابعة بوابتها العسكرية والجهة المخولة بحماية تلك المصالح، فكان التعفيش والتهجير والتخريب من اختصاصها، ومن هنا نجح الانتشار الإيراني في سوريا وكانت الفرقة الرابعة بوابته.
أما الباحث في المؤسسة السورية للأبحاث واستطلاعات الراي رشيد حوراني فرأى أن الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، تشكيلات طائفية تقوم على الولاء الطائفي قبل الوطني.
ويأتي خط الدفاع الأول عن مدينة دمشق من اختصاص الفرقة الرابعة، وهذا ما يفسر هجوم قواتها على المناطق التي ثارت في محيط دمشق.
وهذه الفرقة لديها مكتب أمني كانت مهمته قبل الثورة مراقبة الضباط داخل الفرقة وتعدادها تجاوز 18 ألف مقاتل، وقد نشأ الولاء بالنسبة لضباط الفرقة وعناصرها بناء على المكاسب الشخصية والضيقة، وهي لا تتمتع بأي قدرة قتالية مميزة عن غيرها مع باقي الفرق.
وقد ساق حوراني مثالاً حين اندلعت مواجهات العام الماضي بين المعارضة في درعا وعناصر الميلشيات الإيرانية وقوات الفرقة الرابعة، وقال: رأينا حجم الخسائر التي منيت بها الفرقة هناك، لكن منهج العنف المعتمد من قبل تلك الفرقة رسم لها صورة نمطية مرعبة في عقول السوريين المدنيين
وأضاف حوراني: إن التنوع الطائفي ضئيل في الفرقة الرابعة معارضاً بذلك طرح الغضوي، واستند إلى أسماء القادة الذين تناوبوا على رئاسة الفرقة منذ تشكيلها، إضافة إلى قادة الأفواج والكتائب فيها، ورأى أن عناصر سرايا الدفاع تم صهرهم في الفرقة، فالفوج 555 يشكل عماده شخصيات من سرايا الدفاع لا تزال حتى اليوم موجودة، ورأى أن تلك الحركة كانت رسائل طمأنة للطائفة بأن النظام هو الذي يحميها وأنها هي من تحميه وتدعمه.
وحول الانفتاح بين الفرقة وإيران، يرى حوراني أن الأخيرة في ظل الضغط الدولي عليها وعلى ميليشياتها، وجدت في الفرقة الرابعة ونفوذها في سوريا غطاء لها، فحدثت حالة توءمة بين الفرقة وميليشيات إيران، حتى أننا نجد اليوم نقاطاً عسكرية يتمركز فيها عناصر ميليشيا حزب الله وإيران تحت اسم الفرقة الرابعة.
ورأى حوراني أن إيران حاولت اختراق الجيش في سوريا قبل الثورة، ودخلت مع الثورة في حالة أوسع حتى على الصعيد التثقيفي لعناصر الجيش والفرقة الرابعة.