يتقدم الطب عالمياً يوماً بعد يوم، وتسعى الدراسات والأبحاث الطبية إلى اكتشاف علاج لأمراض ميؤوس منها، ولكن على الطرف الموازي، تنتشر في سوريا التي دمرتها الأعمال العسكرية وانهار اقتصادها، بدائل للطب، كالطب البديل والطب العربي، حيث انتشرت سابقاً كثير من الأقاويل حول نجاح الطب العربي بعلاج (الديسك) وأوجاع المفاصل ليصل المريض بعدها لمرحلة مؤسفة من المرض، كذلك انتشرت كثير من طرق استخدام الأعشاب لعلاج السرطان والوقاية منه من دون أي إثبات علمي، واليوم تنتشر قصص وأخبار عن العلاج "بالأكسجين" مع شهادات حية لأشخاص خاضوا التجربة وبحسب زعمهم حصلوا على تقدم ملحوظ، وتكمن المشكلة في الترويج لعلاجه أمراضا مستعصية مثل السرطان وغيرها وأمراض العظام التي قد تحتاج إلى تدخل جراحي.
العلاج بالأكسجين.. بوابة للمستقبل أم بوابة للاستغلال؟
يزعم أحد المراكز في اللاذقية أنه يخطو نحو "المستقبل لعلاج الأمراض"، ويقوم المركز على فكرة العلاج بالأكسجين لعلاج حالات نقص الأكسجة والاضطرابات السلوكية عند الأطفال وأمراض المفاصل وغيرها. المركز الرئيسي موجود في مدينة طرطوس وله فرع في مدينة اللاذقية، وينشر أخباراً مستمرة عن نجاح تجاربه على صفحات التواصل الاجتماعي وخاصة فيس بوك، وتروج له كثير من الصفحات وتدعو جميع المرضى للخضوع لتجربة العلاج هذه.
مبدأ العلاج في هذا المركز هو إدخال المريض ضمن كبسولة تشبه جهاز تصوير الرنينن المغناطيسي ويعرض المريض للأكسجين بضغظ قوي نسبياً وكلفة الجلسة لا يقل عن 350 ألف ليرة سورية.
ويقول طبيب اختصاصي في أمراض الأطفال لموقع تلفزيون سوريا، إن معظم الحالات التي سمع عنها لم تشف بالشكل التي تروج له المراكز والتحسن الذي شاهده بعد أكثر من عشر جلسات لم يتجاوز 1 في المئة فقط .
ويوضح الطبيب "كيف يمكن لطفل تعرض لنقص أكسجة دماغية وتضررت عدة باحات في دماغه أن يعود طبيعياً، الأمر مناف للعقل". وبحسب الطبيب في "حالات نقص الأكسجة تتضرر باحات معينة في الدماغ تبعا لشدة نقص الأكسجة وعند تضررها، تكون الأذية غير عكوسة أي ليس بإمكانك إعادة منطقة ميتة للحياة في الدماغ تحديداً فهو أشد المناطق تأثراً بنقص الأكسجة، وعند وجود بؤر صرعية فعلاجها جراحي بحت".
ويوضح الطبيب أنه لم يصدر أي تعميم من منظمة الصحة العالمية حول فوائد مثل هذا العلاج.
يدعي المركز أيضاً أنه يعالج مشكلات اضطرابات التطور عند الأطفال أو فرط الانتباه، وبحسب اختصاصية في العلاج النفسي (طلبت عدم ذكر اسمها) فإن "الاضطرابات السلوكية عند الأطفال أو اضطراب طيف التوحد هي اضطرابات تحتاج إلى علاج سلوكي، ومشوار علاجها طويل ومتعب ويحتاج إلى جهد كبير، ولا يستطيع أحد من خلال التعرض للأكسجين أن يجعل الطفل المصاب بهذه المشكلات يماثل أقرانه السليمين، الموضوع برمته ضحك على العقول، لكن الناس يتعلقون بقشة"، على حد وصفها.
رخصة كمراكز استشفاء
تستمر مراكز العلاج بالأوكسجين وغيرها من مراكز الطب العربي والبديل بالعمل دون رقابة أو محاسبة. ولم يتم حتى اللحظة اتخاذ أي أمر جدي ورسمي بخصوص هذه المراكز.
وبحسب الدكتور "رامي" (طلب عدم ذكر اسمه كاملا)، فإن المراكز المخالفة تغلق بأمر من مديرية الصحة في كل محافظة، ويوضح أنه في حال قدم المركز رخصته كمركز استشفاء علاجي فيزيائي وليس كمركز طبي فسيكون صعبا إغلاقه بالقانون. إضافة إلى أنه حتى اللحظة لم تسجل شكوى من مريض ضد هذه المراكز، فمن دون شكوى رسمية من أحد المتضررين لا يحق لوزارة الصحة التابعة للنظام التدخل وإيقاف المركز عن العمل.
أطباء في اللاذقية ينتقدون
"يأتيني كثير من المرضى بعد تدهور وضعهم الصحي بقصد العلاج، لا يكترث هؤلاء المرضى بالشكوى على هذه المراكز فهم بالنهاية لم يسببوا ضرراً ولكنهم لم يحسنوا من الوضع" يضيف الطبيب رامي.
ووفقا للطبيب فإن العلاج بالأوكسجين لا يسبب ضرراً إلا إذا تم استخدامه بضغوط عالية جداً وكميات كبيرة، وهو لم يحدث في هذه المراكز، فهم يتبعون إجراءات سلامة دقيقة ويلتزمون بها.
ويوضح الطبيب أنه "رغم أن المريض يحصل على تغيير طفيف، لكنه لن يشتكي إلا إذا ساءت حاله، مثلا مريض يعاني ألماً مستمراً في الظهر قد يصبح الألم أخف بدرجة، أو مريض يعاني نقص أكسجة دماغية قد يرمش عينيه مثلاً بعد أن كان لا يستطيع وذلك بعد ثلاثين جلسة" وهذه التغييرات وغيرها بحسب الدكتور رامي مضيعة للوقت وغير مجدية.
هذه العبارة تصف بدقة الوضع الراهن مع ممارسي الطب البديل والطب العربي، والأمر لا يتوقف عند مراكز العلاج بالأوكسجين فقط بل يتعداه لاستخدام الخلايا الجذعية في العلاج وهو أمر ما زال قيد التجربة في دول العالم المتقدم وقيد الدراسات، ولكن في اللاذقية عمد مشفى "الصوفي" لتطبيق هذه التقنية دون أي إلمام فعلي بمخاطرها ما دفع مديرية الصحة في اللاذقية لإغلاق المشفى منذ عدة سنوات لتجاوزه صلاحياته وكثرة الشكايات عليه.
وبالنسبة لمديرية الصحة في اللاذقية، فهي لاترغب بانتشار هذه المراكز مقابل تهميش دور الطب الحقيقي، وخاصة أن استخدام هذه الوسائل ليس مرخصاً من قبل وزارة الصحة، ويجب أن يتم في مراكز مجهزة ويفضل أن يكون في مراكز أبحاث ودراسات لا أن يتم في مراكز خاصة بهدف جني المال، يقول الطبيب.
ريما (طلبت عدم ذكر اسمها كاملا) خريجة كلية الطب البشري وتتفرغ للقيام بالأبحاث، تعترض وبشدة على هذه الإجراءات، ليس لنفعها من عدمه، بل لأن هذه التجارب إن نجحت فيجب توثيقها والتوسع في دراسة فوائدها ومخاطرها وآثارها الجانبية.
وتقول لموقع تلفزيون سوريا "كلنا نعرف ضرورة المعالجة الفيزيائية وجلسات المساج وأهميتها للجسم وهي علم وليست مجرد ممارسة ولكن أن يتعدى أحدهم على اختصاصات غيره التي أفنى عمره من أجلها فهو شيء معيب ومستفز".
وتقول اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية حول العلاج بالأكسجين إنه يستخدم في "حالات نقص الأكسجة أو الالتهاب الرئوي أو أمراض الجهاز التنفسي الأخرى وخاصة بعد انتشار كوفيد 19.."، وتضيف أن "الالتهاب الرئوي، وهو عدوى تصيب الرئتين، يرتيط بـ 15% من وفيات الأطفال تحت سن الخامسة".